أخبار ثقافية

أيام الثقافة العُمانية في روما: خطوة أخرى نحو إرساء العلاقات الوطيدة بين البلدين

تأتي هذه الفعاليات ضمن رؤية مستقبلية بدأت منذ السبعينيات بين البلدين التاريخيين واتسمت بتبادل الخبرات في مختلف القطاعات الثقافية

يوسف وقاص – روما:

لطالما كانت العلاقات بين الجمهورية الإيطالية وسلطنة عمان متينة جدًا وقديمة في جذورها، وحفلت دوماً بالتعاون الدؤوب في كافة المجالات، وبالأخص في الجانب الثقافي منه، لما له من أهمية في نقل المعرفة وتمكين التقارب بين الشعبين العماني الإيطالي. وانطلاقاً من هذه الصلة المترسّخة، نظّمت وزارة الثقافة والرياضة والشباب فعالية ثقافية في الفترة من 8 إلى 10 حزيران/ يونيو وذلك لتعريف الجمهور الإيطالي بالثقافة العمانية القديمة والمعاصرة، تحت مسمّى “أيام عمان الثقافية”. استضافت الفعاليات حديقة الكولوسيوم الأثرية في قلب العاصمة روما، حيث عرضت 20 لوحة فنية و40 صورة فوتوغرافية في فضاءات المنتدى الروماني وفي الدير الملحق به. بينما تردّد صدى الموسيقى العمانية، التي يعزفها موسيقيون محترفون، في معبد فينوس الذي أعيد افتتاحه في شهر كانون الأول/ ديسمبر 2021 بعد سنوات من عمليات الترميم. الجدير بالذكر، أن حديقة الكولوسيوم الأثرية تعدّ من أهم المؤسسات الثقافية الإيطالية، وتعمل كجسر بين جمهورها والثقافة العمانية والعربية بشكل عام.

أقيم المعرض تحت رعاية وزارة الثقافة والرياضة والشباب، وافتتحه معالي السيد سعيد سلطان البوسعيدي وكيل الثقافة العمانية، بحضور السيدة ألفونسينا روسّو مديرة حديقة الكولوسيوم الأثرية، وسعادة سفير سلطنة عمان في إيطاليا السيد أحمد بن سالم باعمر، والعديد من ممثلي المؤسسات الإيطالية والأجنبية، وكذلك رؤساء المنظمات الدولية في روما ومسؤولي المراكز الثقافية والمجتمع المدني في روما.
وتأتي هذه الفعاليات ضمن رؤية مستقبلية بدأت منذ السبعينيات بين البلدين التاريخيين واتسمت بتبادل الخبرات في مختلف القطاعات الثقافية، من الموسيقى والفنون والآثار، بالإضافة إلى التنويع الاقتصادي، تحقيقا للاستفادة القصوى من موقع السلطنة الاستراتيجي، وحرصاً على جني المنافع من العلاقات القائمة بين إيطاليا ودول الإتحاد الأوربي. في هذا الصدد، لا بد من التطرق إلى الاحتفاء بالتعاون الطويل بين علماء الآثار الإيطاليين وسلطنة عمان في عام 2019 الذي تجسّد بمعرض “سونياتوري-الحالمون”، تحت شعار “أربعون عاماً من البحث الأركيولوجي الإيطالي في عمان”، الذي عقد في متحف مسقط الوطني. كما نتذكر العلاقة الهامة التي تربط “دار الأوبرا” الشهيرة بمسقط، والتي تتعاون مع أكبر وأهم المسارح والموسيقيين والمغنين الإيطاليين.

ضمن هذه الرؤية وتعزيزاً لغاياتها، شاركت سلطنة عمان لأول مرة بجناحها الخاص في المعرض الدولي التاسع والخمسين للفنون – بينالي البندقية – في الفترة ما بين 23 نيسان/ أبريل و2 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، حيث حظيت هذه المشاركة باهتمام النقاد والجمهور الإيطالي. جمع المعرض الافتتاحي، من بين الأمور الأخرى، أعمال ثلاثة أجيال من الفنانين العمانيين، تمتد على مدى خمسة عقود من الفن المرئي الحديث، وهو ما أفسح المجال لاستكشاف الحوار الديناميكي بين الأجيال للحركة الفنية في عمان على مدى الخمسين عامًا الماضية. بينما سلّط معرض الوسائط المتعدّدة الضوء على اتساع تاريخ عمان الثقافي وتفرّد تقاليده في مجال الفنون البصرية على نطاق دولي. وكان الهدف من مشاركة السلطنة في المعرض الفني الدولي التاسع والخمسين، إلى جانب سلسلة من البرامج الوطنية، هو منح الفرصة للثقافة العمانية لترك بصمتها على الساحة العالمية والمحلية.
وفي ظلّ هذا التقارب بين البلدين، كان هناك العديد من المساهمات الثقافية التي قدّمتها إيطاليا لسلطنة عمان، من خلال المعارض الفنية والفعاليات التي تهتم بالتصميم والأزياء، وبفضل دار الأوبرا والتعاون المثمر في مجال الفنون المسرحية. ومن أبرز الأمثلة على ذلك، افتتاح موسم 2020-2021 بتحفة جوزيبي فيردي “ريغوليتّو”، كما تصوَّرها المخرج الشهير فرنكو زيفيريللي، احتفالاً بالذكرى العاشرة لتأسيس دار الأوبرا السلطانية. تقارب ازدادت أواصره منذ افتتاح مسرح العاصمة العمانية بأوبرا “توراندوت” لجاكومو بوتشيني وفرنكو ألفانو، في تشرين الأول/ أكتوبر 2011، ومازال مستمراً حتى اليوم، تحت إشراف المخرج الإيطالي أومبرتو فانّي. وقد طورت دار الأوبرا خلال هذه السنوات العديد من أواصر التعاون مع المسارح الإيطالية الكبرى، بما في ذلك مهرجان أوبرا روسيني في بيزارو، ومسرح ماسيمو في باليرمو. وعلاوة على ذلك، ابتداء من عام 2012 اعتمد تدريس اللغة الإيطالية في جامعة السلطان قابوس، بإشراف البروفيسورة كاتيرينا ميراسولو.

