Site icon منصة قنّاص الثقافية

حوار مع كاي هيكينين حول ترجمتها لثلاثية «غرناطة» لـ رضوى عاشور

ثلاثية غرناطة

دار نشر الجامعة الأمريكية بالقاهرة

ثلاثية «غرناطة» لـ رضوى عاشور إلى الإنجليزية

ترجمة عاطف الحاج سعيد*

صدرت أخيرًا النسخة الكاملة من ثلاثية «غرناطة» للكاتبة رضوى عاشور باللغة الإنجليزية أواخر العام الماضي عن دار نشر الجامعة الأمريكية بالقاهرة، بترجمة كاي هيكينين. كانت كاي قد تحدثت عن هذ الترجمة خلال فعالية إطلاق الكتاب التي أُقيمت عبر الإنترنت في شهر نوفمبر 2024م. وتُفصّل في هذا الحوار مع توغرول منده، تجربتها مع هذه الرواية، وعلاقتها برضوى، وكيف تعاملت مع ترجمة هذا العمل الأدبي الأيقوني. نشر الحوار في موقع ArabLit بتاريخ 02 أبريل 2025م.

***

في عام 2003م، ترجم وليم غرنانا الجزء الأول من ثلاثية غرناطة. لقد ذكرتِ سابقًا أنك لم تطّلعي على ترجمته؛ لكن هل غيّر وجود ترجمة سابقة من عملية الترجمة بالنسبة لكِ، ولو قليلًا؟ أو غيّر من شعورك تجاه الترجمة؟ والآن وقد نُشرت ترجمتك، هل عدتِ لاحقًا واطّلعتِ على ترجمة وليم غرنانا؟

كاي هيكينن: في البداية، كنت آمل فقط أن أترجم الجزأين الثاني والثالث من ثلاثية غرناطة؛ لكن الجميع رأى أن من الأفضل نشر الأجزاء الثلاثة معًا في مجلد واحد، كما هو الحال في النسخة العربية. غير أن استخدام الترجمة الموجودة بالفعل كان سيثير قضايا معقدة تتعلق بحقوق الترجمة والنشر، إلى جانب التفاوتات الأسلوبية التي ستكون واضحة. وبمجرد اتخاذ القرار بإنتاج ترجمة جديدة بالكامل، بدأت العمل كما أفعل مع أي مشروع آخر. بالنسبة للشق الثاني من السؤال فالإجابة لا، لم أطلع على ترجمة الدكتور غرنانا منذ أن أنهيت عملي. أنا متأكدة أن ترجمته كانت مناسبة لوقتها وسياقها، وأفضّل ألا أنخرط في مقارنات تفصيلية.

هل تتذكرين انطباعاتك الأولى عن رواية «غرناطة»؟ وما أكثر ما لفت انتباهك فيها؟

كاي هيكينن: أعتقد أنني قرأتها لأول مرة في عام 2002م أو 2003م، حين كنت أدرس في مصر، ولم يعد من السهل الآن تذكّر انطباعاتي الأولى بدقة. لكني أعلم أنني انجذبت إلى الرواية جزئيًا بسبب المكان، لأنني كنت قد دَرَستُ الأندلس في الدراسات العليا. كما وجدت السرد في غاية المهارة، إذ كانت الكاتبة تقدم الأحداث التاريخية الكبرى من خلال عيون الشخصيات المتأثرة بها، لذا نحن نراها دومًا من داخل القصة — دون الحاجة إلى التوقف من أجل درس في التاريخ. وأذكر أيضًا أنني تأثرت بتصويرها للشخصيات من مختلف الفئات العمرية، من الأطفال إلى المراهقين وحتى كبار السن. وبوصفي أمًّا، ولديّ خبرة في رعاية المسنين، وجدت تلك الشخصيات واقعية وجذابة. لا أذكر أنني لاحظت شخصيات مماثلة في الأعمال الأخرى التي كنت أقرأها في ذلك الوقت. كذلك، وجدت أن أسلوب الكتابة سلس وبسيط، ويناسب روح القصة.

