القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية بين التجريب والسرد التقليدي
لا شك أن الجائزة العالمية للرواية العربية قد تمكنت خلال السنوات الماضية من خلق نوع من الحركة في الوسط الأدبي العربي، ودفعت الاهتمام بالرواية العربية إلى حدود لم تكن تعرفها، لأسباب عديدة، وبالرغم من المآخذ والملاحظات السنوية على لجان التحكيم والترشيحات، لا يزال البريق يحيط بالجائزة والكتب التي تصل للقائمتين الطويلة والقصيرة، وتسهم الجائزة في التعريف بالروايات على نطاق عربي وإقليمي واسع، إضافة إلى التعريف بالكتاب الفائزين وترجمة أعمالهم بشكل لافت.
وبين الظواهر التي أثارتها الجائزة خلال السنوات القليلة الماضية ظهور قوائم ترشيحات شعبية يقوم بها القراء وينشرونها على وسائل التواصل الاجتماعي، بوصفها الأعمال الأدبية التي يرون من خلال قراءاتهم لها أنها تضمنت ما يؤهلها للوصول إلى قوائم الترشيح في الجائزة، يستبقون بها الإعلان الرسمي للقوائم من موقع الجائزة نفسه.
ولعل القائمة الطويلة لهذا العام لن تختلف كثيرا عن دورات سابقة في إطلاق ألوان من الاستحسان أو التذمر، وفق قراءات القراء وتوقعاتهم، إلا أنه يمكن القول أن الاستحسان ربما كان له صوت أعلى في هذه الدورة لوجود بعض الأعمال الأدبية التي أجمع عليها القراءة من جهة، وحازت على قبول نقدي أيضا.
ويبدو أنه كلما ارتفعت حظوظ توافق انطباعات وتوقعات القراء مع القائمة كلما قل التوجه نحو الخطابات النقدية القومية التي تحاول أن تسبغ على خارطة القائمة الفائزة لونا من التحيزات القطرية لهذا البلد أو ذاك.
أعلنت الجائزة في دورتها الراهنة، بعد تأخر استمر لنحو يومين عن الموعد المحدد لإعلان القائمة الطويلة في السادس والعشرين من يناير بدلا من يوم 24، وهو ما اغتنمه البعض فرصة لإشاعة أن ثمة خلافات بين لجنة التحكيم حول الترشيحات، لكن لم يصدر من الجائزة رسميا أية توضيحات.
تضمنت قائمة المرشحين لهذا العام أسماء سبق ترشيحها من قبل الجائزة الدولية للرواية العربية، وهم عز الدين شكري فشير (المدرج في القائمة الطويلة في عام 2009 عن رواية “غرفة العناية المركّزة” وللقائمة القصيرة عام 2012 عن رواية “عناق عند جسر بروكلين”)، وحجي جابر (المرشح للقائمة الطويلة عام 2017 عن رواية “رغوة سوداء”). كما ظهر ضمن قائمة 2022، كاتبان شاركا في ندوة الجائزة سابقا (ورشة للكتابة الإبداعية) وهما طارق إمام وريم الكمالي.
وقد مثل المرشحون 9 دول عربية، سيأتي بيانها مع أسماء المرشحين، فمن مصر وصلت أربع روايات هي ماكيت القاهرة لطارق إمام (منشورات المتوسط)، وأم ميمي لبلال فضل (دار المدى)، وهمس العقرب لمحمد توفيق (دار العين) وحكاية فرح لعز الدين شكري فشير (دار الشروق)، ومن سوريا ثلاث روايات هي المئذنة البيضاء ليعرب العيسى (منشورات المتوسط)، وأين اسمي لديمة الشكر(دار الآداب)، والبحث عن عازار لنزار آغري(الكتب خان)، ومن الجزائر زنقة الطليان لبومدين بلكبير (منشورات ضفاف)، والهنغاري لرشدي رشدان (دار العين) ومن الكويت وصلت روايتان هما خادمات المقام لمنى الشمري (دار الساقي)، والخط الأبيض من الليل لخالد النصر الله (دار الساقي)، ومن سلطنة عمان وصلت رواية دلشاد للكاتبة بشرى خلفان (منشورات تكوين)، ومن اريتريا رامبو الحبشي (منشورات تكوين). ثم رواية أسير البرتغاليين لمحسن الوكيلي من المغرب (دار ميم) ، يوميات روز لريم الكمالي من الإمارات (دار الآداب)، ومن ليبيا خبز على طاولة الخال ميلاد لمحمد النعاس (دار الرشم) .
