تقتضي الصورة الفوتوغرافية المتعلقة بجرائم الحرب التوقف عندها وقراءة أبعادها ثقافيا ونفسيا بالإضافة الى الاحاطة بها كتوثيق تاريخي يمكن أن تكون مرجعا بصريا معتمدا في الحديث عن سياق الجرائم التي ترتكب مع الأطفال والشيوخ العزل مع الأخذ بنظر الاعتبار تحليل الأبعاد الجمالية لعين الكاميرا وطريقة التقاطها.
وجدنا العديد من الصور في بداية احتلال العراق، التي أخافت كل من أبصرها وتأثر بمناخها العام من حيث الرهبة وشعور المرء بالغربة وهو في وطنه، وهذا أمر طبيعي لأن هول أية معركة ستترك العديد من الصور القبيحة التي يتعين على العين رؤيتها والالتفات إليها، ومن ثم يتم خزنها في الذاكرة وهذا ما يجعلها حية وراسخة في عقولنا. وإذا أردنا أن نبين أهم ما يمكن الوقوف عند آثارها النفسية فسيكون لزاما علينا أن نذهب لمختصي علم النفس لتبدو اجاباتهم مذهلة ومخيفة لاعتبارات تتعلق بما يخفيه تحديد قيمة البعد الرمزي للفن الفوتوغرافي وما يتحدد في طابعها الشكلي من بعد سردي سواء انتظم ذلك بمرويات شفاهية أو تعاقب زمني لتاريخ الحادثة. أيضا سيتعين علينا أن نعيد التذكير بما اقترحه (مارسيلو كاستيانا) حول سيمائية الجسد الطبيعي اعتمادا على قصيدة الجحيم لدانتي والتي عد الجسد الآدمي علبة سوداء وظيفتها تخزين وحفظ التفاعلات مع المحيط، فهل يتوجب أن نعيد التذكير بقيمة الصور الفوتوغرافية التي مثلت وقائع ليوميات عراقيين عاشوا بؤس المحتل؟
أتذكر أني وقفت ذات يوم على مجموعة من الصور التي التقطتها وكالات خبرية لمصورين أجانب واحدة منها تم اختيارها كأفضل الصور للعالم 2003 وكانت لرجل على رأسه كيس أسود وابنه الصغير في حضنه تحيطهما الاسلاك وحرارة الشمس. أتذكر موقعها في مدينة النجف كتب في حينها (رجل عراقي وابنه في معسكر أمريكي لأسرى الحرب) وهي لمصور AP. أما الصورة الاخرى فهي لطفلة من البصرة تبكي في احدى الشوارع بينما خلفها الدبابات البريطانية تقتحم أحد الاحياء السكنية. تعود الصورة لفرانس برس. كما وظّف المصورون العراقيون كاميرتهم المحمولة أحداثا مؤلمة أسست لذاكرة وتوثيق تعتمد كمرجعية حينما نشير لهول لحظات الحرب ووجود المحتل في العراق. ما يهمنا أن الصورة الفوتوغرافية بدت نمطا بصريا وثقافيا يلاحق الفاعل وفعل الجريمة، فهل نجحت عين الكاميرا وقوة حساسيتها لتكون شاهدا حيا؟

لقد تطورت الصورة الفوتوغرافية من عدة جوانب أولها أنها أصبحت وثيقة احتجاج يحتاج الانسان إليها طالما مراكز العالم الثقافية والاستراتيجية تلجأ إليها للعودة إلى تاريخها وأصل مكانها وتعد مفهوما بصريا يعزز من أصل الموضوع الذي ينبغي الاشارة إليه، وبالنتيجة تحمل قوانين الصورة طابعا أخلاقيا لا بد من الأخذ به لأنها تحقق عظمة الحدث وبالتالي تعيد صياغة خيال الفنان تعبيريا وجماليا. تشتمل الصورة الفوتوغرافية على رؤية، وعرض أمام المتلقي، فصور الحرب مصنفة من حيث الفرادة ومعرّفة من حيث الملاحقة أما سياقها التعبوي، فهو نقل تطبيقي لأفكار الحرب، ومحاكات هذا التنامي والتوالد في الفن الفوتوغرافي أصبح من الظواهر الملفتة لأنه مبتعد عن فكرة تهميش الحدث المأساوي أولا، ولكونه يسرع في معرفة التفاصيل. تنجح تجربة هذا الفن من خلال ملامسة وجدان المتلقي وهو خارج مكان الحادثة، والصورة لا تتلاعب بالحدث ولا تغير من شخصياته لكنها تسعى للارتباط به من وجهة نظر مختلفة.
هناك أمر آخر يجب الالتفات اليه، وهو أن الصورة الفوتوغرافية لأثر الحرب لا تعد من أنواع الفن التفاخري والمستهلك لأنها خارج نظام المزايدة الاقتصادية مهمتها الكشف والاستمرار في المصداقية ومباهجها لا تُظهر انجرارا خلف تهويمات بصرية. هناك من يعدها مركز جذب له طالما تدار بحساسية وذائقة فنية، وعلى هذا النحو تبدو أعمق دلالة وأكثر بعدا في الجمال والاثارة.
لقد بقيت عشرات الصور الفوتوغرافية التي أشارت للحروب راسخة في وجدان المتلقي، تدور حول مركز واحد ولا تخفي انتاج معناها الحقيقي غير قابلة للتأويل، لها أغراض صريحة تبتعد عن المنافسة مع باقي الفنون البصرية بالإضافة لكونها تنطوي على نوع من السرد مع انها تمتلك نظاما إشاريا وجماليا.