الأقلام الموهوبة قادرة على الإضافة والتأثير
يدافع الروائي السوري محمد شويحنة عن جوهر وكينونة شخصيات روايتيه “طوق الاحلام” و”ورد الليل”، ويرى فيهما أنَّ حلب؛ وهي مدينته، مركز ثقل الكون أمام لا معقولية ما جرى لهذه المدينة من دمار وتخريب في الحرب السورية الدائرة فيها منذ عام 2011، والتي ضربت المنظومات الأخلاقية والثيولوجية عند الناس.
ضيفنا، المولود في مدينة حلب سنة 1955، تعتبر هذه المدينة- بتفاصيلها- هاجسه الأول ومنبت انطلاق مساره الإبداعي. حول هذه المحاور وغيرها من هواجس الكتابةِ، هنا حوار معه:
هاجس النقد
– توزَّعت كتاباتُك بين النقد والقصة القصيرة والرواية، كيف توآلف بين صدامين؛ صدام الناقد مع النص، وصدام الرواية مع القارئ. وأنت الروائي والناقد في الآنِ معاً؟
عندما يمضي النص في مساراته الصحيحة لن يكون ثمة صدام، وهذا لا يكون إلا من خلال الصدق الفني والقدرة على شد القارئ، هاجس النقد قد يكون ذا أثر سلبي على النص ولكن ليس دائما، إن معرفة بسيطة في النقد من شأنها أن تحسن حظوظ النص في النجاح، شرط عدم الافتعال وتفصيل النص على قد النقد.
– في روايتك “طوق الأحلام” يحيى عبد الرحيم المُعاق لمَّا يتحرَّك في شوارع سكنه بحلب- وحلب يبدو أنها مبتغاك، تتركنا مع حركة جمالية في أمكنة يجري فيها الزمن كاستجابة عقلية لأحلام بطلها العاجز يحيى؟
هذا الانسجام نابع من حب البطل لمحيطه ومحاولاته عبر هذا الحب كسر الطوق ومقاومة الكبح الاجتماعي والخروج إلى حياة أرحب.
– هو عاجز، ولكنه عاتي القوة والشكيمة يحرص على الانتصار لأفكاره، ولا تعارض، أو لا توتر لديه بين الوجود والصيرورة؟
هذا صحيح فهو في الرواية يبدو كما لو أنه منذور لمقاومة واقع التخلف والركود الاجتماعي، بدعوى أن الإرادة تتغلب رغم الإعاقة، لكن الواقع كان أقسى من أن يتطامن أمام طموحات يحيى ورغبته في الحياة.
– كذلك باقي شخصيات الرواية مثل العمَّة والشيخ السفراني والشيخ صبري الذي جنّْ. فهي تنشر أو تؤكد أخلاق القوة في عالم صار فيه الإنسان سجين العدم ومن دون هدف.
الواقع نفسه مهما صعب لن يخلو من مثل هاتيك الشخصيات، إرادة الحياة أقوى من أي كبح، لكن هذا لا يعني أن الإرادة تنتصر دائماً..
إرادة الحياة أقوى
– في روايتك “ورد الليل” سنرى في إشارات حلب كمكان جيوسياسي تنشط فيه القوى السياسية في المقاهي والمساجد. فيما شخصيتها المركزية معلم الابتدائي مطيع العبادي الذي هو من سلالة إمام كبير وشيخ طريقة يقبع في زنزانة كسجين سياسي. السجن ثمن الرأي؟
مطيع كان الطرف الخاسر في أتون هذا الصراع، ومجمل محاولاته للخروج إلى سطح الحياة، إلى الحرية باءت بالفشل، إذ لا بد من ضحية، لكن المأساة أن الطرف الرابح كان يعيش وهماً فالنتيجة أن الوطن كان الخاسر الأكبر.