في إطار تعليقه على القائمة الطويلة، قال شكري المبخوت، رئيس لجنة التحكيم: “هذه القائمة الطويلة تقدّم إلى القارئ والمتابع للرواية العربيّة مأدبة أدبيّة دسمة متنوّعة ثريّة تمثّل نماذج مختلفة من اجتهادات الروائيّين العرب في السنة المنقضية وقد تميّزت بالتنوّع والطرافة وروح الابتكار والجهدين المعرفيّ والجماليّ، سواء سعى أصحابها إلى إحكام الحبكات الروائيّة والتفنّن في بنائها أو إلى تهشيمها وتشتيتها في نزعة تجريبيّة بيّنة”.
كما تتنوّع موضوعات روايات القائمة الطويلة لهذه الدورة، معبرة عن انغماس الرواية العربية المعاصرة في بيئتها من وجهة نظر نقدية، تحاول من خلالها كشف بعض خبايا هذه البيئة، وفق ما أعلنه أمين عام الجائزة، أو الغوص في إشكاليات العلاقة التي تربط الذات العربية، بكل تنغيماتها، مع الآخر. يوازي هذه التنوّع في الموضوعات تنوعاً في البنيات، يعكس بعضها حالة التهشيم والتهميش التي يستشعرها الإنسان العربي في بيئته المحليّة، أو في موقعه في العالم”.
مشروعات سردية متنوعة:
تكشف الروايات عن اهتمامات متنوعة من حيث القضايا التي تناولتها، بينما سنترك للنقاد الحكم على التقنيات والتجارب السردية، وللجنة التحكيم أيضاً ما تراه خصوصاً خلال الجولة اللاحقة التي سيتم خلالها تصفية هذه الأعمال إلى ست أعمال تصل للقائمة القصيرة.
ومن المؤكد أيضا أن ثمة نوع من التجريب وتوسل أدوات سردية مختلفة تماماً عن الشائع كما في رواية ماكيت القاهرة لطارق إمام، التي تدور وقائعها بين الواقع والفانتازيا، انطلاقا من القاهرة القاهرة 2045. يعلن “جاليري شغل كايرو”، المؤسسة الفنية المستقلة لفنون الهامش، عن منحة لتشييد ماكيت مصغر للمدينة قبل ربع قرن، “قاهرة 2020″، والتي أصبحت الآن ”العاصمة السابقة لمصر”. انطلاقاً من هذا الحدث، تؤرخ الرواية للقاهرة بأربعة أزمنة: 2045 ،2020 ،2011، وزمن غير محدد في مستقبل بعيد. في كل زمن تنهض شخصية تعمل بالفن المستقل.
almutawassit.it
ثمة أيضاً نفس ملحمي يمزج التاريخ بالنسيج الاجتماعي والثقافي للمجتمع كما في دلشاد لبشرى خلفان، إذ تنقسم رواية “دلشاد” إلى ثلاثة فصول، يحمل كل فصل عنوان حارة من حارات مسقط، في النصف الأول من القرن العشرين. الشخصية الرئيسية “دلشاد”، الفتى المسقطي، مجهول النسب، الذي يكبر في حارة من حارات “البلوش”، متأثراً بثقافتهم ومن جاورهم من العرب.
takweenkw.com
أو في تتبع أثر الموروث الثقافي والصراع بين الخرافة والعقل كما في خادمات المقام لمنى الشمري، حيث تدور الوقائع في الخمسينيات في جزيرة فيلكا وتركز الضوء على ثلاث سيدات يقمن على خدمة مقام الخضر الذي شاعت شهرته تلك الفترة في أجواء أسطورية.