أما أسطورة البحّارة والملّاحين العمانيين، فلها مكان خاص في ذاكرة الإيطاليين، وبالطبع، في كل الدول المتوسطية في سنوات الاكتشافات الكبرى، أي ابتداء من عام 1492، وهو العام الذي وصلت فيه سفن كريستوف كولومبوس، سانتا ماريا وبينتا ونينيا، إلى شواطئ القارة الجديدة. وقد عادت هذه الأسطورة إلى واجهات الصحف في شهر آذار/ مارس 2016، إثر اكتشاف حطام سفينة “إزميرالدا” البرتغالية. فقد أثار هذا الخبر اهتمام الخبراء والعامة في مختلف أرجاء الكون، ولخّصت الصحف الورقية والإلكترونية في الشرق الأوسط وكندا وأمريكا الجنوبية اكتشاف هذا الحطام البحري في بضعة أسطر: إزميرالدا، سفينة كانت تابعة لأسطول البرتغالي فاسكو دا غاما، وغرقت في عام 1503 في بحر العرب، مقابل شواطئ عمان، خلال الرحلة الثانية إلى الهند.

لم تكن “إزميرالدا” سفينة القيادة، أو سفينة الأميرال، لكنها واحدة من عشرة سفن كانت قد غادرت الهند بعد إنشاء أول بؤرة استيطانية هناك، لكن صدى الاكتشاف كان مميّزاً، حتى لو لم يكن الحطام محمّلاً بالكنوز، لكونه متعلق بالتاريخ الملاحي والبحري، ومرتبط بشكل وثيق بالاكتشافات الكبرى والسيطرة، أو ما سمّي فيما بعد بالحقبة الاستعمارية، أبطالها أشخاص جعلوا من المغامرة هدفاً لحياتهم، وخاضوا البحار بسفن ووسائل وأنظمة ملاحة لم يسبق أن جربوها من قبل.
لقد كان البحارة البرتغاليون ماهرين وذوي خبرة للوصول إلى رأس الرجاء الصالح، وقد استخدموا الرياح بحكمة، متجاهلين الطرق المعتادة التي تحاذي سواحل إفريقيا الغربية، للتوسع والتوجه نحو السواحل المجهولة لأمريكا الجنوبية، ثم مع مسار بحري طويل، الوصول إلى أقصى الطرف الجنوبي للقارة الأفريقية، وبهذه الطريقة تجنبوا الرياح الهادئة في وسط المحيط الأطلسي، وبالتالي امتهنوا نظرية كولومبوس الذي كان قد فعل العكس تماماً.
ولكن عندما توقف جزء من الأسطول أمام سواحل عمان، تم تحذير طواقمها من الرياح الموسمية (من الجنوب إلى الشمال) التي كانت تهبّ وتعرّض السفن للأمواج والعواصف، على الرغم من أنها كانت مزوّدة بمراسٍ قوية مصنوعة من الحديد الثقيل. كان خطأهم القاتل هو عدم الاستماع إلى الملاحين العرب الذين يعرفون البحر جيداً ويعرفون ما يترتّب على تغيير الموسم، وانتهى بهم الأمر في القاع، فانتكسوا في الرمال، وغرقوا أمام الشاطئ، بالقرب من مياه الجزيرة المعروفة الآن باسم الحلانية. حاول البحارة طمس ما ارتكبوه من الأخطاء، لكن ذلك كان مستحيلًا، لأن أحدهم، فرنشيسكو دالبوكيرك، كتب تقريرًا طويلًا عن أسباب غرق السفينة “إزميرالدا”، لا يزال من الممكن قراءته في أكبر متحف بحري في البرتغال.
بالإضافة إلى هذه الشهادة، يوجد نص مكتوب آخر مؤرخ في 10 سبتمبر 1508 وقّعه نائب الملك الأول للهند دون فرانسيسكو دي ألمَيْدا يوضّح فيه كيف ذهب أعداء البرتغاليين إلى موقع حطام السفينة واستعادوا 50 أو 60 سريراً حديدياً، ومدفعي صقر لإطلاق الكريات الحديدية، وكولوبرينا (الذي يتميز عن الصقر بمداه وعياره وصغر حجمه). الآن – يضيف ألمَيْدا – هذه الغنائم أصبحت بيد أعدائنا.

ولا يقتصر التعاون الثقافي، الذي يشكل حلقة مركزية في العلاقات الثنائية، على المجالات الموسيقية والفنية واللغوية فحسب، بل يمتد إلى قطاعات الآثار والمتاحف. فالتنقيب الأثري الإيطالي في عمان يمثل أحد المجالات التقليدية والأكثر صلة للتعاون الثنائي، حيث أجريت الحفريات من قبل جامعات عريقة، مثل جامعة بولونيا، وأورينتالي في نابولي، وسابيينزا في روما، وجامعة بيزا، واحتفل في عام 2019 بمرور أربعين عامًا على أعمال البعثات الأثرية الإيطالية في عُمان من خلال معرض في متحف مسقط الوطني.

قنّاص – زجل الحمام

المحرر المسؤول: زاهر السالمي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى