أدب الرحلة إلى العالم الآخر يتناول النصوص “الأسطورية والدينية والإنسانية الخيالية” تاتي تنطوي على لغة رمزية تعرف بقدرتها على الخلود وعلى التحول اللانهائي
يقدم كتاب ” أبو العلاء وبراندان.. دراسة مقارنة لأدب الرحلة إلى العالم الآخر، للدكتورة منى طلبة، الصادر حديثا عن الهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة: قراءة جديدة لرسالة الغفران بوصفها نصا أدبيا متكاملا من خلال علاقتها بمجمل الثقافة العربية وأدب أبى العلاء وفلسفته في اللغة والدين والأخلاق مما يتيح للقارئ العربي فهمها ومقارنتها بغيرها من الآداب العالمية. كما يسلط الكتاب الضوء على رسالة الغفران من خلال مقارنتها بغيرها من نصوص أدب الرحلة إلى العالم الآخر في مختلف الثقافات السابقة والمعاصرة لها بوجه عام، فضلا عن مقارنتها بـ”الجنة الأرضية” للقديس سان براندان (ت 583م) بوجه خاص. تضمن الكتاب ستة فصول، حيث جاء الفصل الأول بعنوان “أدب الرحلة إلى العالم الآخر” وفى هذا الفصل بينت الكاتبة المقصود بأدب الرحلة إلى العالم الآخر، وأنه هو الأدب الذي يتناول النصوص: “الأسطورية والدينية والإنسانية الخيالية” بوصفها جميعا تنطوي على لغة رمزية تعرف بقدرتها على الخلود وعلى التحول اللانهائي، وهى تبرز وتخفى في ذات الوقت الأفكار العميقة. كما سلطت الضوء على خصائص أدب الرحلة إلى العالم الآخر، والتي تتمثل في ثلاث خصائص، وهى: شكله الرمزي الشعري ، وأساسه الأخلاقي، ومفهومه الموحد للزمن والتاريخ. كما تناولت الكاتبة في هذا الفصل : أصناف الرحلة إلى العالم الآخر، حيث ذكرت أن هناك خصائص تسمح للنصوص باختلاف بعضها عن بعض داخل هذا النوع الذي يعرف بأدب الرحلة إلى العالم الآخر، أو الأدب الأخروي. وعلى هذا قد بدا الأدب الاخروي موضوعا معقدا وغير أحادى البعد، قابلا لتصنيفات عدة تحت إطار النوع الأدبي الواحد. وذكرت أن الباحثون قد اجتهدوا في تصنيفه اجتهادات عدة ، ففرق “سميث” بين الرؤى الدينية المقدسة والرؤى الدنيوية للعالم الآخر، فالنصوص المقدسة تتعلق بعلاقة الخالد بالمؤقت، وعلاقة الإنساني بالتاريخي، بالخلاص الجماعي في التاريخ. بينما فرق “جون كولين” بين الأخرويات والرحلة إلى العالم الآخر على أساس الأخرويات التي تتمثل بصفة خاصة في النصوص الدينية تتميز برؤى متعالية لمستقبل التاريخ البشرى، والتحول الجذري للكون في نهاية هذا التاريخ. كما سلطت الضوء على نصوص أدب الرحلة إلى العالم الآخر، والتي تتمثل في النصوص: الأسطورية، الدينية، الإنسانية. وقد تناولت في النصوص الأسطورية التي تعدها-الكاتبة- النصوص المصادر بالنسبة لنصي رسالة الغفران لأبى العلاء المعرى ورحلة القديس سان براندان، إذ إن علاقتهما غير مباشرة: وتتمثل في الأدب الجنائزي المصري القديم الذي يشتمل أربعة نصوص رئيسية، هي “الدراما المنفية”، و”متون الأهرام”، وكتابا “رحلة الشمس”، وكتاب “الموت والخروج إلى النهار” للمصريين القدماء، وفى “ملحمة جلجامش” في الأدب الآشوري البابلي، وفى بعض الأساطير اليونانية: