انتصر الوباء
لأن خطّ الاستواء، بؤرة الوباء الأوليّة، كان يشكّل عمليّاً أصغر جزءٍ من المناطق الملوّثة، لم يكن الوباء يزداد قوّةً فحسب، بل انتشر أيضًا وراح يلطّخ بلا هوادة نصف الكرة الأرضية باتجاه المناطق المعتدلة. وعقب شهرٍ من ظهوره، حاصر هذا “الجذام العالمي” عالم ما بين مداري السرطان والجدي بأكمله، ولم يعد إرسال البرقيات والتقارير إلى السلطات العليا في العاصمة شأن الحاكم وحده، ولا شأن المسؤولين الاستعماريين المتململين وحدهم، بل إنّ السلطات العليا في عواصم الدول الكبرى بالذات هي التي كانت تتبادل الرسائل بحالةٍ من الذعر. في الوقت الحاضر جرى حشدُ جيشٍ من العلماء، وهذه المرّة بات أمر انقاذ البشريّة متروكاً لهم وحدهم. ومع ذلك فإن هذا الجيش تألّف فقط من العلماء الكبار، وجرّاء تباين الفرضيّات واحتدام النقاشات لم ينبثق أيّ ضوء. في الحقيقة إنّ اللغز بات أكثر تعقيداً، وذلك لأنّ الوباء حاليّاً يمارس تأثيره على الأشياء أيضاً: وعليه أصبح من المستحيل التقاط الصور في جميع المناطق المتضرّرة؛ ذلك أنّ كلّ الألواح والأفلام – فور خروجها من علبها – يجري تغليفها مسبقاً قبل تعريضها لضوء النهار؛ علاوة على ذلك، كان من المستحيل تشغيل أجهزة التلغراف اللاسلكية، على الأقل أثناء النهار، أمّا مع حلول الظلام فيعود الاتصال إلى حاله. فلماذا؟

هذه الاضطرابات الغريبة، والتي لا يمكن تفسيرها أكثر من غيرها في أذهان الجمهور، هي التي دفعت أبحاث العلماء في اتجاهاتٍ جديدة. في ذلك الوقت كانت المكسيك والولايات المتحدة والمغرب والجزائر والجزيرة العربية ومصر وبلاد فارس وهندوستانيا وتونكين، أي في نصف الكرة الشمالي وجميع البلدان حتى خط عرض 30 درجة، وكذلك المناطق المقابلة لها حتى درجة العرض نفسها في نصف الكرة الجنوبي، تحت قبضة البلاء الذي ازداد عنفه كلّ يوم؛ ففي المناطق الاستوائية تزايدت الوفيات وظهر البشر والحيوانات وقت الوفاة على النحو الآتي: بشرةٌ كاملة، جلدٌ خالٍ من الشعر، تقرّح في مناطق الجسم الأبعد عن الأرض، التهاب الملتحمة الشديد، التهاب الجفن، إعتام عدسة العين، كما لم تُظهِر القروح الجلدية أي ميل للانخفاض.
جرت بعض عمليّات التشريح، ومن خلالها لوحظ فقرُ دمٍ شديدٍ في كافة أعضاء الجسم، وضمورٌ شديدٌ في الطحال وذوبانٌ في الغدد اللمفاويّة.
وهكذا، فمن ناحية حدث حرقٌ تدريجيٌّ ومستمرٌ للأنسجة العضوية، من ناحية أخرى، كان هناك توقفٌ لبعض الاضطرابات المغناطيسية خلال الليل. كان الاستنتاج الذي خلصت إليه العديد من مؤتمرات العلماء من هذه المجموعة من الحقائق هو أن السبب الأولي للوباء يجب أن يُعزى بالضرورة إلى مصدر الحرارة والضوء، أي الشمس.
بات من المرجح فعليّاً أن نشاطاً شمسيّاً نوعيّاً دخل حيز التنفيذ. ولكن أيّ واحد؟ لقد باتت جميع المراصد في العالم موجّهةٌ نحو الجرم الشمسي.
لم يلاحظ أيّ شيءٍ غير طبيعي، ومع ذلك بدا لعلماء الفلك في باريس وأوبسالا أنّ البقع الشمسيّة – والتي عادةً ما تكون بالأحمر الداكن – قد تحوّلت قليلاً إلى لون الدم، لكنها لم تتغير في الشكل أو العدد أو الحجم، ناهيك أن تأثيرها على الفصول، وبخاصة في درجة حرارة الأرض، ما يزال محل نقاش. فقد أعلنت الأكاديميات، في جلساتٍ عامةٍ نشرت بياناتها الرسمية النتائج، أن بقع الشمس لا يمكنها تحديد أي مرض للجلد أو بشرة النباتات. ومع ذلك استمرّ الوباء في تقدّمه الحتميّ بشكلٍ منهجي.
هنري فالك (1881 – 1937): كاتبٌ ومسرحيّ وسيناريست وشاعرٌ غنائيّ فرنسي، وقد ترك خلفه العديد من الأعمال في هذه المجالات والتي نذكر من بينها على سبيل المثال:
- في السيناريو: كاتب حوار فيلم “الحفلة” (Le Bal) من إخراج فيلهلم ثيل عام 1931؛ كاتب سيناريو فيلم “الابن المرتجل” (Le Fils improvise) الذي اقتبسه من روايته التي تحمل نفس الإسم، ومن إخراج رُنيه غيسّار؛ وأيضاً كاتب حوار فيلم “الفالس الملكي” (Valse Royale) من إخراج جان غريميّون عام 1935.
- في المسرح: مسرحيّة “غريغوار” – 1912؛ ومسرحيّة “سان أنطوان” – 1936.
- في الرواية: عصر الرصاص – 1919؛ الابن المُرتجل – 1928؛ السلّم القصير – 1931.
