صدرت حديثاً عن محترف أوكسجين للنشر في أونتاريو وبودابست، مجموعة شعرية جديدة للشاعر المغربي، المقيم في فرنسا، عبد الإله الصالحي؛ بعنوان «سيرك الحب».
تتأرجح في المجموعة الشعرية خيوط 34 قصيدة وتتشابك عبر 86 صفحة، تُقرأ كمرثية طويلة كتبها شاعرٌ متهكّم يعرف كيف يقيس منسوبَ الحزن في قصائده، وفي العالم، متبِعاً ذلك بكؤوس تلمع في أمكنة تعجّ بالأطياف البشرية والخيبات العصيَّة على النسيان. وعبد الإله الصالحي في «سيرك الحب» لا يفاوض على المكان الذي يتحرَّك فيه كشبح مكسور من الداخل، راسخ في الحبِّ رسوخ جبل من القناني الفارغة، جريء مثل سطر منفلت في نشرة الأخبار، وعبقريّ كبهلوان يلعب بالنار والسكاكين والمشاعر المنسكِبة فوق الطاولات.
يأتي الكتاب الثاني في مسيرة الشاعر عبد الإله الصالحي بعد «كلما لمست شيئاً كسرته»، الحائز على جائزة الديوان الأول لبيت الشعر المغربي العام 2006، والذي كان له الأثر الكبير، وظل يتداول في الأوساط الثقافية المغربية والعربية بوصفه أحد أهم تجليات قصيدة النثر في بداية الألفية الثالثة. والصالحي يستكملُ في «سيرك الحب» مشروعه الاستثنائي والخاص بالتعمق أكثر في الهامش وعوالمه.
«سيرك الحب» مجموعة شعرية غير مألوفة، مفاجِئة، وحزينة حدَّ السخرية، لكنّها، متقنة ولامعة في الوقت نفسه، كمدينة غامضة لم يكسِرها الشاعرُ كسابقِ الأشياء التي لمسَها منذ 18 عاماً، إنّما سلّمت له مفاتيحها طوعاً هذه المرّة: «مدينةٌ مضحكةٌ، كما وصفتَها» يكتبُ عبد الإله «لكنَّها عنيدةٌ، تترك أسئلةً وتنسلُّ في الفجر بين قدميك».
جاء في كلمة غلاف «سيرك الحب»: لا يريد الشاعر المغربي عبد الإله الصالحي مفارقة ديوانه الأول «كلما لمست شيئاً كسرته» (2005) لئلا يكسره أيضاً وتنتهي أسطورةُ صاحب الديوان الواحد، وهو لا يتوقف عن تحليل القلق، والبحث عن المعاني الدقيقة لكلمةِ المخاطرة، وتدوين تاريخ مديد لسيرْكِ الحبّ والحانات الباريسية، في قصائد اجتمعت في هذا الكتاب، لتُلحِق الهزيمة بتلك الأسطورة، وتلقِّننا درساً في الشعر والحرِّية والمغامرة، وتعلِّمنا أصول العيش كشجرة بلا غابة.
من قصيدة العنوان «سيرك الحب» نقرأ:
حتَّى لو صار قلبكَ معدناً صلباً
ستخرج من حلقك رغوة الموتى المبتدئين
وتطفو مثل قطعة فلِّينٍ
تتقاذفها ضحكة مومس في الأربعين.
حتَّى لو تعلَّمتَ أصول الأُنس وأتقنتَ لغاتٍ عدَّة
ستعبِّر عن نفسك بإشاراتٍ يائسةٍ
بفمٍ مُهدَّمٍ يعجز عنِ الكلام.
حتَّى لو عشتَ أعواماً في الحدائق
بين الأشجار والحمام
ستتمرَّغ مثل أحدبٍ في بحيرةٍ بذيئةٍ لم تتوقَّعها حتَّى في أحلام الحُسّاد والمُنجِّمين.
ولن يغفر لك أحدٌ ذلك التَّاريخ الطَّويل في سيرك الحبِّ
بعد أن انكسرتْ رِجلك بالصُّدفة فوق الحِبال.
هذا كتابُ مدينة إذن، كتاب بارات ومقاهٍ في الضواحي، كتاب قمر وضِيَعٍ وشموس سوداء، كتاب أغان تُسمع بالمقلوب وكلمات رجل يبتسم في خطايا الأصدقاء، وهو كذلك كتاب رفاق وعشّاق وموتى يعودون نهاية كلّ أسبوع.