مساراتملفات

خالد خليفة ولُغزُ الكاتب | بهاء إيعالي

ما فعلته في حياتي هو إبقائي لثلّةٍ من الكتَّاب والشعراء الذين سبقوا جيلي في عالمٍ مجهول، لا تربطني بهم سوى كتاباتهم

خالد خليفة ولُغزُ الكاتب

قد لا أجدُ تفسيرًا منطقيًّا لعلاقتي بخالد خليفة، هذا الكاتب الذي بدأت علاقتي به منذ نحو 13 عامًا، في وقتٍ كنتُ فيه ذاك الفتى الذي ما يزال يتحسَّس مساراته في القراءة، علاقة بدأت وما زالت مستمرَّة. لا أجدُ تفسيرًا لهذه العلاقة سوى أنَّها كانت على مرحلتين: مرحلة كنت فيها القارئ البعيد، وأخرى كنتُ فيها «القارئ القريب».

في المرحلة الأولى كان خالد بالنسبة لي ذاك الكاتب البعيد، الكاتب الذي أحبُّ ما يكتبه وأحبُّ مشاهدة مسلسلاته أيضًا، كلُّ هذا عن بعد، أي أعرف كتاباته ككاتب وليس هو كشخص، وهذا ليس بالشيء الغريب وقتها. لكن ثمَّة أسئلة كانت تدور بخلدي، شأني شأن أي شخصٍ ساذج: هل هذا الرجل يأكلُ مثلي؟ ينزلُ إلى السوق ويشتري حاجياته مثلي؟ هل لديه أصدقاء؟ كلُّها أسئلة ساذجة من قارئٍ ساذج، من فتى ساذج، أُعجِبَ بكاتبٍ كبير، لأنَّ ما يكتبه المؤلِّف، ومهما كان ذا خصوصيَّة، إلَّا أنَّه لا يشي بكلِّ ما يتعلَّق بحياته.

هذه المرحلة تجاوزتها إلى الثانية عند صدور روايته الأخيرة «لم يصلِّ عليهم أحد». كنتُ وقتها شابًّا يشقُّ طريقه في الصحافة الثقافيَّة، وكنت بحاجةٍ لمادَّةٍ صحفيَّة تكون بمثابة «الضربة الكبيرة الأولى» التي ستؤسِّسُ لاسمي. هنا وقع خياري على خالد خليفة ورغبتُ بإجراء حوارٍ معه عن روايته الجديدة. وقتها لم أعرف كيف أتواصل معه في البداية، وحين حصلتُ على رقم هاتفه تردَّدتُ قليلًا قبل أن أرسل له رسالتي، لكنَّه فاجأني باتِّصاله ودردشته معي لوقتٍ ليس بالقصير، واللطف الذي أبداه نحوي وحماسه للحوار رغم كونه مقلٌّ في الإطلالات الصحافيَّة. يومها كان حوارًا لطيفًا، حكينا فيه عن الرواية، عن الكتابة وأجوائها، عن واقع سوريا اليوم… ولكنَّني لم أسأل أسئلتي تلك، ولم أرغب وقتها في معرفة تفاصيل عنه، صحيحٌ أنَّه حصلت بيننا أحاديث متنوِّعة وكنَّا نتابعُ منشورات بعضنا البعض على فيسبوك، لكنَّها كانت مختصرة وتتمحور حول أشياء محددة، دون الولوج في أشياء خاصَّة، ومتابعتنا لبعضنا لم تتجاوز نطاق الإعجاب بما ننشره، وهذا كان كافيًا بصراحة.

قد لا تكون فكرة الأسئلة التي كانت تراودني في فتوَّتي هي اللغز المتعلِّقُ بخالد خليفة، بل فكرة «الكاتب اللغز» هي التي تظلُّ مراودةً لي منذ بدأتُ بالقراءة قبل نحو عقدين من الزمن، الكاتبُ الذي تظلُّ حياته الخاصَّة شيئًا غريبًا عليَّ كقارئ. ربَّما أفضلُ ما فعلته في حياتي هو إبقائي لثلّةٍ من الكتَّاب والشعراء الذين سبقوا جيلي في عالمٍ مجهول، لا تربطني بهم سوى كتاباتهم، لأنَّ القارئ ومن وجهة نظري، متى عرف كلُّ ما يتعلَّق بكاتبٍ ما سيفقدُ شغفه بكتاباته ولن يقرأها برؤيةٍ محايدة، أعتقدُ ذلك. ولكن ربَّما سأجازف بالقول أيضًا عن خالد بأنَّه، بالنسبة لي، ليس فقط «كاتبًا لغزًا»، بل كان أيضًا «الصديق اللغز».

***

خالد خليفة ولُغزُ الكاتب؛ بقلم بهاء إيعالي

بهاء إيعالي؛ شاعر ومترجم لبناني

الكاتب

خاص قنّاص – ملفات

المحرر المسؤول: زاهر السالمي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى