صدرت حديثاً عن محترفِ أوكسجين للنشر في أونتاريو وبودابست، مجموعةٌ شعرية جديدة للشاعر العُماني، المقيم في المغرب، عبدالله الرّيامي (1965)؛ بعنوان “جيشٌ من رجلٍ واحد”، مكونة من 112 صفحة وتضمنت 47 قصيدة، وهي متاحة للقراء، للمرة الأولى، في الدورة السابعة والعشرين من معرض مسقط الدولي للكتاب (22 فبراير – 4 مارس 2023).
قصائد مجموعةُ الرّيامي الجديدة “جيشٌ من رجلٍ واحد” شاهدة على خرابِ اللحظة البشرية، مكتوبةٌ لتُقرأ بصوتٍ عالٍ، بلغتها الأنيقة، وجرحها العميقِ النازفِ صوراً شعريةً رفيعة، لشاعرٍ ظلَّ، يبني قلعةً تحت جلده، يأوي إليها الحالمون والمهمّشون ومدمِنو الجمال. ها هو يعودُ اليوم، بجيشهِ المفرد المترامي عبر جغرافيا من الحنين والغربة والترحال، لئلّا يقول وداعاً.
تأتي المجموعة الجديدة “جيشٌ من رجلٍ واحد” بعد ثلاثين عاماً من نشر مجموعته الأولى “فَرْق الهواء”، والتي لاقت حين صدورها ورقياً في عام 1992، احتفاء كبيراً على الصعيدين النقدي والشعري، وقد سبقَ لهُ نشر عمليْن إلكترونياً نهاية التسعينيات، هما توالياً: “حرَّاً كالخطأ” و”أخطر الألعاب أو غرام”.
تقول كلمة غلاف “جيشٌ من رجلٍ واحد”: “ثلاثة عقود تفصلنا عن ديوان الشاعر العُماني عبدالله الرِّيامي الأول “فَرْق الهواء” (1992)، ثلاثة عقودٍ ترقّبنا فيها هذا الديوان الجديد فإذا هو ممحاة للزمان، وقصائدُه تذلِّل الانتظار، تجعله فترةً وجيزةً أمام قدرتها المدهشة على صوغِ خريطة شعرية هائلة ومترامية لجيشٍ من رجلٍ واحد، لجمهرة من شاعرٍ واحد متفرِّد، يُلملِم ما تبقّى لنا من شعرٍ وحبٍّ في هذا العالم”.
يصنعُ عبدالله الرّيامي في مجموعته “جيش من رجلٍ واحد” أسطورته الشعرية، منطلقاً من ذاتهِ في محاولاتها اليومية للعيش والكتابة والتساؤل والخطأ، فهو كما في القصيدة التي جاء منها العنوان، يعترف: “أقاتلُ على كلِّ الجبهاتِ/ من أجلِ الحقّ/ في أن يكونَ الخطأُ منيراً/ عريقاً كالنجومِ في السماء”.
نقرأ من قصيدة”تلاحقني الخريطة”:
لم أحملْ يوماً
خريطةً مجعَّدةً من سوءِ الاستعمال
بطيَّاتِها المربَّعة
مطبوعةً على ورقِ الكرومِ
بحوافٍّ حادّةٍ وحبرٍ مقاوِمٍ
وغُبارٍ في كلِّ زاويةٍ متكسِّرة
حملتُ قدميَّ
ولاحقتُ منزلاً
يعبرُ الحدودَ كلَّ يومٍ
وحدوداً أبعدَ كلَّ عامٍ
حملتُ على ظهري
قماشاً لسَترِ العوراتِ
وأحذيةً لا يبتاعُها الحفاةُ
طرقتْ بضاعتي الأبوابَ
في بلداتٍ قصيّةٍ
كأنَّها نجماتٌ صغيرةٌ لم تُكتَشفْ بعدُ
ولا يتَّحدُ سكانُها مع الأنبياءِ الفاشلين.
يعود أبو فراس الريامي في جيشٍ من رجلٍ واحد، مدجّجاً بالأسئلة التي يختبر فيها الشاعر الموت والحزن والوحدة بحرفيةٍ لا تخلو من متعةِ كتابته لِسَطْرِهِ الشعري المكثّف.