حَيّزٌ خالٍ من المادّة | رانية سواحي

تتّخذُ النّقطة موقعا في الفراغْ.
كذلك أنا.
لا طول ولا عرض ولا ارتفاع، كذلك أنا.
كذلك أنا.
مُجرّدُ “تَفْشه”1، تَنفضُها فلا تختفي، تسقط أرضا ولا تختفي، تمسح الأرض فتهرب إلى السّطل ومنه إلى المجاري ولا تختفي.
***
في الرّسالة، كتبتُ نقاطا كثيرة.
في الرّسالة، وضعتَ نقاطا كثيرة.
في الرّسالة، رسمتُ نقاطا كثيرة.
في الرّسالة، أتيتَ على نقاط كثيرة.
في الرّسالة، غضَضْتُ وغضضتَ النّظر عن نقاط كثيرة.
النّقاط الثلاث المسترسلة كانت نقاطا بقوّة، تأكيد على اللاّ جدوى من القول.
صارت النّقطة غير كافية. أضفت نقاطا كي أصمت.
قبل الرّسالة، The grass was greener
هكذا هي النّهايات دائما، نفس النّقاط تضع نفس النّهايات.
صمتٌ تعتقد أنّه للأبد. ربّما سيكون حقّا إلى الأبد.
شهيقٌ طويل لا تعرف إن كان سينتهي، ولو انتهى ستكون قد انتهيت معه.
النّقطة إذن.
لا يأتي بعدها شيء، هي موت الجملة والنصّ والقصيدة والوصول.
النّقطة في النصّ، هي انتهاء.
النّقطة في الجملة، هي انتهاء.
النّقطة في البحر، لا تغيّر في البحر شيئا.
نقطة من الماء، لن تروي عطشك.
نقطة من الدّم المسحوب، لا تقتل.
***
وجهي الآن مجموعة من النّقاط المتحوّلة.
تبدأ عيني من هذه النّقطة وتنتهي عند هذه النقطة وتمرّ عبر هذه النقاط.
يمرّ الزّمن وتتغيّر المسافة بين النّقاط فيتغيّر موقعها في وجهي، ويتغيّر وجهي، ثمّ لا نتعرّف على وجوهنا ثمّ نموت.
***
النّجوم ليست نجوما، هي نقاط ثابتة، هكذا على الأقل سنراها بالعين المجردة.
بين نقطة البداية ونقطة النّهاية، مسافة.
يتغيّر الزّمن وتتغيّر السرعة فتتغيّر المسافة.
المسافات تجعل النّجوم نقاطا.
المسافات تجعل النّجوم جميلة.
تراها عن بُعد فلا تموت.
عن حقيقتها، فهي قاتلة، مدمّرة.
تقترب منها فتحترق، تصير رمادا.
***
خيوط الشّمس، هي مجموعة من النّقاط التي تشعرك بالدفء.
تريد الذّهاب إليها وتكتئب إذا غابت.
لكنّها حيوان جائع ينتظر أن يفترسك.
يصيبك بالعمى إذا أردت النّظر في عينيه.
عن حقيقتها، فهي قاتلة، مدمّرة.
تقترب منها فتحترق، تصير رمادا.
***
الظّلام هو الحقيقة الثابتة.
العدم.
الفراغْ.
1التّفشه باللهجة التّونسية هي الشيء الصّغير المتساقط من أيّ شيء، تفشة غبار، تفشة خبز… والأقرب لها هي الذرّة.
خاص قناص

رانية سواحي؛ خرّيجة المعهد العالي للفنّ المسرحي بتونس. تعمل بمجال الادارة الثّقافيّة ومهتمّة بالكتابة والترجمة.