هل يمكنك أن تحدثينا عن علاقتك برضوى عاشور؟ متى تعرفت عليها وعلى أعمالها لأول مرة؟ وكيف ترين تأثيرها في الأدب العربي، أو في «الأدب العالمي» إذا صح التعبير؟

كاي هيكينن: تعرّفت على أعمال الدكتورة رضوى لأول مرة خلال تلك السنة التي قضيتها في مصر (2002م-2003م). وقد قُدّمت لي بعد محاضرة ألقتها على إحدى الصفوف؛ ثم التقيتها مرة أخرى بعد بضع سنوات، بعد أن بدأت الترجمة، عبر فاروق عبد الوهاب (أكاديمي ومترجم مصري)، الذي صار زوجي لاحقًا. في الواقع، لم تتح لنا الفرصة لقضاء وقت طويل معًا، لكنها كانت كريمة بما يكفي لأن تُولي اهتمامًا كبيرًا لترجمتي لروايتها (الطنطورية)، فقد تفضلت بقراءة الترجمة كلمة كلمة، وقدمت اقتراحات مفصّلة، لكنها تركت لي حرية اتخاذ القرار النهائي. وعندما أخبرتها بمدى استيائي من بعض سوء الفهم، كانت طيبة بما يكفي لطمأنتي بأن الترجمة جيدة، وأوضحت أن بعض الأغاني، على وجه الخصوص، قد لا يفهمها أحد خارج فلسطين. كانت تجربة مؤثرة بالنسبة لي، وشعرت بامتنان عميق لها.

للأسف، لا أستطيع أن أقيّم بدقة حجم تأثير كتاباتها، سواء في الأدب العربي أو على نطاق أوسع. لكنني أعلم أنني كنت أرى نسخًا متعددة من أعمالها في المكتبات عندما كنت أزور مصر مع فاروق، وأن الناس كانوا يبتسمون عندما يذكرونها، وغالبًا ما يعرفون أعمالها. وبعد أن التقيتها، أعتقد أنها كانت أيضًا معلمة وزميلة مؤثرة. لكن لا يمكنني أن أتحدث عن المشهد الأدبي ككل.

منذ نشرها، ظلت رواية «غرناطة» عملاً هاماً في مدونة الأدب العربي. ما الذي يجعلها تبدو متجددة؟ وما الذي يجعلها ذات صلة خاصة بقارئ عام 2025م؟

كاي هيكينن: هذه أسئلة جيدة! أعتقد أن الجواب الأساسي يكمن في الموضوع العام للثلاثية، أي كيف يتعامل الناس، على المستوى الفردي والجماعي، مع الاستعمار ومحو الهوية الثقافية – سواء كانوا ضحايا له أو، إلى حد ما، مشاركين فيه – وحقيقة أن هذا الموضوع للأسف لا يزال على قدر كبير من الأهمية في عصرنا كما كان دائماً. تتناول الرواية أيضًا قضايا إنسانية أخرى ذات طابع عالمي، مثل مشكلات الشيخوخة ومذلتها، والصراع مع الإيمان في وجه الكارثة. ثم إن الرواية تاريخية، وسردها بسيط ومباشر؛ لا يحمل سمات محددة تربطها بالقرن العشرين مثل التجريب السردي أو الإشارات الثقافية الزمنية. وأخيراً، لا يمكن إغفال قوة القصة نفسها، ولمسات الفكاهة فيها، وحيوية الشخصيات – كل هذا يجعل العمل حيًّا ومتجدداً.

كيف تتقاطع فلسطين مع سرد رواية غرناطة؟ وهل من المبالغة القول إن الرواية عن فلسطين؟

كاي هيكينن: أعتقد أن بالإمكان تلمّس بعض الإجابة مما قلته سابقًا – ففلسطين تقدم مثالًا آخر على الغزاة الذين يدّعون أن سكانًا عريقين بجذور ثقافية عميقة في أرض ما لم يعودوا يملكون الحق في العيش فيها كما اعتادوا، أو حتى في البقاء فيها أصلاً. كما أتذكر أن الدكتورة رضوى قالت صراحةً خلال محاضرة ألقتها في صفنا إنها استخدمت العمل على الثلاثية كوسيلة لدراسة ما يحدث للشعوب المغلوبة على أمرها؛ ولم يكن من الصعب الربط بين الموضوعين. لكن في الوقت ذاته، محقٌّ من يشير إلى أن قراءة هذه الروايات فقط من خلال عدسة فلسطين قد تُسطّح الخصوصية التاريخية للزمن والمكان، وهو أمر حرصت عليه الكاتبة كثيرًا. ثم إن قصة «غرناطة» تمتد على مدار قرن وربع، ونحن نعرف كيف انتهت (رغم تلميح الاستمرارية في ختام الثلاثية). أما قصة فلسطين، فلا تزال تُكتب.

