بما أنّك شاعرٌ قل لي ما هو الحبّ؟
لو سألتِني قبل ثلاثين عاماً
لأخرجت لكِ من أكمامي
تعاريف مكتملة
دقيقةً للغاية.
لكن في هذا العمر
أستطيع فقط أن أمسك يدكِ،
التي ما زالت تفوح منها رائحة التفاح
وأعيدكِ إلى فجر الخليقة.
و أطلب من الإله،
أن يضع التراب والطين
وضلعي المفقود
جانباً،
ويمسك فرشاةً
ليرسمك على شكل الماء
حرةً من سجن جلدك
ودالية عظامك.
ويرسمني
سمكةً بدمٍ حارّ
يكون غيابكِ
موتها المحتّم.
***
نور القمر
تعلّمتُ أن أخفي وحدتي
بمهارةٍ، خلف جريدة.
لكن ليس بالإمكان
إخفاء أيّ شيءٍ
من نور قمرٍ
تفوح منه رائحة كتفيكِ.
***
عيناكِ
السماء وكلّ زرقةٍ أخرى،
إن لم تكن عينيكِ،
فهي لونٌ مهدورٌ.
كم من ألوانٍ أُهدِرت
على قماش الأيام
الذي لم يعد صالحاً للرسم
دون أن تصبح “أنتِ”.
***
مهما أجلتُ بصري لا أراكِ!
مهما أجلتُ بصري
لا أراكِ.
بحسب العناوين التي ذكروها
لا بدّ أن تكوني قريبةً في هذه الأنحاء؛
تحت عنقود السماء الداني
الذي بإمكانه أن يكون فيروزياً؛
في مكان ٍ ما بين الألوان الهادئة لهذه المدينة،
في العطر القوي لهذا القمر
الذي دوّخ أزهار المنثور،
خلف إحدى هذه النوافذ
التي تصنع مني نسخاً كثيرة
في الشوارع المشردة لهذه المدينة.
العناوين صحيحة حتى الآن،
لكن لماذا لا أراكِ
مهما أجلتُ ببصري؟!
***
العصافير
العصافير التي تتبعت أثركِ
أمسِ
من شجرة إلى شجرة
ومن شارع إلى شارع،
الله أعلمُ ما الذي رأته
حتى لم تعد زقزقاتها مسموعة!
***
عباس صفاري (1951-2021):
شاعر ومترجم ورسام إيراني فارق الحياة يوم الثلاثاء 26 كانون الثاني/ يناير 2021، في مقر إقامته بالولايات المتحدة الأمريكية، إثر إصابته بفايروس كورونا (كوفيد 19) عن عمر ناهز 70 عاماً.
ولد عباس صفاري في مدينة يزد عام 1951 ونشأ وترعرع في العاصمة طهران. سافر إلى بريطانيا لإكمال دراسته وبقي فيها حتى عام 1979، لينتقل بعد للإقامة في أمريكا، حيث بدأ بدراسة الفنون البصرية في جامعة ولاية كاليفورنيا، لكنه لم يكمل دراسته، وتفرغ للعمل الإبداعي في كتابة الشعر والرسم والتصميم وكتابة الأغاني.
طبعت أول مجموعة شعرية له بعنوان “ملتقى اليد والتفاح” عام 1992 في كاليفورنيا، وقد حصلت هذه المجموعة على جائزة باران (المطر) الأدبية، لأفضل مجموعة شعرية مطبوعة خارج إيران، كما حصلت مجموعته الشعرية الثالثة التي تحمل عنوان “الكاميرا القديمة وقصائد أخرى” جائزة الشعر الإيراني المعاصر.
ترجمت أشعار عباس صفاري إلى العديد من اللغات منها: الإنكليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية والكردية والعربية.
من أعماله الأخرى: ظلام الوجود (1996)- الكبريت الرطب (2002)- الضحك في الثلج (2009) ومن ترجماته: “قصائد الحب المصرية” عزرا باوند، و”زقاق الفوانيس” (مختارات من الشعر الغنائي الصيني القديم)، و”القمر وعزلة العشاق” للشاعرين اليابنيين الكلاسيكيين “إيزومي كي بو وإينونو كوماتشي”.