سلمان رشدي يكتب عن «أطفال منتصف الليل» بعد أربعين عاماً من نشرها: لم تعد الهند بلد هذه الرواية
نشر المقال في الغارديان؛ ٣ أبريل ٢٠٢١
(بعد أربعة عقود من كتابة رائعته «أطفال منتصف الليل» يعود سلمان رشدي ليستذكر تلك التجربة ويسائلها من منظور الحاضر. يستعرض رشدي الروايات التي قرأها استعداداً لعملية الكتابة تلك، الخيارات اللغوية التي اتخذها في حينها، والأسئلة التي طرحتها الرواية. وفوق ذلك كلّه، وربما هذا هو السبب الأساس في كتابة هذا المقال، يتساءل رشدي هاهنا فيما إذا كانت تلك الرواية لا تزال اليوم تعبّر عن الهند كما كانت حين كتابتها. وينتهي إلى الإجابة المُقلقة: لم تعد الهند اليوم بلد «أطفال منتصف الليل»):
العمر الطويل هو الجائزة الحقيقية التي يجاهد الكتّاب للحصول عليها، ولا تمنحها أي لجنة تحكيم. أن يصمد كتاب أمام اختبار الزمن، أن يفلح في أن تتناقله الأجيال، ليس بالأمر الشائع بما يكفي ليستحق احتفاءً بسيطاً. وبالنسبة إلى كاتب في منتصف السبعينيات من عمره، فإن دوام عافية كتاب نشره في منتصف ثلاثينياته هو، بكل بساطة، أمر مبهج. لأجل ذلك نقوم بما نقوم به: أن نصنع أعمالاً فنية تدوم، إن كنا محظوظين.
لطالما كنتُ كقارئٍ منجذباً إلى الروايات الواسعة الرحبة؛ الكتب التي تحاول أن تغرف بحفنتيها مقادير كبيرة من العالم. وعندما بدأتُ التفكير بالعمل الذي سيغدو “أطفال منتصف الليل”، عدتُ إلى روايات القرن التاسع عشر الروسية العظيمة، “الجريمة والعقاب”، “آنا كارنينا”، “نفوس ميتة”؛ كتبٌ من النوع الذي قال هنري جيمس إنه “وحوشٌ فضفاضة سائبة”، رواياتٌ واقعية واسعة النطاق، على الرغم من أنها في حالة “نفوس ميتة” قريبة جداً من السريالية. كما عدتُ إلى روايات القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الإنكليزية العظيمة؛ “تريسترام شاندي” (المبتكرة إلى حد بعيد وغير الواقعية على الإطلاق)، “سوق الغرور” (المدجّجة بسكاكين الهجاء الحادة)، “دوريت الصغيرة” (وفيها مكتب الحشو والإطناب؛ الدائرة الحكومية التي غايتها ألا تفعل شيئاً وتقترب من الواقعية السحرية)، و”البيت الموحش” (وفيها قضية جارندايس ضد جارندايس التي لا تنتهي فتقترب أكثر من الواقعية السحرية). وعدتُ كذلك إلى سلف تلك الروايات: الرواية الفرنسية العظيمة “غارغانتوا وبانتاغرويل” التي هي خرافية بالكامل.
كان في بالي أيضاً النظائر الحديثة لتلك الروائع، “طبل الصفيح” و”مئة عام من العزلة”، “مغامرات أوجي مارتش” و”الخدعة-22″، بالإضافة إلى العوالم الغنيّة الواسعة لآيريس مردوك ودوريس ليسينغ (كلاهما أكثر نتاجاً من أن تُحدَّدا بعنوان واحد، إلا أن رواية مردوك “الأمير الأسود” ورواية ليسينغ “صناعة ممّثل الكوكب 8” بقيتا معي). لكنّني كنت أفكر أيضاً بنوع آخر من الاتساع؛ ملاحم الهند الشاسعة، “المهابهارتا والرامايانا”، والأعمال التراثية الخرافية مثل “البنجاتنترا”(الأسفار الخمسة)، “ألف ليلة وليلة”، والمجموعة الكشميرية السنسكريتية التي تحمل عنوان ” “Katha-sarit-sagar (محيط جداولِ الحكايات). كذلك، كنت أفكر بالتقليد السردي الشفهي في الهند بوصفه شكلاً من القصّ يشكّل الاستطراد فيه المبدأ الأساسي تقريباً؛ يستطيع الحكواتي أن يحكي، بنوعٍ من الحلقة الدوارة، حكاية خيالية، حكاية أسطورية، قصة سياسية، وقصة سيرذاتية. وهو _لأنه كان دائماً مذكّراً_ يستطيع أن ينثر بين حكاياته المتعددة بضع أغانٍ ويبقي جمهور المستمعين العريض مفتوناً.
