نص من اليمن: حياة طويلة لِـ عبده تاج
عبده تاج يكتب حياة طويلة ..
منذُ أن بلغتُ الخامسة عشر،
صرتُ أتوَّهم أني عشتُ
حياة طويلة.
قبل النوم
أتسلل إلى حياتي كغراب،
أحطُّ على بيتنا في “المخاء”،
أرى أمي تعد الغداء متعرِّقة،
وأشم رائحة الأرز،
وأصوات الجارات..
أجول بعيني
بين طبق الدَّش الصدئ
والحصى الهامدات في السقف
والسماء التي سأعود منها
إلى جسدي الذي يتهيأ للنوم.
في حياتي
صادقتُ الجبال
وحفظت أسماءها
وسمَّيتُ التي كانت
بلا أسماء.
بَدّلتُ عينيَّ
بعينين غير حالِمتين،
وأرعبتني الحرب
التي جرت خلفي
بوجهها الكبيرِ
لتقتلني في كل المدن التي أحببتها.
عشتُ في القرية عمري كلَّهُ
الذي لم يتجاوز عشر سنين.
تعلَّمتُ السباحة في البحر
حين كانت لي يدان.
عشت حياة حافلة بالأحداث
والتسارع،
أفلَتَ الوقتُ من يدي
العديد من المرات
وتجمد اليأس في أنفاسي
الكثير من السنوات..
ولدتُّ لأمٍّ صبورة،
فشلتُ في أن أتعلم منها
احتضان الأشقاء العائدين من السفر..
أبي هاجر من مدينة في السودان
اسمها “المتمَّة”
كي يخلِّفني ثالث أبنائه،
نادماً لأنه كان يرغب ببنتٍ
ليسميها على اسم جدتي،
جدتي ماتت قبل سنة،
حين علم أبي بذلك
شاهدته يبكي
لأول مرة..
بي ندبة في أنفي
ورثتها من جدي،
وقرأت في صغري
مجلات “اليمن الجديد”
أبقاها خالي في مخزن البيت،
وذهب خلف البحار..
كنتُ أقرأ عن الديمقراطية
وماركس وفلسطين،
وأمثالاً شعبية كنا نستخدمها في القرية.
فرحتُ حين التقيت “طه حسين”
في “هجدة” يشتري جُبنا،
وحزنتُ حين علمتُ
أنه مات قبل تلك المصادفة.
في حياتي الكثير من الحكايات
يمكن لانزواء مؤقت
أن يساعدني على كشف
مفاجآتها،
وقد أشعر بالأمل تجاهها
كما لو كانت الغد..
في حياتي مِن العذابِ
ما قد يجعلني أنفر منها
وفيها من الحظِّ
ما قد يجعلني
أفكِّر بعيشها من جديد.
عبد الجليل تاج الختم؛ كاتب من اليمن