سوف نجد أيضا لونا من إعادة تأمل فكرة الرقيب أو الأخ الأكبر كما في رواية الخط الأبيض من الليل لخالد نصر الله، التي تقدم فكرة الرقابة على الفكر في أجواء تجمع بين الفانتازيا والديستوبيا، من خلال شخصية مدمن قراءة يتحول إلى موظف في جهة رقابية.
أو إعادة تأمل التاريخ ومحاولة سد ثغراته كما في رامبو الحبشي، حيث يختلق الكاتب رسائل ويوميات عشيقة من هراري عاشت مع الشاعر آرثر رامبو سنواته الأخيرة هناك، لكنه لم يذكرها في مدوناته البتة. والنص السردي يقدم نوع من المعارضة السردية لسيرة رامبو من خلال تناول المسكوت عنه في سيرة رامبو.
takweenkw.com
وهناك روايات تأخذ من السرد المتتابع كتقنية بينما تتنوع موضوعاتها فنجد مثلا أن رواية أم ميمي لبلال فضل تدور وقائعها في القاهرة وتلقي الضوء على العالم السفلي للمدينة، من خلال شاب يترك مدينته الإسكندرية ويذهب إلى القاهرة لتحقيق حلمه في النجومية والشهرة فيلتقي نماذج من قاع المجتمع.
بينما رواية حكاية فرح لعز الدين شكري فشير تدور أحداثها حول شخصية فرح التي تستيقظ من نومها لتبدأ يومًا فاصلًا في حياتها. ستدمر البيت الذي قضت فيه طفولتها، وتترك الرجل الوحيد الذي أحبته بكل جوارحها، وتودع أمها في دار المسنين ثم تُلغي زفاف ابنتها بالقوة.
وتدور رواية همس العقرب لمحمد توفيق في أجواء واقعية وتاريخية فهي مستوحاة من رحلة صحراوية قام بها أحمد حسنين (الذي صار لاحقاً رئيساً للديوان الملكي المصري) والمستكشفة البريطانية روزيتا فوربز عام 1920 إلى واحة الكفرة. يلتقي حسين باشا وروز في حفل خاص يقيمه الملك فاروق في قصر المنتزه في مايو 1938، ويتبادلان ذكريات الرحلة التي قاما بها عام 1920.
facebook.com/elainpublishing
وتأتي السيرة المرتبطة بالتوثيق طابعا لرواية يوميات روز للكاتبة ريم الكمالي حيث تدور أحداثها في ستينيات القرن الماضي في منطقة الشندغة أعرق وأقدم منطقة سكنية في دبي، وقبل قيام دولة الاتحاد، عن فتاة تدعى روز تُحرم من البعثة الدراسية إلى دمشق لدراسة الأدب العربي مع زميلاتها المنتهيات من الثانوية بسبب وفاة والدتها ورفض عمها السفر. ولأنها قارئة محترفة ولديها ملكة الكتابة، تصب غضبها في يومياتها السرية، وتحول كل ما حولها من أحداث تاريخية واجتماعية وتقاليد قديمة إلى حكايات وأفكار وفلسفة وأسئلة.
