صدر حديثاً عن دار خطوط وظلال للنشر والتوزيع في الأردن، كتاب جديد تحت عنوان “عصر بودلير: بودلير والشعر العربي”، للناقد التونسي لطيف شنهي، وبتقديم محمّد بن محمّد الخبو.
ومما جاء على الغلاف الخلفي للكتاب: “قارئ هذا البحث العميق يلمسُ حرص الباحث على تفسير خلفيّة الحداثة لدى “بودلير” بقدرة هذه الحداثة على سدّ الخواء الرّوحيّ النّاتج عن مظاهر العصريّة والتّقدّم في القرن التّاسع عشر بعد أن تراجع تأثير الدّين. فانسحاب المقدّس من الواقع التّجريبيّ لم يُفضِ إلى تهافت الإحساس بالتّعالي والسّموّ إلى المطلق عبر الفنّ الحديث عامّة ومن خلال الشّعر الخالص بصفة خاصّة. ولمّا أنصت “بودلير” لمنطق الشّعر الخالص، وانقلب على كلّ ما يُكبّل الفنّ من ضغوط أخلاقيّة وتاريخيّة ودينيّة، حُوكِم كما حُوكِم “فلوبير” لكونهما أخلصَا للفنّ ولم يُخلصا للسّائد من الآراء وأساليب القول (…)
والطّريف أنّ لطيّف شنهي سعى إلى لفت نظر المُهتمّين بتاريخ الأدب وبالأدب المقارن إلى أنّ الرّومنطيقيّين العرب مثل “إلياس أبي شبكة” و”علي محمود طه” لم يكونوا في أشعارهم مَشدوهين بالرّومنطيقيّة فحسب، بل كانوا أيضا مبهورين ببودلير من ناحية صياغته الغريبة للصّور الشّعريّة من نحو عشقه للجمع بين المُتناقضات والتّصوير الغريب. وقد كان السيّاب الأنموذج العربيّ في النّصف الأوّل من القرن العشرين العاشق لبودلير الذي أهدى إليه بعض أشعاره كما جاء في مجموعته “المعبد الغريق” وعَنْوَن إحدى قصائده بـ”الشّاعر الرّجيم”. والمُطّلع على الكثير من أشعار السّيّاب في “أنشودة المطر” من نحو “غارسيا لوركا” و”النّهر والموت” يَتبَيّن مدى تأثّر الشّاعر العراقيّ بالشّاعر الفرنسيّ من جهة التّعامل مع المرأة وجسدها، ومن ناحية معاناة كليهما عديد الأزمات الوجوديّة.
وبهذا ذهب الباحث مذهبا طريفا في تنزيل شعر السّيّاب في مجال من التّفاعل لا يقتصر على “إليوت”، بل شمل أيضا شعر شارل بودلير”.