أهوى الهوى كتابمكتبة بورخيس

«آدم الأول» وحيرة الخلق | سماح ممدوح

رواية « آدم الأول » لـ محمد الباز، صدرت في يناير 2023 عن دار ملهمون.

الإطار السردي العام لرواية « آدم الأول »

لابد أن نضع كل ما نريد قوله أو تقديمه في إطار، وإطار رواية « آدم الأول » هي رواية أيضا، كُتبت بخط أحد أبناء “آدم”. تحكي الرواية عن “سعاد عبد الحكيم” التي دخلت بيت حبيبها “يوسف المعداوي” ذات صباح فوجدته منتحراً، لكن قبل موته كتب رواية عثرت هي على مخطوطتها، أخذتها وغادرت مخافة سؤالها من رجال الأمن.

كانت تلك افتتاحية رواية « آدم الأول »، وبعدها تبدأ سعاد فى قراءة رواية “يوسف المعداوي” ومقابلته مع السيد آدم، أبو البشر شخصيا. تحكي الرواية عن يوسف الذي أراد قضاء ليلة رأس السنة فى مطلع الألفية الجديدة بمفرده على غير العادة، الليلة التى كان يقضيها مع حبيبته سعاد. في تلك الليلة ظل يجول فى شوارع القاهرة يفكر ويتأمل علّه يجد إجابات عن الأسئلة التى تأكل عقله. وأثناء تجواله يقابل آدم لأول مرة، يتحدثان أو بالأحرى يبدأ يوسف بالكلام وآدم يصغي. وعندما وصل إلى النقطة التى اعترف آدم ليوسف بأنه أبوه وأبو البشر أجمع، سخر منه يوسف وغادر ظنا منه أن الرجل به مس مِن جنون.

يعمل يوسف صحفيا، بلغ مكانة لا بأس بها في عالم الصحافة. وعرف أن قرّاءه شغوفون بكل الحكايات الغريبة، لذا كان يكتب لهم ما يقابله من حوادث الدنيا والبشر ما لم يرد على أحد منهم.

في البداية تحكي رواية « آدم الأول » عن شائعة راجت فى مصر، حقيقة ليست خيال روائي، مطلع الألفية الجديدة فى عام 2000، عن الحفل العالمي الذى أقيم تحت سفح الهرم وكان وزير الثقافة حينها فاروق حسني والحفلة فِكْرته، حينها قال الكثيرون أن الحفل مقام كرمز لانتصار الحركة الماسونية في الشرق. ففي الحفل سوف يُرفع «رمز الهرم، عليه عين حورس» أعلى قمة الهرم. وتناولت الرواية الشائعة بالتفصيل.

رواية « آدم الأول »
عين حورس والهرم وعلاقتها بالماسونية

خلق الحيرة مع خلق آدم

 المحور الرئيسي لرواية « آدم الأول » هو التساؤلات الكبري التي تمور فى رأس البشر جميعا، وبقية الأحداث في الرواية ما هي إلا دروب للوصول لجلسة حوارية تنفض عن رأس الإنسان المُتمثّل في يوسف وأبيه آدم. هذه التساؤلات والشكوك والحيرة التي يدور فى فلكها كل عقل فكّر فيما وراء ما نسمع وما كبرنا عليه من أفكار متعلقة بالدين والكتب التراثية، وعن القصص الواردة في الكتب المقدسة وكيف فسرت الكتب التراثية هذه القصص وكيف انساق الكثيرون وراء هذه التفسيرات من دون نقد لها أو سؤال رغم أن الكثير منها تُعد تفسيرات غير عقلانية، وكل هذا سردته الرواية على شكل حوار مطوّل بين آدم المفترض أنه أبو البشر وبين يوسف الحائر المتشكك.

يظل آدم ينقد كل الروايات التى يسأله يوسف عن مدى صحتها كما جاءت فى كتب التراث الديني، باعتبار أن آدم المرجعية الأصلية. من هذه المسائل، حكاية طرد آدم وحواء من الجنة، وهل كانت جنتهم على الأرض أو السماء، أم إنها كانت مجرد حديقة متسعة لم يعرف آدم نفسه إن كانت فى الأرض أو السماء. عن الصراع بين آدم الأول وإبليس والمعصية.

نقد روايات متداولة ومتوارثة عن رفض الأرض واستعاذتها بالله عندما جاء الملائكة ليأخذوا منها قبساً ليخلق الله منه البشر، ونقد قصة إعطاء آدم بعضاً من سنوات عمره للنبي صالح. وكثيرة هي القصص التى سأل عنها يوسف ونقدها آدم بالحجة والعقل والمنطق، وبيّن كم أن أبناءه “بني آدم، أغبياء” باعتناقهم لمثل هذه الأفكار.

 يمر الصحفي يوسف قبل المقابلة الثانية مع آدم، بقصتين وكلاهما كانتا موضوعه الصحفي. قصة الشاب الذى يظن نفسه المهدي المنتظر، وقد كان يوسف مر بمن أدعوا أنهم المهدي كثيرا، حتى أنه قد كتب فيما قبل مقالا صحفيا طويلا من قسم في مستشفي الأمراض العقلية خُصص فقط لمن ظنوا أنفسهم المهدي المنتظر. لكن الشاب الأخير اكتشف أن جارته هي من تخدعه بخطابات تكتبها له موقّعة باسم “الله”. القصة الثانية كانت عن من أراد خداع الصحفي بأنه قائد الطيران الياباني منذ الحرب العالمية الأولى، مات ونُسِخت روحه في هذا الشاب الحالي!

لم يكن لآدم، أن يُبعث حيا من جديد كل عام إلا لمدة أربعة وعشرون ساعة فقط، يأتي ليطمئن على أحوال أبناءه وما آل إليه حالهم ثم يختفي، يتلاشي. ظل آدم ويوسف يتحاوران، فبقية الرواية على شكل حوار، في كل المسائل التى تشغل بال البشر حتى طلع عليهم صبح يوم جديد، صبح نفد فيه وقت آدم على الأرض، لكنه رحل دون إجابات شافية لكثير من المسائل التي ظلت عالقة في ذهن يوسف حتى مات بها.

محمد الباز مؤلف رواية « آدم الأول »، يرأس مجلس إدارة وتحرير جريدة الدستور المصرية، وهو أستاذ جامعي في كلية الإعلام جامعة القاهرة، ورواية « آدم الأول » هي الثانية له بعد رواية “الزينة” وعشرات الكتب الغير روائية.

خاص قناص – عروض كتب

مجلة ثقافية تنفتح على أشكال الأدب والفنون في تَمَوجها الزمني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى