عُمان في عهد السلطان فيصل بن تركي البوسعيدي (1888-1913م)
بقلم عماد البحراني
صدر حديثا عن مؤسسة الانتشار العربي كتاب عُمان في عهد السلطان فيصل بن تركي (1888-1913م). يناقش الكتاب أوضاع عُمان في عهد السلطان فيصل بن تركي البوسعيدي، وقد اعتمد المؤلف في هذا الكتاب على المنهج التاريخي من خلال تسلسل الأحداث التاريخ والسياسية الخاصة بالفترة الزمنية للدراسة، فضلًا عن المنهج الوصفي أحيانًا من خلال وصف الأحداث المتعلقة بهذه الفترة، والمنهج التحليلي من خلال تحليل الأحداث في تلك الفترة الزمنية.
كما اعتمد على الكثير من المصادر والمراجع ذات الصلة بالموضوع، كالوثائق العُمانية والعربية والأجنبية المنشورة وغير المنشورة، فضلا عن الرسائل الجامعية والكتب والدوريات والموسوعات المختلفة، ومن أهمها: سجلات مکتب الهند بلندن India Office Records، ووثائق وزارة الخارجية البريطانية Foreign Office، ووثائق هيئة المحفوظات والوثائق الوطنية في سلطنة عمان، ووثائق الأرشيف الوطني في إمارة أبو ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، والوثائق المنشورة في الإصدارات التالية: عُمان وفرنسا صفحات من التاريخ، بالو ایزابیل، والوثائق العربية العمانية في مراكز الأرشيف الفرنسية، سلطان بن محمد القاسمي، وسجلات عمان Records of Oman.
يحتوي الكتاب على مقدمة وتمهيد وأربعة فصول وخاتمة، تطرق المؤلف في التمهيد إلى أهمية موقع عُمان الجغرافي، وأوضاعها السياسية والاقتصادية في عهد الدولة البوسعيدية، كما تطرق إلى خبرات فيصل بن تركي الإدارية والعسكرية قُبيل توليه مقاليد الحكم.
فيما تناول الفصل الأول من الكتاب أوضاع عُمان الداخلية مع تولي السلطان فيصل الحكم، وأبرز الصراعات الداخلية التي شهدها عهده. حيث أوضح المؤلف أن السلطان فيصل بن تركي البوسعيدي قد فرض نفسه على حكم عُمان، وكان هو الأوسط بين إخوته فتقبل أفراد أسرته الأمر في جو سلمي، فكان بذلك أول سلطان من أسرة البوسعيد يتولى الحكم بصورة سلمية في عُمان.
وبين المؤلف أن السلطان فيصل في بداية عهده قد بذل محاولات للتقرب من زعماء القبائل العُمانية المعارضة لحكم أبيه، ومن أهم تلك المحاولات خطابًا بعث به إلى الشيخ صالح بن علي الحارثي أكبر رجال المعارضة يطلب منه التعاون في إدارة الدولة، وقد أثمر هذا الاتصال بعقد صلح بينهما. كما ذهب بعيدًا جدًا عندما استخدم في بعض المناسبات لقب إمام مثل ما استخدم لقب سلطان، فقد طبع كلا اللقبين على القليل من العملات المعدنية التي قام بسكها.
كما أشار إلى أن محاولات السلطان في تحقيق الوحدة العُمانية أزعجت البريطانيين، ولذلك احجبوا عن الاعتراف الرسمي به، وتركوه يواجه خصومه بمفرده دون حماية، وعندما استفسر كلاً من إبراهيم بن قيس الذي كان مسيطرا على الرستاق، والسيد عبد العزيز بن سعيد -عم السلطان الذي كان يطمع بالحكم- عن الحماية البريطانية التي كانت تقدم من قَبْل للسلطان تركي هل ستسري على ابنه السلطان فيصل، جاءت إجابة البريطانيين مشجعة للإثنين على قيادة معارضة ضد حكم السلطان فيصل، فقام إبراهيم بالاستيلاء على أملاك السلطان في مدينة العوابي فتمت المواجهة المسلحة بين الطرفين، وخسر السلطان المعركة وفشل في استرداد مدينة العوابي.
أما السيد عبد العزيز فقد قاد معارضة بهدف إسقاط حكم السلطان، وفي فترة المواجهة بين الطرفين رأى الساسة البريطانيون أن استمرار حجب الاعتراف بالسلطان فيصل قد يؤدي إلى نتائج سياسية عكسية، حيث يجد السلطان نفسه مضطرًا إلى الارتماء بأحضان دولة أخرى مثل فرنسا التي أخذت تنافس الإنجليز في عُمان لذا سارعوا إلى الاعتراف به، هذا الاعتراف ساعد السلطان فيصل على التخلص من معارضة عمه السيد عبد العزيز حيث تم نفيه نهائياً إلى خارج عمان بمساعدة بريطانية.
