مختارات شعرية جديدة للبنانية سوزان عليوان
حكايةٌ بلا حكمة، تلكَ التي أسميتُها الحُبَّ طويلًا، كمَنْ يُنادي على الخلاصِ بغيرِ اسمِه، وتُلَبِّيهِ غِربانٌ وغيوم

مختارات شعرية جديدة لِـ سوزان عليوان؛ 2024

سوزان عليوان شاعرة ورسامّة، ولدت العام 1974 في بيروت، لأب لبناني وأمّ عراقية الأصل. بسبب الحرب في وطنها، قضت سنوات الطفولة والمراهقة بين الأندلس وباريس والقاهرة. تخرجت العام 1997 في كلية الصحافة والإعلام من الجامعة الأميركية بالقاهرة، وصدر لها: عصفور المقهى (1994)، مخبأ الملائكة (1995)، لا أشبه أحدًا (1996)، شمس مؤقّتة (1998)، ما من يد (1999)، كائن اسمه الحبّ (2001)، مصباح كفيف )2002)، لنتخيّل المشهد (2004)، كراكيب الكلام (2006)، كلّ الطرق تؤدّي إلى صلاح سالم (2008)، ما يفوق الوصف( 2010) رشق الغزال ( 2011)، معطف علّق حياته عليك (2012)، الحبّ جالس في مقهى الماضي (2014).
أصدرت سوزان عليوان الكترونياً تسعة دواوين جديدة دفعة واحدة، وذلك عبر موقعها في الشبكة العنكبوتية. وتحمل أعمالها الجديدة عناوين: شارع نصف القمر، الجافية، مرثية ندفة الثلج، قمصان واسعة على وحدتي، بريد باريس، دفتر محصّل الدموع، حزن بزقة السنافر، كوكب في حفرة الغولف، و أمشي على كلمات الرمل ؛
هنا مختارات من دواوين سوزان عليوان الجديدة:
لا أمْلِكُ إلّا أن أمْحُوَ
كلَّ ما كتبتُهُ
كي أُجَمِّلَ الألم
ليسَ القمرُ بدِلالةِ دمعة
وتلكَ السنواتُ لم تَكُن
سوى ساعاتٍ ودقائق
ملاكٌ ما
يمرُّ مُبتسمًا لنفسِه
مدينةٌ تنهمرُ كذكرياتٍ على نوافذ
والليلُ حصان
حصانٌ صغير
حانقٌ وحزين
ثمّةَ ساعةٌ مُعَطَّلَةٌ بينَ الضلوع
مثلُ مطرٍ خارجَ سَطْوَتي
كما الورد
تنتهي قلوبُنا إلى سواد
ديوان «شارع نصف القمر»
***
صَعِدْتُ الجبلَ جُرْحًا على جُرْح، لئلّا أتعالى بجناح. لأقاومَ الصخرةَ والرماد، صنعتُ رجلَ ثلج. بترتُ بلادا بينَنا، كي تبرأَ المفارق. بكيتُ كدربٍ طويلة. طويلًا طُفْتُ حولَ حجرِ قلبي، لعلَّني أدركُ كيفَ يتنفّسُ ليل. فعلتُ كلَّ ما بوسعي، كي أختبرَ وسعي كمكان.
ديوان «الجافية»
***
كلُّ مكانٍ بيقينِ ما كان
شارعُ مشاويرِنا نحوَ بيتِكُمُ العتيق. هذا الذي يتوسَّطُهُ محلُّ أزهارٍ، كجُرْحٍ يصدحُ بينَ ضفَّتيْن
الحانةُ التي لفرطِ الخشبِ في أشيائها،
أَبْحَرَتْ بعيدًا بقَدَرِ سفينة
الليالي التي لا أوتادَ لها، عدا أوتارَنا
قبرُكِ الذي كدمعةٍ بينَ الحصى الأبيض
كلُّ ما كانَ يُنْكِرُ المكان.
