قصيدة لـ زاهر السالمي: في البدء كانت حكاية
في البدء كانت حكاية لـ زاهر السالمي ..
أبدأ هذه الحكايةَ غير المُملّةِ بجرثومةٍ
رغم أنّ تلك الجرثومة لم تتدخل بشكلٍ عنيف
في سياق الحكاية التي تاريخها طويل قبل قِيامةِ جرثومة.
غير ذلك؛ كانت الجرثومةُ مصادفةً موضوعيةً
صلبةً تنقشعُ مع أصيل القرى البعيدة.
هنا تأتيكم الحكاية بتفاصيلها وتعرّجاتها
في دروبِ حارةٍ غير التي نتذكرها جميعاً
إلا في الرحلات غير العائلية.
بالتأكيد للحكاية فصولٌ
تتناوب في الذهاب والإياب مع صباحٍ
لم يَرْتَدِ ذلك اليومَ غير مِرآته،
وتجنبَ الذهاب في غير طريق الحقول.
هناك نَهْر في زئيرهِ تعبر غابةُ الحكاية
لا ينتهي بغير قفزة ضاريةٍ
في المحيطِ يحيط جزيرةً تنتمي لغير محيط الحكاية،
قبل أن يتدخل رأسُ حمارٍ وحشي غير مُخطَّطٍ
نافضاً الغبار الذي لا علاقة له
بغير مسافةٍ زمنية قابَلها
عَرَضاً في الطريق إلى الحكاية.
إذن هيّا بنا إلى مساءِ الحكاية
راقصاً يغنّي بانتشاءٍ عجيب
وهو يرتدي صَيْف غيمة في الساحة العامَّة.
أصابع البيانو ذاكرةُ بصمةٍ وحيدة، كَنزتْ
صدى ساكسفون يتنزَّه في رئة الساحة عامّة.
هكذا هو المساء في موجزٍ لَكْنَتُه غير موجَزةٍ
كما ينبغي للإيجاز أن يَنْبَري في تضاريس مساء
غَيّرَ مَسارَه في مسالك الحكاية.
في أصل الحكاية بهجةُ امرأةٍ تتهيأ لسهرة بديعة
في السهرة سُلّمٌ تلك سماءُ ساكسفونٍ يَعْوي
جازٌ رَخيم
ساكسفونٌ يَعْوي
مفتاح الرغبة في يدِ العازف
ساكسفونٌ يَعْوي
صديق قديم فقد وجهه: كونتروباس
ساكسفونٌ يَعْوي
عشيقةٌ تَعلَّقتْ بوترِ غيتار: واهْ – واهْ
ساكسفونٌ يَعْوي
لتكن لي أصابع بيانو
ساكسفونٌ يَعْوي
العبث موسيقاي
ساكسفونٌ يَعْوي
إنه الجازُ تجريدُ موسيقا
من ملابسها الداخليةِ بينما
عبّادُ شمسٍ يرتفع مُصغياً لقمر الحكاية؛
حينها ماذا لو دَعتْكَ الحكاية
بشَهيَّةٍ مفتوحةٍ للعناصر، بحبْكةٍ تغولتْ في الأثناء،
تَشرْنقتْ في الأنواء، حادتْ
عن الصندوقِ المُعلَّب، سيأتي جزّارٌ مازوشيٌّ بساطورٍ
فولاذيّ يَفْتلُ حَبْلها قبل أن ينتهي بها المطاف
إلى الزريبة. نهايةٌ اعتباطيةٌ مُتَوافق عليها؛
لذلك جلستْ الحكاية في ظهيرةِ هرمٍ زجاجي خلف
منضدةٍ برجوازية تشبه رغيفاً أسمرَ الطلعةِ يستلقي
فوق مِشْرحةِ مَلاكٍ صاعق، مع فنجان قهوة
داكنة من غير سُكّر تَكتبُ سيرتها الذاتيةَ
على بَرْديّةٍ خوخّيةٍ فضاءُها استطيقيٌّ
يخترقه انكسارُ شعاعٍ نبيذيّ بين برْديّة وأخرى،
من أين جاءت نطفة الحكاية
كلماتُها مشحونةٌ ببطّارية من غير أسلاك
عندما الدهر تعالى ظلُّه فوق البحيراتِ أغرقها الطوفان!
وحتى لو اختلفتْ الروايات ووجهاتُ النظر، يبقى
أنّ للحكاية مشاهدٌ لا بأس بها؛ أنظرْ مثلاً
ذلكَ المشهدَ المتحرك-الثابت: كلبٌ أندلسيٌّ
يَحْلُم داخل إطارٍ مُتدحرجٍ في لوحةٍ معقوفة الشارب،
وذلكَ الآخرَ الأكثرَ سطوعاً وثباتا:
قنديلُ بحرٍ يَفْرِز المخالفات المرورية.
كل هذا يُثْبت عكس ما قُلْناه، حسب وجهة
نظرٍ رجعية لكنها عصرية. مِلْقطُ شَعْر دقيقٍ
ينزع الثقة عن الواقع كاشفاً وجهَكَ الارتيابيَّ.
وككل حكاية يَتعثَّر الحظُّ أحياناً
يومٌ حزين جداً غير مدون بشكل ثلاثي
الأبعاد في السيرة الرسمية للحكاية
عندما تاهتْ في أغوارِ ساردٍ
غيرِ عَليم. بَوْصلة. ريحٌ
تَطْرقُ الجهاتَ بصفير أعمى
أثرٌ على الرمل لوشاحٍ قُزحيّ المَلْمسِ
حول قنبلة. عَيْنٌ عارية. قذائفٌ
من الزنابقِ الحمراء تجد طريقها
إلى دماغ الحكاية الذي
كان في عطلة الأسبوع. يومها
انطلقتْ عملياتُ البحث الجوية، انهمرتْ البياناتُ
المتضاربةُ من مصادر غيرِ رسمية، تمشيطٌ مُتواصلٌ
لكل جَديلةٍ من الحكاية التي ورغم أنها
اشتعلتْ في ذلك اليومِ التراجيديّ
بنيرانٍ غيرِ صديقة، إلا أنها وصلتْ أخيراً
إلى موسيقى الحجرة في مونتاج جديدٍ وغيرِ نهائي؛
هنا قرَّبتْ الحكاية عدسةً مُقَعَّرة فوق خريطةٍ
مفروشةٍ بالتفاصيل، بحْثاً عن الفردوس
غير الملوثة. هيّا يا إيروس؛ هذه هي الحياة؛
إذن هيا لنذهب إلى السوق الشعبي
– عربة يجرها
حصانٌ غير كسولٍ لكنَّ دروباً أرهقته
نزلنا من العربة، نحن والحكاية، في السوق الشعبي
تجمع الأهالي ليسمعوا الحكاية
من فم الحكاية…
هكذا هي الحكاية وقبل أن تنزل إلى قلبِ بِئْرها الأسطورية
أعلنتْ بغير تدخل مباشر، في السوق الشعبي
أمام الأهالي الذين تَجمْهروا دون سبق إنذار، ليسمعوا
من فم الحكاية
أنها وبعد أنْ فجَّرتْ رأسَ المألّفِ
بفكرةٍ عنقودية، أخْرجتْ خُطْبةً عصماء
من ثلاجة موتى، وأخذتْ
تُقرْمِشُ فُستقاً حَلبيّاً غير مُملّح.
زاهر السالمي؛ شاعر عُماني، رئيس تحرير مجلة قنّاص الثقافية.