وناقش المؤلف الأسباب التي أدت إلى قيام الشيخ صالح بن علي زعيم قبيلة الحرث بالهجوم على مسقط في عام 1895م وكانت إحدى تلك الأسباب هي تحريض سلطان زنجبار الذي كان يُمنّي النفس في إعادة توحيد عُمان وزنجبار في إمبراطورية واحدة تحت حكمه للشيخ صالح؛ فزوده بالمال والسلاح في مقابل إسقاط حكم السلطان فيصل.
وتطرق المؤلف إلى الأوضاع المالية الصعبة التي عاشها السلطان حيث لم يعد باستطاعته إرسال الهدايا التي اعتاد عليها زعماء القبائل الموالين له، كما أدركت القبائل المعارضة أن وضع السلطان أصبح صعبًا، وأن الهيمنة البريطانية على عُمان ستضر بهم ضررًا بليغًا خاصة فيما يتصل بإقامة مخزن السلاح في مسقط حيث تكبد زعماء القبائل خسائر مالية كانوا يجنونها من هذه التجارة، وبذلك يكون مخزن السلاح من أهم الأسباب التي جعلت القبائل تتوحد ضد إسقاط حكم السلطان فيصل فتوحدت معظم القبائل الغافرية في الداخلية بقيادة الشيخ حمير بن سليمان النبهاني -أمير الجبل الأخضر- فضلًا عن بعض القبائل الهناوية في الشرقية بقيادة الشيخ عيسى بن صالح الحارثي -أمير الشرقية- فثاروا ضد السلطان تحت زعامة الإمام راشد بن سالم الخروصي في عام 1913م، الذي عقدت له الإمامة بإشارة من أستاذه الشيخ العلامة نور الدين السالمي في اجتماع علني عقد في مسجد الشرع ببلدة تنوف، ومنها تم السيطرة على مدينة نزوى التاريخية لتكون عاصمة الإمامة، بعدها استطاع الأمام أن يحقق انتصارات عسكرية مهمة في شهور قليلة، فأصبحت معظم مدن عُمان الداخلية تحت سيطرة الإمام.
وفي خضم هذه الأحداث، وقبل انجلاء الموقف، توفي السلطان فيصل في أكتوبر 1913م وخلفه ابنه السيد تيمور لتبدأ مرحلة جديدة في تاريخ عمان الحديث حيث انقسمت عُمان إلى قسمين قسم يحكمه السلطان في المناطق الساحلية يدعمه البريطانيون، وقسم يحكمه الإمام في المناطق الداخلية مدعوم من العلماء الإباضية.
وفي الفصل الثاني من الكتاب تتبع المؤلف علاقات عُمان الخارجية في عهد السلطان فيصل بن تركي، حيث ناقش الأسباب التي جعلت السلطان يقبل على توقيع معاهدة مع بريطانيا في عام 1891م، عرفت باسم «الاتفاقية العُمانية البريطانية للصداقة والملاحة والتجارة»، والتي وجد السلطان فيصل نفسه مضطرًا لتوقيعها من أجل الحصول على الدعم البريطاني في مواجهة خصومه فضلًا عن الدعم المادي المتمثل في تقديم قروض مالية والاستمرار في دفع معونة زنجبار، وكان من أهم بنودها العشرين، هو البند الذي سمح للرعايا البريطانيين بحرية التملك في أراضي السلطان، من النتائج السياسية الخطيرة للاتفاقية أن عززت بريطانيا من نفوذها في عُمان، فضلًا عن تزايد عمليات التفتيش البحرية التي قامت بها سفن البحرية البريطانية ضد السفن التجارية العُمانية.
كما بين المؤلف الأضرار التي نتجت عن توقيع السلطان اتفاقًا سريًا عرف بـ«التعهد الخاص بالتنازل عن الأراضي» فقد كان مضمونه أن السلطان لا يتنازل عن أي أرض من أراضي سلطنته إلا لبريطانيا فقط، ولذلك يعتبر هذا التعهد من أخطر الوثائق السياسية في تاريخ البلاد الحديث، وكان من نتائجه المباشرة أن فقد السلطان السيطرة على القبائل العُمانية التي رأت أنه خاضع خضوعًا كاملًا للإرادة البريطانية.
