مع تأثر صناعة السينما حول العالم، وللعام الثالث على التوالي بوباء كورونا، ربما أمسى من الصعب على متابعي السينما، العثور على عدد كاف من الأفلام المُرضية لأمزجة “هواة الصنف”.
إذ إن غياب الأفلام عن الصالات لأوقات طويلة بسبب الإغلاق، ومع تراجع حضور الجمهور نتيجة توخي الحذر، بات على من يبحثون عن الثيمات الرائجة التنقيب طويلاً في قوائم طويلة من الأفلام، كي يصلوا إلى نتائج يستطيعون من خلالها تأطير المزاج العام للسينما في هذا العام!
قراءات تأثير الأزمة الصحية في نتائج المسابقات الكبرى (صاندانس، غولدن غلوب، الأوسكار)، لم تجعل القارئ ومعه المشاهد، يتلمس حدوث تحول أو تبدل ما، في نمطية ما يشاهده الجمهور، رغم أن منح جوائز مهمة لفيلم (Nomadland) للمخرجة كلوي تشاو، على سبيل المثال في العام الماضي (2020م)، يوحي بأن طرح فكرة العزلة والتجوال، بعيداً عن التجمعات البشرية في المدن والبلدات الصغيرة والقرى، وسط جمهور يعاني من عزل عام إجباري، سيؤدي حكماً إلى خلق علاقة بين ما يراه المشاهد على الشاشة، وبين ما يعيشه.
وبالتالي فإن اللجوء إلى قوائم الترشيحات التي تصدرها الجهات المانحة للجوائز، وكذلك الصحافة الفنية، والمواقع المختصة، وعبر النقاط التي يمنحها الجمهور للأفلام التي تعجبه (الريتينغ في IMDBأو في Rotten Tomatoes)، لا بد سيشكل مدخلاً لقراءة المزاج العام، ولحضور الأنواع السينمائية، وتوجهات الشركات، وتأثيرات العوامل الخارجية على آليات طرح الأفلام، بين الصالات وعروض السينما المنزلية عبر الشبكات الأهم (نتفليكس) أو (أتش بي أو) وغيرها، والتي صارت إنتاجاتها السينمائية تزاحم الشركات التقليدية، وتكتسحها في المهرجانات.
مع ضرورة توخي الحذر من قدرة القائمين على بعض الجوائز، قيادة الرأي العام صوب بعض الأفلام، دوناً عن غيرها، بناء على العلاقات الشخصية، والرشى كالدعوات والولائم، كما حدث في النتائج التي سوقتها في وقت ما جائزة غولدن غلوب، التي تمنحها رابطة للصحافيين الأجانب العاملين في هوليوود، وأمست حالياً تعاني من سلسلة من الأزمات، حيث يقاطعها نجوم كثيرون بسبب غياب التنوع في قوائم أعضائها، ومن خلفهم الشركات المنتجة، ما أدى إلى إلغاء حفل توزيع الجوائز التقليدي، والاستعاضة عنه بحفل آخر يتم بثه على الشبكة، ثم التراجع عن هذا أيضاً، والاكتفاء ببيان فقط!
هذا العام (2021م)، ورغم كل ما سبق، تحضر غالبية الأنواع السينمائية على الطاولة، مع جحفل من النجوم، الذين شكل حضورهم واحداً من أهم عوامل جذب الجمهور، وذلك بالاستناد إلى ترشيحات القوائم الطويلة للأوسكار، والتي تقاطعت مع نتائج غولدن غلوب، والريتينغ على العموم.
فمن جهة أولى ثمة حضور واسع لأفلام السيرة الذاتية، أو تلك التي تتحدث عن تجارب لشخصيات حقيقية، ومنها فيلم(Belfast) للمخرج والممثل البريطاني كينيث براناه، والذي يروي فيه تفاصيل من تجربته الشخصية مع عائلته في منطقة صراع دموي هي إيرلندا الشمالية.
فيلم (King Richard) للمخرج رونالد ماركوس والذي يتحدث عن السيرة الذاتية أو قصة نجاح ريتشارد ويليامز في إيصال ابنتيه لاعبتي التنس الأمريكيتين المحترفتين سيرينا وفينوس ويليامز، إلى القمة في عالم هذه اللعبة التي توصف عادة بالنخبوية، في مواجهة آخرين، لم يتوقعوا أن يتنافسوا مع فتاتين من أصول أفريقية.
أما فيلم (Spencer) للمخرج بابلو لارين فهو عودة إلى واحدة من أبرز القصص الواقعية إثارة للشهية من قبل المنتجين والجمهور على حد سواء هي قصة الأميرة ديانا، حيث يختار مقطعاً زمنياً مثيراً من حياة محبوبة البريطانيين، ثلاثة أيام قبل انفصالها عن الأمير تشارلز.
