أطفال غزة جائعون حتى آخر رمق | عبده وازن
حتى أرواحهم قصفها الجوع/ قلوبهم سحقتها حجارة يهوى/ إذا ماتوا سيصعدون ببقايا اجسامهم / وأنفسهم الزكية

أطفال غزة جائعون
أطفال غزة يرفعون
الطناجر الصغيرة
من وراء السياج
لا يطرقونها كما في الحكاية
عندما ينخسف القمر
ويبتلعه الحوت.
**
يرفعونها كما يرفعون أعلام بلادهم
في الأعياد الوطنية
عيونهم على الدسوت الكبيرة
الملأى بالأرزّ أو البرغل المسلوق
جائعين حتى آخر رمق
حتى آخر ملعقة لم تدخل فمهم.
**
أطفال غزة
اضلاعهم النافرة
أخطاء لا محل لها من الإعراب
أحجيات مقعدة لا يمكن حلها
رموز عالم يفقد ذريعة وجوده
ما دامت مرت بهم نهارات وليال
وما ابتلعوا كسرة خبز
ولا ذاقوا لقمة
ولا شربوا كوب حليب ولو آسناً.
**
الجائعون الجوعى المجوّعون
أشباح بثياب رثة
بقايا عظام لا تكفي ليكونوا
فتياناً وفتيات
قاماتٍ بخفة حفنة رمل
**
إنهم كبروا فجأة
خارج ما تسنى لهم من عمر
خارج الأيام التي فاتهم أن يعدّوها
أصبحوا عجائز في أوج يفاعهم
شاخوا تحت شمس جوعهم
أفواههم ضربها جفاف
حلوقهم تشنجت من شدة الغصص
أسنانهم تزداد بياضاً ضد القدر
وشفاههم يبست مثل قشرة جوز
أمعاءهم قلصها تخثر الفراغ
الماء لم يعد يُحيي.
**
إنهم الجائعون
رغماً عن حكمة الإله
وعدالة الأرض
وحقوق البشر الذين ليسوا هم
**
الجائعون الذين يُجوّعون
الجائعون الذين يتضورون قهراً
صامتين يقفون
كما في جنازة طويلة
يحملون الطناجر الصغيرة
وجوههم المبقورة ما عادت تدمع لها عين
أنظارهم لا يكسفها سهو خوائهم
عبث انتظارهم لن تكسره سنبلة.
**
حتى أرواحهم قصفها الجوع
قلوبهم سحقتها حجارة يهوى
إذا ماتوا سيصعدون ببقايا اجسامهم
وأنفسهم الزكية.
**
ماذا يفعل أطفال غزة الجائعون
ماذا يقول أطفال غزة الجائعون
ماذا ينتظر أطفال غزة الجائعون
السراب اللامع بعيداً من نظراتهم
ليس وَهْم خبز
ولا وهم فاكهة
ولا وهم ينبوع
السراب أمامهم وهمُ عالمٍ ليس عالماً
وهمُ حياة لم تكن حياة
وهمُ موت لم يكن ليأتي
وهمُ سماء غادرت منذ أزل.
الشاعر اللبناني عبده وازن