وأشار كذلك إلى المحاولات التي بذلها السلطان فيصل من أجل أن يوجد نوعًا من التوازن في علاقاته السياسية مع كل من بريطانيا وفرنسا، فعمل على استغلال التنافس بين الدولتين لصالحه، فوافق في عام 1898م على منح فرنسا امتياز إنشاء مستودع للفحم في بندر الجصة، فكانت أزمة بندر الجصة هي أولى الأزمات السياسية الثلاث التي نتجت عن التنافس البريطاني الفرنسي، تبعتها مسألة الأعلام الفرنسية ثم أزمة تجارة السلاح، قرر البريطانيون بعدها إرسال بيرسي كوكس Percy Cox ليكون وكيل سياسي لها في مسقط في أكتوبر1899م فاستطاع بلباقته أن يحول ولاء السلطان للبريطانيين، ونجحت بريطانيا في نهاية الأمر في تحقيق هدفها فتمت إزاحة النفوذ الفرنسي وتجميده لفترة طويلة من الزمن، لتنفرد بالنفوذ المطلق في عُمان، ووجد السلطان نفسه محبطا من الهيمنة البريطانية على بلاده لذلك نجده يفكر جديًا في التخلي عن الحكم لصالح ابنه السيد تيمور، إلا أن هذا القرار رُفض من جانب البريطانيين، ولم يستطع السلطان أن يفعل شيء سوى تقديم المزيد من الخضوع والاستسلام للهيمنة البريطانية، وفي عام 1903م قام اللورد كرزون Curzonنائب الملك البريطاني في الهند بزيارة إلى مسقط تم خلالها تقديم هدية للسلطان عبارة عن وسام الصليب الأكبر للإمبراطورية الهندية تعبيرًا عن رضا بريطانيا عن سياسته.
وقد أوضح المؤلف أن عُمان في عهد السلطان فيصل بن تركي لم تكن لها علاقات خارجية مستقلة، فقد أصبح المقيم السياسي البريطاني بالخليج يتولى مهام العلاقات الخارجية، فقد حققت بريطانيا انتصارًا كاملًا أمام كل الدول الاستعمارية التي نافستها في عُمان بفضل استخدامها لسياسة الحزم والدبلوماسية فوقعت مع فرنسا عام 1904م، ومع روسيا عام 1907م اتفاقيات اعترفت فيها رسميًا بالسيادة البريطانية على عُمان؛ كما وقفت بريطانيا بحزم في وجه ألمانيا التي لم تستطع أن تنال نفوذًا في مسقط، وبقيت بعيدة عن الساحة رغم محاولاتها لاكتساب النفوذ.
وفي الفصل الثالث تناول المؤلف الأوضاع الاقتصادية في عُمان، حيث ناقش أسباب ازدهار تجارة السلاح في مسقط، في بداية عهد السلطان فيصل، وكيف أصبحت مسقط تمثل مناخًا اقتصاديًا جذب شركات السلاح العالمية التي سعت إلى أن تكون لها وكالات تجارية في مسقط، فكانت من أبرز تلك الشركات العالمية شركة الهند البريطانية للملاحة البخارية British India Steam Navigation Company وشركة دبليو. جي. تاول W.J.Towell، وغيرها من الشركات العالمية الأخرى.
كما أوضح المؤلف كيف أسهمت تلك التجارة في رفع إيرادات الدولة حتى بلغ دخلها عام1891م أربعة ملايين دولار نمساوي كانت الأسلحة تمثل ربع ذلك المبلغ، وكانت حصة السلطان تتراوح بين 20 – 30% من أرباح تلك التجارة، هذه الأرباح التي جنتها عمان من تجارة السلاح، أثارت امتعاض السلطات البريطانية فقامت باتخاذ إجراءات لتحد من مزاولة تجارة السلاح في مسقط، فضلًا عن ممارستها الضغط على السلطان حتى وافق في النهاية على إنشاء مستودع السلاح في مسقط في سبتمبر 1912م، مما حرم البلاد من أهم مورد تجاري في تلك الفترة.
وتطرق المؤلف إلى نوعية النقود التي تم التعامل بها في أسواق البلاد فكانت هناك نقود من الفئات الكبيرة مثل الدولار النمساوي والروبية الهندية، ونقود من الفئات الصغيرة مثل البيزة، التي تعتبر أول عملة عُمانية تصدر من النحاس أمر بصكها السلطان فيصل بن تركي، كما أمر بإنشاء دار لسك النقود في مسقط ليسد احتياجات السلطنة من النقود، فَسَكَتَ أول بيزة في مسقط عام 1898م، وكان الهدف من سكها هو محاولة سد النقص في العملات الصغيرة في البلاد.
وفي نهاية هذا الفصل تناول المؤلف الدور الذي لعبه التجار الأجانب المتمثل في الهنود بفئاتهم المختلفة (البانيان والخوجا) في دمج النشاط الاقتصادي العُماني المحلي بالنشاط الاقتصادي العالمي، وذلك من خلال الاتصالات التجارية مع الشركات الأوروبية والأمريكية التي افتتحت مكاتب وفروعًا لشركاتها في مسقط، فأصبحت مقدرات وخيرات البلاد بيد التجار الهنود بسبب الرعاية والحماية البريطانية لهم.