وأعجبتني فكرة أن التعددية يمكن أن تكون آسرة للغاية. في أغلب الأحيان، يُعطى للكتّاب الشباب صيغة من النصيحة التي يعطيها ملك القلوب للأرنب الأبيض في “مغامرات أليس في بلاد العجائب” عندما يرتبك الأرنب في المحكمة إزاء كيفية قصّ قصته: “ابدأ من البداية، قال الملك بجدية كبيرة. وتابعْ حتى تصل إلى النهاية؛ ثم توقفْ”. أما أنا فكان من الملهم لي أن أتعلم من سادة السرد الشفهي، لا سيما في كيرلا جنوب الهند، أن تلك ليست الطريقة الوحيدة، أو حتى الطريقة الأكثر سحراً، للقيام بالأشياء.
wikipedia.org
بما أن الرواية التي كنت أخطط لكتابتها كانت رواية عائلةٍ متعددة الأجيال، كان لا بدّ لي من أن أفكر برواية توماس مان “آلـ بودنبروك”. وعرفتُ أن على كتابي، بالرغم من كل العناصر اللاواقعية فيه، أن يكون رواية تمدّ جذورها عميقاً في التاريخ، ولذلك قرأتُ، بإعجابٍ شديد، كتاب إلسا مورانتي “التاريخ: رواية”. ولأن كتابي هذا كان سيصبح كذلك رواية عن بومباي، فقد كان عليه أن يمدّ جذوره في الأفلام أيضاً؛ أفلام من النوع الذي يدعى الآن “بوليوود”، والذي تعتبر فيه مصائب مثل استبدال الأطفال عند الولادة وإعطائهن للأمهات الخطأ حدثاً يومياً.
لقد أردتُ، كما ترون، أن أكتب رواية عن الطموح المفرط، عن المخاطرة من دون شبكة أمان، ومحاولة تقوم على “كلّ شيء أو لا شيء”؛ مسألة حياة أو موت، كما يقولون. أردتُ أن أكتب رواية تختلط فيها الذاكرة مع السياسية، الحب مع الكره، في كل صفحة تقريباً. لقد كنتُ في حينها كاتباً قليل الخبرة، غير ناجح، وغير معروف. ولكي أكتب كتاباً مثل ذاك، كان عليّ أن أتعلم كيف أقوم بذلك؛ أن أتعلم بكتابته. ومضت خمس سنوات قبل أن أكون جاهزاً لأعرضه على أيّ أحد.
على الرغم من كل العناصر السريالية فيها، “أطفال منتصف الليل” هي رواية تاريخ؛ رواية تبحث عن إجابة للسؤال الكبير الذي يسألنا إياه التاريخ: ما هي العلاقة بين التاريخ والفرد، بين العالم الكبير (الكون) والعالم الصغير (الإنسان)؟ أو بعبارة أخرى: هل نحن من نصنع التاريخ، أو أن التاريخ هو من يصنعنا (أو يحطمنا)؟ هل نحن أسياد أزمنتنا أم ضحاياها؟
(صفحة دار التكوين على فيسبوك)
يقدم بطل روايتي، سليم سينائي، تأكيداً غير مألوف رداً على ذلك السؤال: إنه يؤمن أن كل ما يحدث، يحدث بسببه؛ أن التاريخ غلطتُه. وبما أن ذلك الاعتقاد عبثيّ بالطبع، فإن إصراره عليه يبدو كوميدياً في البداية. لكن لاحقاً، مع تقدمه في العمر، ومع ازدياد اتساع الهوة بين اعتقاده ذاك وواقع حياته -وبينما يصبح مع الوقت أكثر شبهاً بضحية؛ شخصاً لا يفعل، بل يُفعَل به؛ لا يعمل، بل يُعمَل له- يصبح الأمر حزيناً، وربما تراجيدياً. بعد أربعين عاماً من وصوله أول مرة إلى مسرح الأحداث -بعد خمس وأربعين سنة من إدلائه بتأكيده ذاك على آلتي الكاتبة- أشعر برغبة في الدفاع عن تبجّحه المجنون ظاهرياً. ربما نكون جميعاً “مكبّلين بالتاريخ”، على حد تعبير سليم. وإذا كان الأمر كذلك، فبالنتيجة نعم، التاريخ غلطتنا. التاريخ هو العاقبة المائعة، المتقلبة، والانمساخية المترتبة على خياراتنا، وهكذا تقع مسؤوليته، حتى المسؤولية الأخلاقية منها، على عاتقنا. ففي آخر الأمر، إذا لم تكن تلك مسؤوليتنا، مسؤولية من ستكون؟ ما من أحد غيرنا هنا. نحن فقط. وإذا كان سليم سينائي قد ارتكب خطأً، فخطؤه أنه تحمّل أكثر مما يجب من مسؤولية عن الأحداث. أريد أن أقول له الآن: نحن جميعاً نتشارك ذلك العبء. ليس عليك أن تحمله كلّه وحدك.