ديوان «مرثيّة ندفة الثلج»
***
لوهلةٍ لا تَمْدي لالتقاط صورة
في الأسواقِ الخالية، على حوافِّ ليل
تي-شيرت أبيضُ فَضْفاض
بنطلون مُقَلَّمٌ بسطورِ شوارع،
سَيْرُ حقيبةٍ عبرَ النبض
حذاءٌ ذائبٌ
برذاذِ مدينةٍ في ماءِ العينيْن
ثُمَّ فجأةً فراشةٌ على الكَتِف
فراشةٌ كبيرةٌ صفراءُ ككَفِّ نجمة
وكأنَّ ثمّةَ ما يُشيرُ دائمًا
بدهاءِ دمعة
إلى فراغِ الجناح
«قمصان واسعة على وحدتي»
***
ظلّ يطول كحياة
باقاتٌ مِلءَ الشوارع، والشمعُ وَهَداتٌ بينَ الأقدام
ليست الأقدارُ بالضرورةِ قِصاصًا
لنتأمَّلَ أَنْفُسَنا في المطر
كلُّ ألمٍ هو الألمُ كلُّه
بينَنا خيطٌ لا يقطعُهُ كِلانا. خاتَمٌ مُؤَجَّل، وسُتْرَةٌ بزرقةِ السنواتِ الحزينةِ بينَنا
حكايةٌ بلا حكمة، تلكَ التي أسميتُها الحُبَّ طويلًا، كمَنْ يُنادي على الخلاصِ بغيرِ اسمِه، وتُلَبِّيهِ غِربانٌ وغيوم.
هي باريسُ وأنا جميعُ الغرباء، بوجوهِهِمِ السمراءِ الباسمة، بعيونٍ سوداءَ تلمعُ كدموع.
هي باريسُ دونَ سواها. نافذةٌ منكوبة. مرآتُنا المكسورةُ لتكريسِ الحدودِ بينَ الجراح.
ثمّةَ امرأةٌ تعبرُ الساحةَ مع مظلّتِها. ظلٌّ يطولُ كحياة. قمرٌ قاتمٌ قريبٌ من النهاية.
على خُطى السيِّدِ مارسيل بروست. في رمادِ معطفِهِ الرماديّ. وحدي أبحثُ عن أزمنةٍ لن يَعْثُرَ عليها أحد.
ديوان «بريد باريس»
***
عاصمة المعابد المضاءة بالدموع
من المقهى المُعَلَّقِ كمِشْكاةٍ على ليلِ كيوتو
أرى العالمَ كما تُبْصِرُهُ دمعة
أعلى من طينِهِ بطابقيْن
وبضعةِ سلالمَ
موسيقيّة
أوسعُ من نفسِهِ بمساحةِ نافذة
فضاءٌ يصلُحُ لكلِّ احتمال
عدا أن تبتسمَ البنتُ التي تُغَطِّي عينَها اليُمْنى بضِماد
غرفةٌ واحدةٌ وشُبّاكٌ وحيد
كما يكتملُ وجهٌ بنظرة
مصابيحُ من الأوريغامي مُضاءةٌ
بخمسِ أصابعَ على أشكالِ نجوم
طاولاتٌ مُستديرةٌ مُوَشّاةٌ بحروق
ومقاعدُ من المُخْمَلِ الكُحْليِّ للوحيدِين
في الزجاجِ الساكنِ أبتسمُ لنفسي
دونَ هاجسِ التلويحِ لأحد
من هذا الزُّقاقِ المُعتمِ الطويل
مَرَّتْ فصولٌ بمراوحَ ملوّنة
وشتاءاتٌ تُحْنيها الحربُ والثلوج
مَرَّ السَّاموراي السامقُ بسيفِ أفعالِهِ
وبائعُ الألعابِ الناريّة
.ومُحَصِّلُ الدموع
