سيف الرحبي يكتبُ يمامةَ وادٍ في عُمان
حروبٌ تلدها أرحام أمهاتٍ ثكالى/ وقضبان آباء مكسورين/ لأجل الغد والمستقبل/ حروب الذاكرة التي تفترس الأحشاء

يمامةُ وادٍ في عُمان
1– هذيان الأشباح
صباح آخر يطل برأسه الأشعث
من صباحات مجزرة العالم
لا أخبار تطفح على سطح مستنقعاته
إلا أخبارُ الحروب
حروبٌ راهنة يشتد أُوارها
حروب التاريخ التي لا تستطيع إحصاءها حتى آلهة الحرب والأرقام
وتلك المتخيَّلة لشعوب عزلاءَ تكدس الأسلحة والأحقاد، مترنحةً وسط العراء الفاجر والحطام.
حروبٌ تلدها أرحام أمهاتٍ ثكالى
وقضبان آباء مكسورين
لأجل الغد والمستقبل
حروب الذاكرة التي تفترس الأحشاء
حتى الجبال لها حروبها الخفية
والبحار
ولا ننسى حروبَ الفيروسات الضروس التي تفتك بالجميع
حروبٌ .. حروب لن تنتهي إلا بالنهاية القريبة للإنسان
وقرينه الأكثر قِدَمًا، الحيوان.
من تنبأ بذلك؟ (ميشيل فوكو) الفيلسوف أو (إيلون ماسك) ملك المال والسوشيال ميديا.
ربما تفسح المجال لجنس أقل شراسة وانحطاطا
وربما المقبرة الأخيرة للأكوان.
***
2– يمامةُ وادٍ في عُمان
تعودين بداية كل شتاء
(رغم أن الحرارة ما زالت معتمة
في الجو والنفوس)
يا يمامةَ الوادي
وادي (غلا) المجاور
وادي مستل
أو وادي بني خالد
الذي لا تفارقه المياه.
بشدْوِكِ المنقذ من الهلاك
في القِدَم في ناحية ما من هذه الفيافي البرية التي أضحت كُتلَ إسمنت لعمران مسلَّح
فوق التلال والهضاب
في ناحية ما كان يمتد سيح (الغلّان)
بغابةِ الحَلْفاء تتخللها أشجار الأكاسيا المأهولة بأخيلة العابرين وأسراب اليمام
لعلك الرسولة الأخيرة لتلك الحقب العابرة
منذ طوفان نوح
تُذكّرين الأحياء بشدو الروح المنقرض
وتنثرين الورد على أضرحة الراحلين
في برية العدم والجفاف..
***
3- غربان الماضي
أين تلك الغربان التي كانت تضيء الآفاق بالطيران والنعيق
أين تلك الجحافل السوداء الأكثر صفاءً من بياض الثلج، تُزَنِّرُ السواحل من صحار وأبعد حتى عقبة (ريام) و(فرضة) مسقط قريبا من منارة الأزل، نجمة الأفق التي ترشد السفن العابرة إلى مساراتها نحو مدن العالم.
هذه اللحظة من صباحٍ كئيب، أرى غرابا وحيدا على شاطئٍ مهجورٍ حتى من الشناجب.
لقد انقرضت السلالات النبيلة التي لا تنسى المهانة والإيذاء، الغربان رفيقة طفولاتنا لأجيال متعاقبة ولم يتبقَ عدا طيف رفيفها في قَفر الفضاء واليباب، وفي أحلامِ الصِّبْية الذين لم يروها إلا على الشاشات الإلكترونية الجامحة المهيمنة كبديل عن وقائع الحيوات البرية والبشر والتاريخ.
اقرأ أيضا في قنّاص:
قراءة في أسئلة سيف الرحبي الشعرية الحادة | ميسون شقير
ملامح في الشعر العربي: سيف الرحبي | إسماعيل السالمي
الشاعر العُماني سيف الرحبي؛ أسَّسَ مجلة نزوى الثقافية الصادرة عن وزارة الاعلام العُمانية، ورأس تحريرها لأكثر من ربع قرن. أصدر عشرات الكتب والمجموعات الشعرية على مدار نصف قرن من الابداع الأدبي.














يحوّل سيفُ الرحبي الحروبَ والخرابَ إلى رؤيا شعرية كثيفة، حيث تتداخل اليمامة والأشباح والغربان في سردٍ كونيّ يوقظ الذاكرة ويستدعي روح الإنسان.. قصائده تنبض بالحياة.