كانت مسألة اللغة أساسية أيضاً في صناعة “أطفال منتصف الليل”. في رواية كتبتُها في وقت لاحق “الأرض تحت قدميها”، استخدمتُ اختصار “Hug-me”لأصف اللغة المتداولة في شوارع بومباي؛ خليطٌ من الهندية، الأُردية، الكجراتية، الماراثية، والإنكليزية. وبالإضافة إلى هذه اللغات الخمس “الرسمية”، كان هنالك أيضاً اللغة العامية الخاصة بمدينة بومباي والتي لا يفهمها أحد في أي مكان آخر من الهند. غير أنه من الواضح أنه لا يمكن لرواية تسعى إلى المقروئية أن تُكتَب بلغة بومباي أو بلغات الـ”Hug-me”. على أيّ رواية أن تعلم اللغة التي تُكتب بها. رغم ذلك، بدت الكتابة باللغة الإنكليزية الكلاسيكية غير صائبة، مثلَ سوءِ تمثيلٍ للبيئة اللغوية الغنية لخلفية الكتاب. وفي آخر الأمر، قررتُ أن أحذو حذو كتّاب أميركيين يهود مثل فيليب روث، ممّن وشّوا لغتهم الإنكليزية بكلمات غير مترجمة من اللغة اليديشية. طالما استطاعوا فعل ذلك، فلا بدّ أني أستطيع. ما يهم كان جعل معنى الكلمة التقريبي واضحاً من السياق. حين يتحدث فيليب روث عن تلقي “zetz” في الـ””kishkes، نفهم من السياق أن “zetz” هي ضربة عنيفة وأن “”kishkes هو جزء حساس من جسم الإنسان. هكذا، إذا أشار سليم سينائي إلى سيارة rutputty””، فيجب أن يكون واضحاً من السياق أن السيارة المشار إليها هي حطام قديم متداعٍ وشبه مهجور.
بالنتيجة، استخدمتُ من الكلمات غير الإنكليزية عدداً أقلّ مما اعتزمتُ في بادئ الأمر. وأصبح تركيب الجملة، تدفق اللغة وإيقاعها، أكثر نفعاً، حسب ظنّي، في محاولتي الكتابة بإنكليزية لا يمتلكها الإنكليز. لقد أتاحت مرونة اللغة الإنكليزية لها أن تصبح مجنَّسة في العديد من البلدان المختلفة، فالإنكليزية الهندية تشكّل اليوم لغة في حدّ ذاتها، تماماً كما الإنكليزية الأيرلندية، إنكليزية غربي الهند، الإنكليزية الأسترالية، أو التنويعات العديدة للإنكليزية الأميركية. انصرفتُ إذاً إلى كتابة رواية إنكليزية هندية. ومنذ ذلك الوقت، اتسع أدب اللغة الإنكليزية ليشمل المزيد من المشاريع المماثلة: يخطر لي مثلاً إنكليزية إدويج دانتيكات ذات التصاريف الكريوليّة في رواية “نفس، عينان، ذاكرة”، أو استخدام شيماماندا نغوزي أديشي لكلمات وتعابير لغة الإيغبو في روايتي “الكركديه الأرجواني” و”نصف شمس صفراء”، أو إعادة إنتاج جونو دياز العامية الموسيقية الدومينيكانية للغة في رواية “الحياة القصيرة العجيبة لأوسكار واو”.
