تمثل تجربة وديع السعادة مرحلة تخلّت فيها قصيدة النثر العربية عن مواجهاتها اللغوية وصراعاتها النظرية حول مفهوم الشكل الشعري وتجديده أو التخلي عنه، وصارت متصالحة مع كونها مساحة للكتابة الحرة. منذ اللحظة التي وقف فيها في شارع الحمرا يوزع نسخاً كتبها بخط يده من مجموعته الأولى “ليس للمساء إخوة”، خرج سعادة عن السبل المعتمدة للكتابة والنشر، ووضع نفسه وكتاباته في العراء، حرفيًا، على قارعة الطريق. فبدلاً من أن يدخل في متاهات النشر وشبكات الشعراء والنقاد والمحررين والناشرين، خرج لمقابلة القارئ المجرد شخصيًا، خرج ليشهد ردة فعل الناس على الشعر والشاعر وجها لوجه.
من توزيع الشعر في الشارع إلى نشر أعماله كلها على الإنترنت، سعادة متصالح مع هشاشة اللغة وقصورها عن الإحاطة بالتجربة الداخلية أو الوجدانية. فوصل العالم الداخلي بالخارجي عن طريق اللغة مهمة عسيرة كـ”محاولة وصل ضفتين بصوت”. لذا يسلّم سعادة نصه لانكسار أو تشظّ لا مفر منهما، وهذا جلي منذ الجملة الشعرية التي افتتح بها ديوانه الأول:
“في هذه القرية
تُنسى أقحواناتُ المساء
مرتجفةً خلف الأبواب.
في هذه القرية التي تستيقظ
لتشرب المطر
انكسرتْ في يدي زجاجةُ العالم”،
ونص سعادة يأتي من مساحةِ غيابٍ وصمتٍ تسبق اللغة أو تليها، فـ”أجملنا سيبقى الغائب”، كما يقول. هو مشغول بإمكانية الكلام أو استحالته في المقام الأول. هذا السعي إلى التنصّل من ورطة التعبير أو البلاغة ومحاولته النجاة من شرك اللغة يجعل شعر وديع سعادة مغرياً للترجمة، كما يجعله بعيد الأثر في الشعراء العرب الشباب ولا سيما أولئك الذي ينطلقون في كتاباتهم من خلفية متعددة اللغات.
يصف سعادة نفسه بكاتب النصوص وليس القصائد. ويترك مشروعه الشعري مفتوحاً على الاحتمالات. ولا أعتقد أنه يريده مشروعاً بقدر ما يريده أن يظلّ عتبة أو بداية. الشعر عنده ليس شيئاً بقدر ما هو إشارة إلى شيء لم يأتِ بعد، كما نرى في هذه القطعة التي يرسم فيها صورة ويتركنا في إثرها ننتظر شيئاً ما بين الصمت والكلام.
“غريق
رفعَ يدَهُ
كأنَّهُ كانَ يريدُ
أنْ يقولَ كلمة”.
*د. هدى فخر الدين: ناقدة وأكاديمية من لبنان
وديع سعادة أو «كان ما يمكن» | احساين بنزبير
وديع سعادة في «أعماله الكاملة».. الشعر يُصادِق الحياة | شريف الشافعي
إيروسية الصمت عند وديع سعادة | ممدوح رزق
وديع سعادة.. الشاعر المعبّر عن الحزن | عزيز العرباوي
وديع سعادة والتآخي مع الطبيعة | د. علياء الداية
الشاعر الذي مشى في شوارع الدّهشة | عبد الجواد الخنيفي