سينما من أجل الإنسانية.. تأجيل الفاعليات الفنية المصرية..
بقلم سماح ممدوح حسن
عادة ماتزدحم الروزنامة المصرية في شهر أكتوبر بالعديد من الأحداث والفاعليات الثقافية والفنية، إلا أن شهر أكتوبر هذا العام اتسم بتأجيل كل تلك الفاعليات «لإشعار آخر».
منذ أيام والساحة الفلسطنية تشهد صراعاً، ليس بجديد لكنه الأعنف من حوالي السبعين عاما، متمثلا فى عدوان قوات الاحتلال الإسرائيلي على أهل فلسطين عموما وسكان قطاع غزة بشكل خاص، يُمعنون فيهم الترويع والتجويع والحصار والقتل والقصف بالصواريخ التى خلفت أكثرمن عشرة آلاف قتيل أغلبهم من الأطفال والنساء والشيوخ أو بالاحري أضلع مثلث الضعف الاجتماعي. وعليه وتضامناً مع المنكوبين في الآراضي المحتلة، ثم تأجيل جميع الفاعليات الفنية والثقافية في مصر.
بدأت حملة تأجيلات الفاعليات الفنية في مصر تضامنا مع فلسطين وقطاع غزة الذى يتعرض أهله الآن لما يشبه حملة للإبادة الجماعية أو لنكبة ثانية بعد نكبة 48، بمهرجان «الجونة السينمائي» لمدة أسبوعين فقط، وقررت إدارة المهرجان تأجيل الدورة السادسة الحالية، التي كان مقرراً إقامتها فى يوم 13 أكتوبر، إلى الفترة من 27 أكتوبر وحتى 2 نوفمبر.
وجاء ذلك التأجيل متلائما تماما مع شعار المهرجان الذى بني عليه بالأساس وهو «سينما من أجل الإنسانية». وأيضا متلائما مع طبيعة المهرجان الذي يعمل بالأساس على فكرة التضامن والتواصل بين شعوب منطقة الشرق الأوسط عن طريق الأفلام. بالاضافة إلى ربط صناع السينما الشرق أوسطيين مع صناع السينما العالميين واكتشاف مواهب جديدة، لذا لم يكن يصح أن نحتفل بينما يقتل الأخوة على مرمي حجر من مكان إقامة المهرجان. ليس هذا فحسب بل أن إدارة المهرجان أيضا أعلنت التبرع بخمسة ملايين جنيه لدعم جهود الإغاثة في غزة.
تأجيل مهرجان القاهرة السنيمائي الدولي(بين مؤيد وعارض)
على خطى مهرجان الجونة سار مهرجان القاهرة السنيمائي الدولي بعدما أعلنت وزارة الثقافة المصرية عن تأجيل الدورة الـ45 للمهرجان والذي كان مقرراً عقدها من الفترة بين 15 نوفمبر وحتى 24 وعشرين من الشهر ذاته «لأجل غير مسمى».
لكن تأجيل مهرجان بحجم القاهرة السينمائي لم يكن ليمر مرور الكرام، فقد أثار هذا التأجيل موجة من الجدل كبيرة في الوسط الفني فى مصر وانقسمت الآراء بشكل حاد ما بين مؤيد للقرار ومعارض له. فهناك من يرى أن المهرجان كان من أكبر الفرص التي يستطيع العرب من خلالها دعم القضية الفلسطينية لأنه يعتبر الحدث الفني الأهم في االشرق الأوسط لعرض الأفلام التى تتناول القضية الفلسطينية. فببساطة الفن هو الاداة التي يوصل بها العالم المتحضر قضاياه المهمة لنشر الحقيقة أمام «الجمهور الدولي» الذي يفد إلى مصر لحضور المهرجان وهو الجمهور المستهدف بالتوعية بالقضية.
لكن هناك من رفض فكرة التأجيل على أساس أن القرار يعني أن السينما ما هي إلا وسيلة للترفيه، كما علق المخرج مجدي أحمد علي قائلا أن «السينما نشاط ثقافي جاد».