وعالج الفصل الرابع والأخير من الكتاب الأوضاع الاجتماعية والصحية والثقافية خلال فترة الدراسة، حيث استعرض المؤلف مظاهر الحياة الاجتماعية، من خلال الحديث عن التركيبة الاجتماعية في عُمان، ودور القبيلة فيها باعتبارها الوحدة الاجتماعية الأساسية، كما تطرق إلى النسق الاجتماعي والفنون الشعبية والتسامح الديني في المجتمع العُماني.
وفيما يخص الأوضاع الصحية في فترة الدراسة، فقد تناول المؤلف الأمراض التي انتشرت في عُمان آنذاك والأساليب التي أُتبعت في الحد من انتشارها مثل مرض الطاعون الذي انتشر في البلاد قادمًا من الهند في عام1897م، مما استدعى السلطان فيصل أن يتخذ بعض الإجراءات للحد من انتشار هذا المرض فأصدر قانوناً خاصاً يطبق في مسقط وجوادر.
كما تتبع المؤلف انتشار مرض آخر هو مرض الكوليرا الذي تسلل إلى السلطنة في عام 1899م، بواسطة ركاب وفدوا من الهند عن طريق سفن الخط الملاحي البخاري الخاص بنقل البريد والمسافرين، بعد ذلك تزايد حرص السلطان فيصل على تقديم أفضل الخدمات الصحية للأهالي، وظهر بوضوح عندما دعا السلطان فيصل في عام 1909م، إلى اجتماع عام ضم أركان دولته والتجار، حيث طالب السلطان فيه بتقديم الدعم المادي لمشروع بناء مستشفى عام في مدينة مطرح، ليقدم الخدمات الصحية الحديثة.
وقد تبرع الحاضرون بمبالغ مالية قدرت بحوالي 60 ألف ريال نمساوي، وكان السلطان نفسه على رأس المتبرعين، ثم تبعه كبار تجار العرب والهنود والأوروبيين، وقد بدأ العمل في بناء المستشفى في ذاتها، ليتم افتتاحه في عام 1910م، ومع ذلك كانت الخدمات الصحية الحديثة ضعيفة حيث إنها لم تتجاوز حدود مسقط ومطرح والمناطق المجاورة لهما.
وفي المجال الثقافي أشار المؤلف إلى الحركة الفكرية التي ظهرت في عهد السلطان فيصل بن تركي، وكان من أبرز مظاهرها غزارة الإنتاج الفكري، وظهور عدد من المفكرين الذين استمر تأثيرهم بعد رحيلهم بأجيال متعاقبة؛ فكانوا فقهاء دين ورجال دولة وموجهين للسياسة ومعلمين ومؤلفين من قبِيل الشيخ العلامة نور الدين السالمي الذي يعتبر لوحده مدرسة فكرية متميزة، كما أنه يعد المحرك الأساسي لكثير من الأحداث السياسية بحكم شخصيته المؤثرة في قيام الإمامة الإباضية عام 1913م.
وأشار أيضًا إلى أبرز الشعراء الذين ظهروا في تلك الفترة أمثال أبي الصوفي وشيخ البيان محمد بن شيخان السالمي وأبو مسلم البهلاني. كما درس المؤلف لغة وأسلوب المخاطبات الرسمية والأدبية المتداولة في تلك الفترة، كما تطرق في نهاية هذا الفصل إلى نظام التعليم الذي كان سائدًا وأهم مؤسساته وعلمائه والتعريف بنتاجهم العلمي والأدبي.
وفي ختام الكتاب دعا المؤلف الباحثين والدارسين العمانيين إلى دراسة التاريخ العُماني، وذلك لافتقار المكتبة العُمانية إلى مثل هذه الدراسات الأكاديمية، ولأن الكثير مما كتب في مثل هذه المواضيع تم بأقلام أجنبية، قد تحتوي على العديد من المغالطات والمعلومات التي قد يشوبها الشك وعدم الدقة، كما أشار المؤلف إلى أهمية ظهور المزيد من الدراسات التي تزيل الغموض الذي أحاط بفترة حكم السلطان فيصل بن تركي البوسعيدي، وأن تخرج تلك الدراسات من إطارها التقليدي الذي لا يتعدى دراسة الأحداث السياسية إلى دراسة معمقة تشمل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
***
عُمان في عهد السلطان فيصل بن تركي البوسعيدي (1888-1913م) لِـ فهد الرحبي