مَرَّ الحنينُ في زهرةٍ عالقةٍ بظهرِ سُلَحْفاة
وصيّادو السمكِ الباسِمون
بقلوبٍ من قشّ
وقبّعاتٍ من خَيْزَران
مَرَّتْ أزمنةٌ حزينةٌ كالكُحْلِ على خدِّ غيشا
مَرَّ الحطّابُ والناسك
ورائدُ الفضاء
مَرَّت العاصفةُ والقطاراتُ السريعةُ والأعياد
مَرَّ الخوفُ الذي لا ترسِمُهُ ملامح
والجوعُ الحاسرُ في مِلْحِ العيون
مَرَّ غريندايزر على يقينِ قَدَمَيْه
مَرَّت القطّةُ الأرستقراطيّةُ كيتي
كعادتِها
بلا بَسْمَةٍ أو كلام
مَرَّ الغُزاة، ومَرَّتْ غيوم
مَرَّ السيِّدُ كواباتا
بقامةِ قَبْقابِهِ الخشبيّ
على خُطاه
ما زالَ يمضي
.في طريقِهِ المطر
ديوان «دفتر محصّل الدموع»
***
الخَسارةُ شجرةٌ شاهقةٌ على أعتابِ مدرستِنا
الحُبُّ سيجارةٌ بنكهةِ النعناع
تدورُ كفراشةٍ على الشفاه
سؤالٌ أوحدُ على أجنحتِنا يُلِحُّ
هل عادَ سالمًا
إلى موطنِهِ
إي تي؟
تَتَعَدَّدُ تيجانُ الشوكِ والوجوه
والحكايةُ واحدة
قلبٌ يَنْقُصُهُ النُّضْج
كقَدَحٍ فارغٍ تحتَ رحمةِ الغيوم
وقُساةٌ آخرون
بأقنعةٍ من الخشبِ والفَخّار
من اختيارِنا الفادح
ماذا نفعلُ بكلِّ هذه الأكفانِ والأغاني يا كَنان؟
كيف نرتُقُ الحياةَ بحُفْنَةٍ من الحروفِ المُرتبكةِ والحِيَلِ البالية؟
وهل تُنْجِدُنا الكلابُ الأليفة
من أنيابِ الوَحْدَة
بعدَ الأربعين؟
ما الذي يعنيهِ
أن أكونَ الأوسعَ خيالًا؟
أنامُ وأصحو في قاعِ بئر
أَسُدُّ روحي عن أنينِ الأرض
بقُرْطَيْنِ من موسيقى
أَطَأُ دموعي بخِفّةِ المعرِّي التائهِ في الفضاء
مُتَّكِئًا على بصيرةِ الكلبةِ لايكا كعصا
بحذاءٍ رياضيٍّ لا يُحْدِثُ في الليالي ضجيجًا
بمعطفي الأصفرِ الفاقعِ في فُقّاعةِ اللحظة
بظلالي المُتلاشيةِ مع سرابِ المقهى على الأسفلت
بقبّعاتِ أصدقائيَ العشوائيّةِ كحَبَّاتِ عشِّ الغراب
نقطَعُ المسافةَ المُغْرَوْرِقَةَ بغيمةٍ غامضةٍ على الطريق
عصافيرُ بعُرْضَةِ الديناصوراتِ إلى الانقراض
تقتاتُ على فُتاتِ خطواتِنا،
نحنُ الذينَ نتباطأُ لتَأَمُّلِ الخريفِ الأخير
لنَصِلَ إلى انتصاراتِنا مُنْهَكِين.
ديوان «حزن بزرقة السنافر»
***
ألفٌ باء،
أبجديّةٌ على وتد
وأحرفٌ أُولى من أرقِ أشجارِ الكستناء
على نبضِ السائرِينَ الهُوَيْنا
على نهجِ النهرِ الناجي من وهمِ الوصول.