– على الطرف المقابل يدخل أبو مطيع السجن بسبب المخدرات؛ تجمع السياسي مع الجنائي، ما الذي تريد قوله؟
نموذج لرب عائلة منحرف، ليس بالضرورة أن يكون في الرواية عنواناً لفكرة، وإلا أصبحنا أما رموز ومعادلات، ثم أن الجد والجد لم يكونا كذلك، فماذا يعني ذلك؟ في حالة مطيع نحن أمام كائن مأزوم يعيش إحساساً فظيعاً بالنقص، ألم يكونوا ينادونه بابن الحشاش؟ فجنوحه إلى السياسة عبر اليسار واليمين كان ضرورة ومنفذ نجاة كما توهم وأراد، لكن هيهات!.
– مطيع العبادي كان عليه أن يطيع؛ أو. وهو بعكس يحيى عبد الرحيم في “طوق الأحلام”. يحيى يتحلَّى بالصبر والشجاعة فيما مطيع انهزامي، بل تكشف عن (عنانته) إذ لم يستطع الزواج من امرأة، بدا عاجزاً فتطلب منه الطلاق، فيرد عليها بأن يأخذها إلى أحد المشايخ فيقوم بضربها لإخراج الشيطان منها فتُصاب بالجنون ويطلقها. أهي عَنَانة الفكر؛ فكر مرحلة من تاريخ حلب لم تنجب فيها مَنْ يفض بكارة الخوف والجهل والتخلف؟
قد يختلف البطلان يحيى ومطيع ويمضيان في مسارين مختلفين، لكن النهاية واحدة بدعوى أن الواقع هو هو في الحالتين، مطيع يمضي بقدميه نحو الخيبة، ويحيى يعيش التفاؤل والفرح رغم إعاقته، لكنه يصطدم بالخيبة وتكون النهاية.
البطولة بمقاس قزم
– مطيع، وبتحريضٍ من عمر الذي تعرَّف عليه في مقهى المثقفين اليساريين يدفعه إلى ممارسة النضال، لكنه يسرق منه امرأة كان مطيع قد تعرَّف عليها ويتزوجها عمر فيُصاب بالإحباط واليأس، الأمر الذي يدفعه للانخراط في تنظيم للجماعة، وهنا يسعى ليتسلَّم زعامته لكنَّ الزعامة تذهب إلى ابن الشيخ جابر، فينكسر مطيع وينطوي على نفسه. أين البطولة؟
عمر لم يسرق المرأة من مطيع، إنها بالأساس خطيبة عمر، تعرف إليها في بيته.. وهذه إحدى أكبر الخيبات التي عاشها مطيع، يضاف إلى ذلك إخفاقه في أن يكون ذا شأن في حلقات الصوفية والأذكار، لذلك نراه في النهاية يصنع أحلامه على هواه في فضاء الزنزانة محاولاً وسط جميع انكساراته وإخفاقاته أن يجد نقطة ارتكاز وتوازن.
– خوار سياسي، خوار اجتماعي- عنانة؛ ومطيع يُركل ويُداس بالأقدام في زنزانة، ثم يُرمى به بعد سحله في (جوف) كما القبر. هل ترثي مرحلة تاريخية لا أبطال فيها؟
هنا البطولة بمقاس قزم، الشكل المتاح في المرحلة، لقد عشنا زمناً مع (البطل الإيجابي) في عدد لا بأس به في السردية العربية المعاصرة، لكن ذلك كان درساً مملاً في التفاؤل ليس إلا، وباستمرار كان واقع الحال يكذبه، مطيع العبادي كان الأكثر مصداقية وتعبيراً عن المرحلة، التي نبصر نتائجها الخطيرة الآن.
– كيف تنظر إلى واقع الرواية في سوريا؟
زخم في الكتابة الروائية وكثرة على حساب النوع، هذا سببه الاستسهال وعدم المتابعة وضحالة المعرفة، ينجو من ذلك الخضم بعض الأقلام الموهوبة القادرة على الإضافة والتأثير.
– هل من عمل جديد لك، يصدر قريباً؟
– هناك مجموعتان قصصيتان وكتاب في النقد القصصي ورواية قيد الإنجاز، بانتظار الفرصة المناسبة للنشر.
عماد الدين موسى؛ شاعر كُردي سوري، مدير تحرير مجلة “قنآص”.
حوار متميز مع كاتب بصير رأى وعبر عن رؤيته غير المهادنة.