رواية “زنقة الطليان” للكاتب بومدين بلكبير، تدور وقائعها حي في مدينة عنّابة، الجزائر. يسكنه بشر فقراء ومهمشون، من بينهم جلال الصحفي المغامر الذي يتحدى رئيس البلدية الذي اتخذ قراراً بهدم الحي، الذي كان يعني تاريخ المكان وتاريخ الناس، وتتناول الرواية تفاصيل هذا الصدام بين السلطة وأهل الحي.
facebook.com/editionsdifaf
أما أحداث رواية خبز على طاولة الخال ميلاد للكاتب الليبي محمد النعاس تدور في مجتمع القرية المنغلق، وفيها يبحث ميلاد عن تعريف الرجولة المثالي حسبما يراها مجتمعه، لكنه يفشل طوال مسار حياته في أن يكون رجلاً بعد محاولات عديدة، فيقرر أن يكون نفسه وأن ينسى هذا التعريف بعد أن يتعرف على حبيبته وزوجته المستقبلية.
رواية الهنغاري لرشدي رضوان تجري أحداثها في فترة معقدة من التاريخ البشري الحديث في سنوات الحرب العالمية الثانية، حيث تتقاطع أقدار رجلين من بيئتين مختلفتين، الأول عازف بيانو من بلدة داخلية في هنغاريا اسمه جينو ماتتيوش، والثاني من بلدة داخلية في الجزائر، هارب من التجنيد الاستعماري الإجباري وعازف ناي اسمه مسعود. يجد الرجلان نفسيهما متورطين في حرب لا تعنيهما وعلى أرض بعيدة في الشمال الفرنسي.
daralsaqi.com
في رواية “البحث عن عازار” لنزار آغري يستعيد عيد ذكرياته من زمن الصبا وبداية الشباب مع صديقه الحميم عازار الذي غادر القامشلي فجأة مع عائلته اليهوديّة. فيحكي الراوي مراحل تكوّن هذه الصداقة الاستثنائيّ، وما تتضمنه من تفاصيل مجتمع يؤوي أكثر من طائفة في ظروف خاصة وتاريخية.
kotobkhan.com/ar
وتتناول رواية “المئذنة البيضاء” ليعرب العيسى العلاقات المعقّدة بين السلطة والفساد بمختلف وجوهه، من خلال قصة “مايك” الشاب السوري الذي يطمح إلى القوة والنفوذ، فيبيع روحه للشر، ثم يريد أن يستعيدها ليصنع نهاية أسطوريّة لنفسه.
almutawassit.it
رواية أين اسمي لديمة الشكر تعود للتاريخ أيضاً إذ تدور وقائعها في اللقرن التاسع عشر. حيث تعمل قمّور، الشابّة السورية، خادمة في منزل القنصل البريطاني، ريتشارد فرنسيس بورتون، مترجم ألف ليلة وليلة إلى الإنجليزية. وتبدأ الحكاية حين تسافر قمور مع ريتشارد وزوجته إيزابيل فتقيم في لندن وتريسته. إذ يسمح هذا السفر لقمَور بأن تكتشف صورتها في مهمّتين جديدتين: النسخ والتدوين. المهمة الثانية لا تخلو من التباس يجتمع فيها جرحان: جرح قمّور الشخصي وجرح مدينتها دمشق التي شهدت مذبحة طائفيّة عام 1860.
daraladab.net
رواية أسير البرتغاليين، “حكاية الناجي” للروائي المغربي محسن الوكيلي تستدعي لحظة تاريخية ترتبط بالوجود البرتغالي على السواحل المغربية في القرن السادس عشر، بطلها هو حماد المسمى “الناجي” الذي يقع أسيرا لدى البرتغاليين. ويعدّ ” الناجي عواد” الشخصيّة الأساسية والفاعلة في تغيير وجهة المسار السردي وتنويعه، الناجي هو حماد أكناو من بلاد فاس، وهو الناجي الوحيد من شفرة سكين إبراهيم والده، حين أقدم بدم بارد على ذبح أبنائه الستة، ودفنهم في قبو المنزل. كان ذلك أيام وباء الطاعون الذي أصاب فاس.
darmeem.com
خاص مجلة قنآص
إبراهيم فرغلي؛ كاتب صحفي وروائي مصري مقيم في الكويت