ما التحديات الخاصة التي واجهتكِ في ترجمة هذه الثلاثية؟ وما الجوانب التي حرصتِ على نقلها بدقة؟

كاي هيكينن: بالطبع، هناك التحديات المعتادة في ترجمة أي نص من العربية – كيفية التعامل مع الأزمنة، طول الجمل، علامات الترقيم، وكمية الشرح اللازمة مقابل ما يمكن تركه لِيُفهم من السياق. في هذه الحالة، ونظرًا لامتداد الفترة الزمنية في الرواية، شعرت بالحاجة إلى تقديم إشارات بسيطة إلى أعمار الشخصيات ومتى حدثت بعض الأمور؛ وآمل أن تكون شجرة العائلة التي أضفناها قد ساعدت في ذلك. لكن ما رغبت بشدة في نقله هو صوت الدكتورة رضوى في الكتابة، بحيث يشعر القارئ كأنه يسمعها مباشرة، من دون أن تقف الترجمة حاجزًا. ومن التعليقات التي أعتز بها كثيرًا، جاءت من ناقدة قالت إنها شعرت بأنني كنت وفية للنص الأصلي، وفي الوقت نفسه جعلت الترجمة تبدو طبيعية وسلسة بالإنجليزية.

من الواضح أن رضوى قامت بأبحاث كبيرة أثناء كتابتها للرواية. هل قمتِ أنتِ ببحث مماثل أثناء الترجمة؟

كاي هيكينن: نعم، بالتأكيد. بدايةً، أردت التأكد من استخدامي للتهجئات الصحيحة للأسماء المعروفة – سواء أسماء أشخاص أو أماكن أو أحداث. كما حرصت على الإلمام بالخلفية التاريخية حتى تأتي ترجمتي منسجمة معها. ولحسن الحظ، أعيش في زمن يتيح لي الوصول إلى معظم ما أحتاجه عبر الإنترنت.

نظرًا لأن رضوى وفاروق – رحمهما الله – لم يعودا معنا، مع من كنتِ تتناقشين خلال عملية الترجمة؟ وهل الحوار حول الترجمة جزء مهم من أسلوب عملك؟

كاي هيكينن: نعم، كان ذلك تحديًا. لحسن الحظ، كانت لدي نسخة من الترجمة الإسبانية للثلاثية، كانت الدكتورة رضوى قد أعطتني إياها وقالت: «هذا سيساعدك» – وبالفعل ساعدتني.
كما كنت محظوظة بصديقة عزيزة (أمينة عبد العليم)، وهي تتحدث العربية بطلاقة وكانت تعرف الدكتورة رضوى. أنا غالبًا ما أعمل بمفردي، لكنني أعلم أنني قد أفوّت تعبيرًا اصطلاحيًا أو إشارة ثقافية، لذا يكون من المفيد دائمًا مناقشة المقاطع الصعبة – متى ما كنت مدركة لصعوبتها.

كيف أثّر الوضع الأيقوني لرواية «غرناطة» على نهجكِ في الترجمة، إن كان ثمة تأثّير أصلاً؟

كاي هيكينن: لا يمكنني أن أسمح للضغوط الخارجية أن تؤثر على طبيعة عملي. كنت على وعي دائم بأن الدكتورة رضوى – ولاحقًا ابنها تميم – قد ائتمناني على ترجمة هذا العمل، وأردت أن أقدّم أفضل ما لدي احترامًا لتلك الثقة. لكن في النهاية، يظل الأمر هو نفسه: عمل أدبي يتطلب الجهد والتركيز والصدق.

*****

*تمت ترجمة الحوار بتصريح من موقع ArabLit

الروائي والمترجم السوداني عاطف الحاج سعيد

خاص قنّاص – حوارات

Exit mobile version
التخطي إلى شريط الأدوات