وفي ذات المسار، يذهب آرون سوركين في ((Being The Ricardos) إلى مقطع زمني سوداوي من حياة النجمة الكوميدية الأمريكية لوسيل بيل وزوجها الكوبي الأصل ديزي أرناز حينما وجهت إليها تهمة الشيوعية في زمن المكارثية.
فيلم (HOUSE OF GUCCI) للمخرج ريدلي سكوت يقدم فيه تفاصيل من عوالم العائلة صاحبة الماركة الشهيرة غوتشي.
وأيضاً تحضر الأفلام الموسيقية عبر تجربتين هما أولاً فيلم (Tick, Tick… Boom!) للمخرج لين مانويل ميراند الذي يتناول تجربة معاناة الملحن والكاتب المسرحي جوناثان لارسون، في عملية خلق العمل الفني.
وثانياً في فيلم ستيفن سبيلبرغ (West Side Story) المقتبس من مسرحية برودواي الموسيقية الشهيرة لعام 1957، عن قصة حب محرم بين توني وماريا، في وسط حروب العصابات.
كما تعود بنا جين كامبيون عبر فيلمها (The Power of the Dog) المصنف ضمن أفلام الغرب الويسترن، لتقدم صورة من الداخل للمجتمع المحلي، دون الأخذ بالمكرس من صورة بطل الكاوبوي، حيث تواجه امرأة وابنها سلطة النمطية التي تحاول التحكم بهما.
وبالتوازي مع هذا، يحضر الخيال العلمي عبر فيلم (Dune) لدينيس فيلنوف المبني على رواية تحمل الاسم ذاته من تأليف فرانك هربرت، حيث يتصارع نبلاء الممالك في مستقبل كوني بعيد، دون أن يختلف الحال عن واقع هذا الزمان.
وأيضاً، تستعيد المخرجة لانا واشوفسكي (The Matrix Resurrections)، الثلاثية الشهيرة، في جزء رابع، مطلوب تجارياً، يحاول ضخ الحياة في الحكاية المنتهية!
بشكل مختلف، يأتي فيلم (The Tragedy Of Macbeth) للمخرج جويل ديفيد كوين، الذي يعمل للمرة الأولى دون أخيه إيثان جيسي كوين، معالجة راهنة للتراجيديا الشكسبيرية الشهيرة.
وبالإضافة للأنواع السابقة، لا تغيب الإثارة والمغامرات، بل تحضر من خلال فيلم (No time to die) للمخرج كاري فوكونجا، في آخر نسخة من سلسلة العميل 007 جيمس بوند، حيث يجبر أحد المجرمين العميل الشهير على قطع تقاعده والعودة إلى ملاحقة الشر.
بالإضافة للفيلم الرومانسي كما في (Licorice Pizza) للمخرج بول توماس أندرسون، والذي يروي تفاصيل في رحلة اكتشاف المراهقين لذواتهم.
والفيلم النفسي (The Lost Daughter) للمخرجة الأميركية ماغي جيلنهال، عن رواية الكاتبة الإيطالية إيلينا فيرانتي، حيث تتعثر أستاذة جامعية في إجازتها على أحد الشواطئ اليونانية بهواجس، وتقلبات نفسية، تنتج عن اللقاء بغرباء.
وفي الإطار الاجتماعي يأتي المخرج الإسباني بيدرو ألمودفار بفيلمه (Madres paralelas) الذي يحكي عن النساء والذهاب إلى الأمومة.
ومن جهته يطفح الفيلم الكوميدي (Coda) للمخرج سيان هيدر بمقاربة غير تقليدية تفتح آفاقاً جديدة في دعم مجتمع الصم وضعاف السمع، بحسب صناعه.
وبطبيعة الحال، لم تغب ثيمة الكوارث عن طاولة الفاكهة السينمائية، فالمناخ الكئيب الذي خلفه انتشار جائحة كورونا حول العالم، وضع أمام البشر أسئلة تتعلق بالنهايات المحتملة، للحياة الإنسانية، بفعل عوامل كالأوبئة، والحروب، وأيضاً اقتراب الأجرام السماوية والنيازك من الكوكب، وبناءً على هذه الفرضية، يقترح المخرج آدم مكاي في فيلمه (Don’t Look Up) ضمن معالجة متخمة بالكوميديا السوداء، على النخبة الأكاديمية مواجهة الثقافة الاستهلاكية التي تنخر المجتمع، فيتحول هاجس دمار الأرض إلى مجال لتسويق التفاهة، من أعلى السلطات وحتى أدناها.
قائمة الأفلام هذه، تقدم وبشكل أولي ملامح عما يشغل صناع الأفلام من أفكار وهواجس، لكنها تبقى أقل من أن تكون شاملة ومحيطة بكل ما ينتج، خاصة وأن مختبرات سينمائية أخرى حول العالم، تدور كاميرات التصوير فيها، بهواجس مشابهة ورؤى مختلفة.
خاص مجلة قنآص
علي سفر، ناقد سوري، يكتب في الصحافة السورية والعربية، مقيم في فرنسا.