مثل أسطورة هرمس، أورفيوس، وأوديسيوس، وفى الأساطير الهندية والفارسية. أما في النصوص الدينية ، وهى ما تعده-الكاتبة-النصوص العليا، وهى نصوص الوحي التي تتمثل في النص القرآني وحديث الإسراء والمعراج كنصين رئيسيين يشكلان مفهوم العالم الآخر في الإسلام، كما تعد رؤيا القديس يوحنا المصدر الرئيس للعالم الآخر في التراث المسيحي. أما سفر النبي دانيال وحزقيال وأخنوخ فتشكل علامات رئيسية في التصور اليهودي للعالم الآخر. أما فيما يخص النصوص الإنسانية، ينتمي نص الغفران لأبى العلاء المعرى ونص القديس سان براندان إلى هذا الطور من النصوص الأخروية التي تنسب إلى مؤلف بعينه، والتي تستلهم النصوص السابقة عليها أو المعاصرة لها لتقديم وجهة نظر خاصة بالمؤلف. وجاء الفصل الثاني بعنوان “نصوص أدب الرحلة إلى العالم الآخر: نظرة تاريخية”، فقد سلط الضوء على نصوص الرحلة إلى العالم الآخر في مختلف الأديان والحضارات بوصفها مقتضى إنسانيا: فالإنسان يرفض الموت، ويطمح إلى تجاوز الزمان إلى اللا زمنى، وتظل معضلة الخير والشر تؤرقه، وبمقتضاها أراد أن تنتظم حياته وفق منظومة أخلاقية من الثواب والعقاب الدنيوي والأخروي، ثم يتوازن مقامه المجتمعي وغاياته الوجودية. وفى الفصل الذي بعنوان “رحلة القديس براندان” تقدم الكاتبة ترجمة لنص القديس براندان بوصفها نصا رئيسيا للمقاربة برسالة الغفران لأبى العلاء المعرى. ووضعها في إطارها من الأدب الايرلندي الذي شاعت فيه مثل هذه الرحلات الطامحة لعوالم أخرى لحياة الإنسان، ثم تطرقت إلى الكوميديا الإلهية لدانتى بوصفها أحد النصوص الكبرى في هذا المضمار. ثم عرض الفصل الرابع الذي جاء بعنوان “لزومية أبى العلاء” لآراء النقاد والفلاسفة القدماء والمحدثين في الشرق والغرب في تناولهم للنص العلائى وخبرتهم إزاءه من جهات ثلاث: البعد اللغوي، البعد الأدبي، البعد الديني والفلسفي. أما الفصل الخامس فقد جاء بعنوان “تأويل رسالة الغفران” ، وقد حاولت الكاتبة من خلاله أن تقدم تأويل جديد لرسالة الغفران يسعى إلى فك شفرات هذا التناوب العجيب بين السرد الأدبي والشروح اللغوية والنحوية بما يخرجه من إطار هذه الأحكام الجائرة والحائرة التي تتمثل في الاستعراض اللغوي أو المرض النفسي بمقتضى الحرمان أو الاستعراض أو الكبت مما جعل النص أشبه بالوثيقة المرضية! وفى الفصل السادس الذي يحمل عنوان “مقارنة النصوص الأخروية” ، قامت الكاتبة بعقد مقارنة نص رسالة الغفران لأبى العلاء المعرى برحلة القديس سان براندان بصفة خاصة، وبسائر النصوص الأخروية بصفة عامة بما يكشف عن وجه من الوجوه المتعددة لمغزى رسالة الغفران التي كتبت قرابة عام 424 هـ ، هذه الرسالة التي تقع ضمن سياق مراسلة، المُرسل هو ابن القارح، والمرسل إليه هو أبو العلاء المعرى. أما الرسالة تضم كلا من رسالة ابن القارح لأبى العلاء المعرى وإجابة أبى العلاء عليها، وتنقسم هذه الإجابة إلى جزأين، الأول: قصة رحلة ابن القارح إلى الجنة والنار، والثاني: رد أبى العلاء المفصل على رسالة ابن القارح