جسدُ السردنصوص

وُجُوه | أحمد يوسف عقيلة

لوحة حاتم كوكو | السودان

(ا)

يستيقظ.. ينظر إلى الساعة الحائطية المقابلة لسريره، لا يزال هناك متسع من الوقت على موعد المقابلة، ينقلب على الجانب الآخر، يسمع فرقعة الصحون آتية من المطبخ، يعرف أنّها علامة على غضب زوجته، يمشي حافياً إلى الحمام ليغتسل، لكنه لا يجد وجهه!

(ل)

تطعنه زوجته بسبّابتها في صدره:

ـــ والله ما فيك وجه، عدت البارحة قبيل الفجر تترنح، أنا أعرف جيّداً أين تترك وجهك بعد أنصاف الليالي.

يُقلِّب في الأدراج، يكتشف أنه قد استنفد كل وجوهه.

ـــ يا إلهي… حتى القهوة بدون وجه!

(ق)

يطرق باب جاره…

ـــ صباح الخير… عندك وجه سلف؟

ـــ لا والله، حتى أنا عندي مقابلة… لم أعد أملك سوى وجه واحد، سهرت الليل بطوله لترميمه، لكن اليوم سيوزِّعون وجوهاً في السوق الكبير.

(ن)

أمام السوق، الطابور طويل، متعرِّج، لغط… قهقهة:

ـــ الدنيا بالوجُوه… والآخرة بالعمل.

ـــ اللي تَكْرَه وجهه.. يزرّك الزّمان على قفاه.

ـــ قالوا للقرد: تبَرقَعْ.. قال: وجهي واخِذ على الفضيحة!

يصرخ أحدهم:

ـــ اسمعوا… لا تعطوا الواحد أكثر من وجه حتى يكتفي الجميع.

(ا)

يتآكل الطابور… مدير السوق يوزِّع الوجوه كيفما اتفق:

ـــ هاك… وجه مكشِّر… وَجْه عابس… وجه كالِح… وجه طويل يصلح للمدراء… وجه بليط يناسب الكثير من المسؤولين الكبار… آخِر وجه بارد عندنا… وَجه مصَقّع… وجه موش للضَّيّ… من يريده؟ وجه قوِي… وجه صاح… وجه مقلوب… وجه ملْوِي… وجه ممدود… وجه متزلِّط… وهذا كتيّب… كتالوج يعني… (كيف تلمِّع وجهك في خمس دقائق بدون مُعلِّم)… وهناك محاضرة في العشية عن كيفية استبدال الوجوه وتلوينها… يُلقيها الدكتور (بو وجهَين) في المدرَّج المكشوف… خذْ وجهك…

(ع)

يصل أخيراً… مدير السوق يُميل رأسه، يئن مغمضاً عينيه نصف إغماضة وهو يُحرِّك أذنه بالقلم:

ـــ للأسف… تأخرت.

ـــ فتِّشْ… أرجوك… أي وجه، موعد المقابلة بعد نصف ساعة، مقابلة مهمّة، أكيد عندكم وجوه مدسوسة تحت الدُرج للأصحاب.

يغطس مدير السوق تحت الدُرج، يتوارى، يزحف، يرفع رأسه، يَمسح جبينه بظاهر يده:

ـــ صدّقني… لم تعد لدينا وجوه.

مدونة أحمد يُوسُف عقيلة “الخَرُّوْبَة”

http://alkarrobah.blogspot.com/?m=1

أحمد يوسف عقيلة؛ قاصٌّ ليبي، صدر له: الخيول البيض؛ قصص، غناء الصراصير؛ قصص، الْجِراب (حكاية النجع)، عناكب الزوايا العُليا؛ قصص، حكايات ضِفْدَزاد؛ قصص، الحرباء؛ قصص، درب الحلازين؛ قصص، غُراب الصَّباح؛ قصص، غنَّاوة العلم (قصيدة البيت الواحد)، قاموس الأمثال الليبية، خراريف ليبية؛ حكايات شعبية.

                                                       

مجلة ثقافية تنفتح على أشكال الأدب والفنون في تَمَوجها الزمني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى