حوار: هشام عدرة
أقامت فنانة الكولاج السورية كريستين جبران معرضاً لأعمالها بالكولاج مؤخراً في مركز الفنون البصرية بدمشق وقبلها في روما، هنا حوار معها:
قبل أكثر من قرن من الزمن ومع انتشار مدارس الفنون التشكيلية في أوروبا، ظهر نمط فني جديد أطلق عليه «الكولاج» وهو مصطلح فرنسي جاءت تسميته من الكلمة (coller) أي اللصق ومن أطلق عليه هذا المصطلح هما الفنانان: الفرنسي جورج براك والاسباني بيكاسو، حيث كان بيكاسو يضيفه إلى لوحاته كملصقات مأخوذة من مجلات وصحف وكتب قديمة وصور فوتوغرافية، لتدعم فكرة اللوحة الفنية لديه. وفيما بعد وفي القرن العشرين المنصرم انتشر هذا الاسلوب الفني بين التشكيليين خاصة أتباع المدرسة التجريدية في الفن ومازال الكثير منهم يستخدمه كإضافة في لوحاتهم لدعم مضامين أعمالهم الفنية، فيما كان لبعض الفنانين التشكيليين وخاصة اولئك الذين درسوا الفنون البصرية أكاديمياُ تخصصاً في فن الكولاج وأقاموا له المعارض في أوروبا وتحديداً في ايطاليا وفرنسا حيث لاقت قبولاً جيداً من الجمهور، فيما لم يلق هذا الاسلوب الفني التأييد والشعبية في العالم العربي فنجد أن من تخصص به هم عدد قليل جداً ومن أقام له المعارض هي المراكز الثقافية الاوروبية المنتشرة في العواصم والمدن العربية، إضافة لقيام عدد من الرسامين التجريديين العرب بإدخاله في لوحاتهم المعروضة.
إذن الكولاج هو فن حديث أكثر منه فناً كلاسيكياً ويعتبره البعض أنه أحد فروع الفنون الحديثة والتي تتجه للأنماط الجديدة أكثر.. ولكن ما هو الكولاج بشكل أوسع؟
تُجيب الفنانة كريستين جبران التي أقامت مؤخراً معرضاً لأعمالها في الكولاج بمركز الفنون البصرية بدمشق ـ وهي خريجة كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق ـ قائلة: الكولاج هو عبارة عن استخدام أوراق أو زوائد من الصور للتشكيل مثل صورة معبرة ولذلك هو يعتمد بشكل كامل على الورق وأنا مثلاً استخدمت أوراقاً نقدية قديمة فأي شيء ورق من الممكن أن يساعدنا بالكولاج كذلك أدخلت خيوطاً فصار هناك «وسائل اتصال جماهيرية» أكثر ونستطيع الرسم عليها ولكن يبقى العنصر الرئيسي الموجود فيها هو الصورة وليس الرسم أو الألوان «تجميع صُوَري». أسلوب الكولاج معروف جدا عالميا وهو «فن صعب». يحتاج الكولاج لفكر أكثر فمن يشاهد أعمال الكولاج يجب أن يكون لديه خلفية فكرية وثقافية حتى يتمكن من فهم وتحليل الكولاج بطريقة صحيحة. وفي عالمنا العربي هذا الأسلوب الفني غير مطروح كثيرا ولذلك كان المشاهدون يطلبون مني شرح مضمون اللوحات ويقولون لي أنهم لم يفهموها فصرت أكتب كتابات قصيرة مع كل اسكتش لكي أشرحه للمتلقين حيث لاحظت أننا بحاجة لرفع المستوى البصري للمتلقي أكثر بتقنية جديدة تكون عالمية وأن نجرّب بها وأن تكون لدينا تجارب جديدة، وذلك أفضل من أن نعمل أشياءً نمطية يتابعها المتلقي العربي بشكل اعتيادي، بل علينا رفع مستواه البصري بتقنية جديدة تكون عالمية. ولكن أين الابداع في لوحة الكولاج؟ الابداع هنا ـ تجيب كريستين ـ هو تقديم الموضوع بطريقة مباشرة فمثلاً أتكلم في لوحة من اللوحات عن الزواج المبكر حيث هناك طفلة صغيرة ماسكة أحلامها بيدها، فهناك ورقة بيدها فيها أحلامها فهذا الشيء واضح أنه مباشر يحكي عن زواج الأطفال.
وبالرغم من أنّ الكولاج لا ينتمي للفنون التركيبية عملياً ولا لأي مدارس الفن الحديثة التي تحتاج للريشة والأصباغ لتشكيل الألوان وغير ذلك فإن هذا الاسلوب وببساطة ما يحتاجه من أدوات هو عبارة عن أرشيف المجلات والصحف والصور القديمة مع وجود الأفكار المبتكرة وهنا توضح كريستين قائلة: أولاً أقوم بتجميع الأوراق والمواد التي سأستخدمها ومن ثم أقوم بفرزها من حيث مثلاً أن هذه المادة تساعدني بلوحاتي التي تتحدث عن الحرب والأخرى عن الطفولة والثالثة عن الأمومة. وعندما أريد تنفيذ فكرة ما آتي بالمواد وابدأ بالتكوين فأعتمد على إحساسي بشكل كامل وبالتالي فإنّ هذه اللوحة تترجم أحاسيسي تماماً.
وتتابع كريستين في حوارها مع «قنّاص الثقافية» موضحة في كيفية حصولها على المادة الأولية: لدي كمية كبيرة من المجلات الجغرافية الاستكشافية العالمية.. هناك قرأت بعضها والبعض تركته وهم يركزون على القضايا الانسانية فكنت آخذ الصور منها ولدي ورق فرنسي قديم وصور والكتابة العربية الموجودة هي من قصة دليلة ودمنة، لدي نسخ قديمة ساعدتني في إنجاز لوحاتي، كذلك لدي أوراقاً نقدية قديمة وضعتها في اللوحات، هذه المواد التي أعمل عليها وكذلك أستخدم ألوان الاكريليك وأضيف للوحة ألواناً عادية كالتلوين الخشبي أو الزيتي.
وأسأل الفنانة كريستين عن العلاقة بين الكولاج والتصميم فتجيب قائلة: بالتأكيد هناك علاقة قوية بينهما فأساس التصميم هو مقدرتنا على التكوين بشكل صحيح وبطريقة يدوية ولذلك أنا مصممة أكثر من كوني فنانة تشكيلية، ولكن بالمجمل جميعنا فنانين حيث نحاول إيصال قضية ما إنسانية أو جمالية بأسلوب معين فهناك من يختار النحت أو الرسم والكل متداخل مع بعضه. نمط الكولاج يأخذنا ما بين التشكيلي والتصوير فيستخدمه الفنانون في الحالتين.
وحول السوشيال ميديا وصفحات التواصل الاجتماعي، هل خدمتها كفنانة كولاج؟ تجيب كريستين: لقد خدمتني بالفعل خاصة أنها ساعدتني في إيصال الأفكار لكثير من الناس ولمن هو مقيم بالخارج ومن خلال ذلك أكدنا أننا كفنانين سوريين قادرين على تقديم أنماطاً جديدة بالفن رغم الحرب والأحداث ولذلك وجدت التشجيع حتى من الأجانب وركزوا على ثقافة اللوحة عندي وخلفيتها. كذلك استطعت إنجاز بصمة خاصة للنمط الذي أعمل عليه وشكَّل مفردة اإجابية بالنسبة لي.
*صور اللوحات مهداة من الفنانة كريستين جبران لـ قناص