كذلك، وجدتُ نفسي في حوار، إذا جاز التعبير، مع رواية رائدة عظيمة، “رحلة إلى الهند” لـِ إدوارد مورغان فورستر. لقد أعجبتُ بهذه الرواية حتى قبل أن يحالفني الحظ وألتقي بمورغان فورستر ذاته عندما كنت طالباً في كينجز كوليدج، كامبريدج، وكان هو زميلاً فخرياً مقيماً هناك. يومها، بدا فورستر مُشجِّعاً بكل نبل ولطافة عندما اعترفتُ له باستحياء أنني أريد أن أكتب. لكن، عندما بدأتُ بكتابة “كتابي عن الهند” -لفترة من الزمن، لم أكن أعرف حتى ماذا يُدْعى- أدركتُ أن الإنكليزية الفورسترية الباردة للغاية، الدقيقة للغاية، لن تلائم كتابي. لن تلائم الهند، حسب ظني. فالهند ليست باردة. الهند حارة. إنها حارة وصاخبة ومزدحمة ومغالية وذات رائحة. وتساءلت في نفسي: كيف أستطيع تصوير ذلك على الورق؟ كيف ستبدو إنكليزيّةٌ حارة وصاخبة ومزدحمة ومغالية وذات رائحة؟ كيف ستُقرَأ؟ الرواية التي كتبتُها كانت أفضل محاولاتي للإجابة عن ذلك السؤال.
لقد كانت مسألة الازدحام تلك بحاجة إلى جواب على صعيد الشكل بقدر حاجتها إلى جواب على صعيد اللغة. الاكتظاظ هو الحقيقة الأكثر وضوحاً فيما يخص شبه القارة. في كل مكان تذهب إليه، ثمة احتشادُ بشر. كيف يمكن لرواية أن تحيط بفكرة ذلك التعدد؟ كانت إجابتي أن أروي حشداً من القصص، أن أجعل السرد عمداً مفرط الازدحام، بحيث يتعين على “قصتي”، المحور الرئيسي في الرواية، أن تشقّ طريقها، إذا جاز التعبير، عبر حشد من القصص الأخرى. ثمة في الكتاب شخصيات ثانوية ضئيلة وأحداث هامشية قابلة للتوسيع لتصبح روايات أطول بحد ذاتها. هذا النوع من “الإهدار” المتعّمد للمواد كان مقصوداً. تلك كانت جعجعتي، دوامتي، حشدي.
عندما بدأتُ الكتابة، كانت العائلة المحورية في الرواية أكثر شبهاً بعائلتي مما هي اليوم. مع هذا، بدت الشخصيات على نحو غريب عديمة الحياة وهامدة. ولهذا رحتُ أجعلها مغايرة للشخصيات التي صيغت على غرارها، وفي الحال بدأت تعود إلى الحياة. على سبيل المثال، كان عندي بالفعل عمة متزوجة من جنرال باكستاني هو، في الحياة الواقعية، واحدٌ من مؤسسي وكالة الاستخبارات الباكستانية (ISI) المرعبة للغاية، وأول رئيس لها. لكنه، حسب علمي، لم يشترك في تخطيط، أو تنفيذ، انقلاب عسكري، مع أو من دون مساعدة مرشّات الفلفل. كانت تلك القصة إذاً خيالاً أدبياً. أو على الأقل، أعتقد أنها كانت كذلك.
كان سليم سينائي معي في ذات المدرسة. وقد عاش أيضاً في بومباي، في موطن طفولتي، في الحيِّ القديم، وهو أصغر مني بثمانية أسابيع فقط. أصدقاء طفولته تجميعاتٌ من الأطفال الذين عرفتهم في صغري. ذات مرة، اقترب مني رجل بعد جلسة قراءة في بومباي وقال: «مرحباً سلمان. أنا هيرأويل (زيت الشعر)». ولم يكن مخطئاً. شخصية هيرأويل صبَرْماتي، أو على الأقل شعر هيرأويل المفروق والمزيّت بعناية كان بالفعل مستلهماً منه. لكنه لم يُلقّب أبداً بـ«زيت الشعر» في الحياة الواقعية. كان ذلك شيئاً اختلقتُه لأجل الرواية. يومها، لم أستطع منع نفسي من التفكير بمدى غرابة هذا؛ أن يقدم صديق طفولتي نفسه لي باسم أدبيّ، لا سيما أنه فقد كل شعره.
