عندما تخرجينَ صباحاً على عجلٍ للوظيفةِ لن تجدي غيرَه واقفا في طريقكِ
منذ ثماني سنين
ولا تجدين سواه هنالك
صار أقل اعتناءً بمظهره في الشهور الأخيرة والشّيبُ يهطل مثل رَذاذٍ خفيفٍ على ذقنِه بينما أنتِ تزداد فيكِ البساتينُ بعد الثلاثين والبحر يزداد موجاً على كتفيكِ..
توقفت الحربُ هذا الصباح
فغادر مقهى الرصيفِ إلى جهة البحر
قال لعل الطيورَ تعود لسطح الكنيسةِ لكنّ شارعَ بغدادَ ما زال ممتلئاً باليتامى وهذي الحدائقُ مكتظةٌ بدموع الثَّكالى الشتاء الأخير مضى
والنوافذُ مبتلةً ماتزالُ
ولا شرحَ يوضِح معنى الترقّبِ إلا هطولُكِ ها هو يرفع شيئا فشيئا ستارَ الزمان ويدخل في مسرح الأربعينَ أشدّ ارتباكا وأنت على عجلٍ تخرجين
كأن الحوار انتهى منذ أولِ فصلٍ
وغادر بعدَكِ كلُّ الحضور..
في طريقِكِ نحو الوظيفةِ
لن تجدي غيره واقفا في الصباح
ومن ساحل اللاذقيةِ حتى سهوبِ العراق قرىً أفرغتْها المذابحُ من أهلها وجنودٌ أراحوا البنادقَ فوق حجارتِها لن تريْ غيرَه مثلما تعلمين
لأنكِ آخرُ بيتٍ تبقّى لهُ
والندوبُ التي ملأتْ عقِبَيه ندوبُ انتظارِكِ والأغنياتُ التي ملأتْ صدرَه أغنياتُ انتظارِكِ والريحُ
لو هبّت الريحُ من جهة البحر
لارتطم الليل كأساً فكأساً على عتَباتِ انتظارِكِ ماذا تريدين بعدُ؟
وكيف يسيرُ إلى البحر دونَكِ
كيف تطيقُ الشوارعُ أحزانَهُ والمرافئُ كيف تطيقُ خُطاهُ
وما مِنْ يَدٍ أمسكتْ بيديْه
وما منْ مناديلَ مرميةٍ بعدَهُ في الطريق..
وها أنتما تكبران على ندمٍ
تكسران الفناجين بعد قراءتها والوحيدون مثلَكُما
لا يُربّون إلا صِغارَ الغياب
ولا يُنجبون سوى أشقياءِ العذاب
وهذا الصباحُ توقّفت الحربُ
قلتِ: كأني كبرتُ قليلا
وصارتْ عروقُ يديّ أشدَّ بروزا
وقلتِ: لأذهبْ على مهل..
عند ناصيةِ الحزنِ ثمّةَ منْ هو مغرورقٌ بانتظاري لأمسحْ رَذاذَ القصيدةِ عن وَجنتَيْه وقلتِ: لأذهبْ
فعيناه غائرتانِ كبئرينِ مهجورتين لأَسْقِ بماءِ عروقي مروجَ يديْه
وهذا الصباح مشيتِ رويداً رويداً
فلم تعبري مثل نهرٍ من الضوءِ بالقربِ منه ولم تجدي أحداً في الطريق
ليجمعَ ماءَكِ في ضفّتيْه..
تمام التلاوي: شاعر سوري مقيم في السعودية. صدر له: منزل مزدحم بالغائبين، شِــعرائيـل، وتفسير جسمكِ في المعاجم.