الأبجديّةُ الأُولى أَبْحَرَتْ من دمعةٍ كهذه
أرجوانيّةٍ جارحة،
وأشباحُ الرابعِ من آب
مُترجِمونَ مجهولون
يحملونَ في أعناقِهِمْ مفاتيحَ المواقف.
الحُلُمُ والموتُ ومغارةُ الغربة
وغرفةُ المستشفى الصفراء
وهالةُ الشجرةِ المَهيبةِ التي تُخبئ الشمسَ في سوادِ يأسِها
والهليكوبتر التي حَطَّت
والهليكوبتر التي طارت
وسونيا وهداياها الوَلْهى فوقَ الطاولة
والسيّدُ مارك، الملاكُ الواقفُ على قلبِهِ الحصيفِ خلفَ مِنْضَدَةِ المصبغة، ليغسِلَ من الغيمِ قمصاني
وتلكَ الغريبةُ التي وهبَتْني نصفَ مظلّتِها في مهبِّ العاصفة
في ارتجالٍ غامضٍ هَيَّأَني لنهايةِ العالمِ المديدة.
ديوان «كوكب في حفرة الغولف»
***
المشي بين السطور
على الدربِ التي سَلَكَها سقراطُ من قَبْل
بقَدَمَيْنِ حافيتيْن
ورداءٍ وحيدٍ في كافَّةِ الفصول،
على طريقِ جاك كيرواك
ورفاقِ رحلتِهِ
الحزانى
المجانين،
على طريقةِ نُسَّاكِ الجبلِ والثلج
رُعاةِ النسيانِ الأقربِ إلى السماء
من الأميرِ الصغير
ومِنْطادِ الطيور،
وعلى سبيلِ المِزاحِ مع الحياة
لعلَّها تضحكُ لمَرَّة
وتبادلُني الحُبَّ أو الكلام.
بمُحاذاةِ النهرِ النحيلِ ذي الألفِ وجه
في أفياءِ أشجارٍ بأعمارِ مكتبات
بحذاءٍ رياضيٍّ مُجَنَّحٍ كما الريح
أقطعُ مسافاتِ اليأسِ واليقين.
أُفَكِّرُ في الشعراءِ العابرِينَ في الصدى
في المدى المرصوفِ بأزهارِ عبّادِ شمس
في أطفالٍ مُثْقَلِينَ بنهاياتِ المدن
وقلوبُهُمْ تضحكُ وتبكي مع العصافير.
عندَ الزاويةِ تَقَعُ القيامة،
الكونُ نقطةٌ في كُرَّاسَةِ رَسْمٍ منسيّة.
أمشي وأمشي وأمشي
مع المصابيحِ المُطْفَأَةِ والغيوم
مع المارّةِ والأيّام
مع السيّاراتِ المُسْرِعَة
وأحصنةِ منتصفِ الليل
مع القمرِ الواطئ كوطواط
والأكياسِ المُتطايرةِ وَسْطَ الخُطى،
أخُطُّ سطرًا يتيمًا
ممّا يَوَدُّ قولَهُ عن نفسِهِ الطريق.
أينَ اختفى الطغاة؟
على الأرجحِ كانوا أشباحًا
من أشعّةِ الغروب
على غَسَقِ شارعِنا.
كم من الخرابِ خَلَّفوا في روحي
وعلى وجوهِ أزهارِ الرصيفِ الصفراء.
على الدروبِ الدائريّةِ التي تُعيدُنا إلى الأعتاب
أَشِفُّ وكأنَّني ورقةُ شجرٍ تُعاتِبُ الشمس.
أمشي على كلماتِ الرمل
على ألواحِ خشبٍ مُتلاحقةٍ بأنينِ أغصان
على أسفلتِ الدهشةِ والدموع
أعتذرُ لكلِّ نسمة
حَمَّلْتُها قلبي.
ديوان «أمشي على كلمات الرمل»
***
مختارات جديدة من شعر سوزان عليوان 2024