لكن، على الرغم من تلك المحاكاة، سليم وأنا مختلفان. فمن ناحية، اتخذت حيواتنا وجهاتٍ مختلفة. قادتني وجهتي خارج البلاد إلى إنكلترا وفي النهاية إلى أميركا. أما سليم فلم يغادر شبه القارة قط. حياته مُحتواة في، ومعرَّفة بــِ، حدود الهند، باكستان، وبنغلادش. وكدليل أخير على أن الشخصية التي صنعتُها وأنا لسنا واحداً، أعرض حادثة أخرى. عندما كنتُ في دلهي لأقوم بواحدة من القراءات الهندية الأولى لأطفال منتصف الليل، سمعتُ صوت امرأة يصيح بصوت عالٍ بينما كنت أعتلي المنصة: «أوه! لكن أنفه طبيعي تماماً!».
أربعون عاماً وقتٌ طويل. لا بدّ لي من القول أن الهند اليوم لم تعد بلد هذه الرواية. عندما كتبتُ «أطفال منتصف الليل»، كنتُ أفكر بمنحنىً من التاريخ ينتقل من الأمل -الأمل الملطخ بالدماء، لكن الأمل، مع ذلك- أمل الاستقلال، إلى خيانة ذلك الأمل في فترة “الطوارئ”، ثم إلى ولادة أمل جديد. لكن الهند اليوم، لأحد في مثل تفكيري، دخلت مرحلة أكثر ظلمة من سنوات الطوارئ. التزايد المرعب للاعتداءات على النساء، الطابع السلطوي المتزايد للدولة، الاعتقالات غير المبررة للناس الذين يجرؤون على الوقوف ضد تلك السلطوية، التعصب الديني، إعادة كتابة التاريخ ليتوافق مع سردية أولئك الذين يريدون تحويل الهند إلى قومية هندوسية، دولة أغلبية، وشعبيةُ النظام على الرغم من كل هذا، أو ربما، على نحو أسوأ، بسبب كل هذا؛ هذه الأشياء كلّها تشجع على اليأس.
عندما كتبتُ هذا الكتاب، كنت أستطيع ربط سليم ذي الأنف الكبير بالإله غانيش ذي خرطوم الفيل، الإله الراعي للأدب، من بين أشياء أخرى، وقد بدا ذلك يسيراً وطبيعياً تماماً حتى وإن لم يكن سليم هندوسياً. كانت الهند كلها ملكاً لنا جميعاً، أو هكذا كنت أؤمن إيماناً عميقاً. وما زلتُ أؤمن بذلك، حتى وإن كان ظهور طائفية وحشية يؤمن بالعكس. فأنا أتوّسم الأمل في عزم نساء الهند وطلاب الجامعات فيها على أن يقاوموا تلك الطائفية، ويستعيدوا الهند العلمانية القديمة، ويطردوا الظلام. أتمنى لهم التوفيق في ذلك. لكن الآن، في الهند، إنه منتصف الليل مرة أخرى.
سلمان رشدي: 1947-. روائي وكاتب. ولد في بومباي، الهند، ثم انتقل للعيش في بريطانيا. روايته «أطفال منتصف الليل» هي ثاني رواياته، نشرِت عام 1980 وحصلت على جائزة البوكر الإنكليزية، كما حُوّلت إلى مسرحية وفيلم. له أربع عشرة رواية منها: العار (1983)، الغضب (2001)، وآخرها كيشوت (2019)، بالإضافة إلى مجموعة قصصية بعنوان «شرق، غرب»، وأربعة كتب غير روائية منها “اعبر هذا الخط” الذي يضم مجموعة من خطاباته، مقالاته، وآرائه. رشدي خريج كينجز كوليدج، كامبريدج. عضو الجمعية الملكية البريطانية للأدب. ترجمت كتبه إلى أكثر من أربعين لغة. وهو اليوم كاتب مقيم في جامعة نيويورك.
سارة حبيب: كاتبة ومترجمة من سوريا. إجازة في اللغة الإنكليزية، ماجستير في اللغويات التطبيقية. صدر لها ديوان واحد بعنوان”النجاة حدث مملّ للغاية” عام ٢٠١٧.
مقال رائع.. كل الشكر للمترجمة المميزة سارة حبيب..