وقد أفرد الناقد المصري طارق الشناوي مقالا فى صحيفة المصري اليوم «التأجيل ليس الحل» عن تأجيل المهرجانات الفنية بشكل عام بأنه قرار خاطئ. وحجته في ذلك أن قرار التأجيل فى خضم أحداث مأساوية من شأنه إرسال وترسيخ فكرة خاطئة عن هذه المهرجانات بأنها تحمل إسفافاً وخروجا عن الآداب وقال «للأسف هناك فكرة سلبية تجاه المهرجانات الفنية في العالم العربي». وأوضح أيضا أن تأجيل أو حتى إلغاء تلك المهرجانات لا يمثل أي نوع من التضامن بل المفترض أن يحدث العكس بإقامة الفاعليات وإيصال رسالة دعم حقيقية من خلالها.
لكن هناك من أيدوا فكرة التأجيل بل أنهم حبذوها أيضا، بسبب وجهة نظر تقول بأن الأجواء الاحتفالية التي تعبق بها فاعليات تلك المهرجانات لا يتناسب أبدا ولا تصح بينما يموت بشر أبرياء ميتة بشعة، وأطفال ممزقون إلى أشلاء.
تأجيل مُتنفس الموسيقى العربية
في كل عام ينتظر الجمهور المصري، والعرب في كثير من الأحيان، حفلات مهرجان الموسيقى العربية الذى كان يُعد متنفساً للجميع بعد إرهاق ذهني وعصبي طوال العام تقريبا، وذلك بسبب الجودة العالية التي تقدم بها تلك الحفلات في دار الأوبرا المصرية، من حيث المكان والترتيبات والتنظيم وبالتأكيد من حيث اشتراك أغلب المطربين المصريين والعرب المفضلين لدى الجمهور ممن لا يستطيعوا دفع تذاكر حفلات أولئك المطربين خارج مهرجان الموسيقى العربية، والتى تتميز أسعار تذاكرها بأنها منخفضة نسبيا يستطيع الجميع الحصول عليها، وهو سبب آخر يجعل من هذه الحفلات محتشدة بالجماهير من كل الطبقات الاجتماعية والثقافية. لكن هذا العام وبسبب الأحداث تأجلت الفرحة بهذا المهرجان، فإضافة إلى الغيمة السوداء التي تخيّم على أمزجة الشعوب العربية كافة جراء مشاهد المجازر اليومية التي تأتي من فلسطين، وتحاصر الجميع مهما حاولوا تحاشيها سواءا في شاشات التلفزيون أو على مواقع التواصل الاجتماعي، فأيضا تأجلت ساعات الفرح التى يخلقها مهرجان الموسيقى العربية، فلا يروق البال للجمهور ليسمع ولا للمطرب ليغني.
وفي سياق متصل، وتضامنا مع النكبة الثانية الدائرة للشعب الفلسطيني، اعتذر الكثير من الفنانين المصريين سواء المطربين أو الممثلين عن الاشتراك في أعمال خلال هذه الفترة، مما أثار حِراكاً واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي وكان آخر أولئك الفنانين هو الممثل محمد سلام، الذي خرج في فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، وقال أنه يعتذر عن الاشتراك فى العمل المسرحى «زواج صناعي» الذي كان مقررا عرضه في موسم الرياض بالمملكة العربية السعودية، وقد أثار اعلان «سلام» جدلا واسعا لا يزال صداه مدوياً حتى الآن، وبالتأكيد أن الآراء انقسمت حول مؤيد لقراره ومعارض. لكن الأغلبية من متابعي سلام على مواقع التواصل الاجتماعي أشادوا واحتفوا بهذا القرار الذي رأوا فيه إنسانية من جانبه. لكن من عارضوا القرار رأوا بأنه يؤذي أصحاب الالتزامات الأخرى في العمل، فهو لايعمل بمفرده، هناك من هو مقيد بالتزامات مادية وبعقود عمل لا يستطيع الفكاك منها خاصة في ظل الوضع الاقتصادي المتردي الحالي.