لا يتوانى حسن متِّى في مجمل أعماله الروائية، القصيرة والطويلة، على حَدٍّ سواء، في البحث عن الذات الإلهية، ولكن بطريقةٍ هي أقرب ما تكون إلى الصوفية، الصوفية غير المعتادة التي تتيَّم بالخالق، بل تلك التي تتيَّم بالوجدان البشري النقي، وهذا حاله في كامل رواياته، وحتَّى قصصه القصيرة، يكاد يخال للمرء بأنه يتعمَّد فعل ذلك، لإصابة مواضع طرح وسرد غير مطروقة البتَّة في الأدب الكردي، ولا سيما في الرواية على وجه الخصوص، فقد رأينا المتصوفة في رواية الطوفان، أو القيامة، وعثرنا أيضاً على المتصوفين في قصصه القصيرة، بالإضافة غلى عوالمه الغرائبيَّة التي تكاد تخلو منها الرواية الكردية بشكلٍ عام منذ بداية تطورها، وحتَّى وقتنا الرَّاهن، حيث أن متِّى أخرج الرواية الكردية من قائمة الحَكايا الخاصة بالظلم والاضطهاد الذي عاناه الشعب الكردي، وانتقل بها إلى بئرٍ لا قاع له من الحكايات الغرائبيَّة المستندة إلى الإلهيات.
الحبكة-الحبكات:
بهرام، بطل العمل الروائي الذي اختارَ له حسن متَّى عنواناً لافتاً، وهي « الكلمات الآثمة »، ليحيلنا العنوان مرَّة أخرى إلى الجانب الإلهي في مجمل كتاباته وأعماله الروائيَّة، بهرام الذي يبتغي دراسة الإلهيات في مكانٍ ما يكاد أن يكون من الأماكن المقدَّسة السحريَّة التي لا واقع لها، أو بمعنى آخر، تلك الأماكن التي لا يمكن العثور عليها في الواقع، وإنَّما في الأعمال الروائيَّة التي يكتبها ويخلقها حسن متَّى.
يخرج بهرام في رواية الكلمات الآثمة من مدينته لينطلق إلى قريةٍ يدرس فيها علم الإلهيات، وهي قرية الـ E حيث يتعرَّف في المسجد إلى لولو خان، الذي يفتح باب الحكاية على مصراعيه، ليُدخل القارئ إلى عالمٍ آخر لا موازيَ له إلا في الحكايات التي ترويها الجدَّات، ومن ثم الدخول من حكايةٍ إلى حكايةٍ أخرى، ليخال للمرء بأنَّه داخل أساطيرٍ متعددة، وليس مجرد رواية واحدة فقط.
فمن حكاية مَكروس أفندي، والد كَشتينا خانم زوجة لولو خان، التي تتحدَّث وتدلُّ على قداسة الرجل وكراماته العديدة، إلى غياب بهرام البطل في عالمٍ آخر، وهو يسيرُ وراء الفتاة ناغِينا ابنة لولو خان التي يتيَّم بها بهرام، ويرتكب بسببها الآثام، ويشعر بنفسه مخطئاً ويتفوَّه بكلماتٍ آثمة طيلة العمل.
حكاية الأفعى التي خرجت من البئر التي حفرها مَكروس أفندي في باحة منزله الريفي، تعيد إلى الأذهان قداسة الأفعى لدى الكرد، أو على الأقلّ في التراث الكردي، فحين يحفر مَكروس أفندي البئر بمساعدة أشخاصٍ لا مرئيين، أو على الأقلّ غير معروفين بالنسبة لابنة مَكروس كَشتينا خانم، يعثر أثناء نقله التراب من الأسفل إلى أعلى البئر، وفي داخل حفرة على مجموعة من المجوهرات الذهبيَّة، ورغم أنَّه يمنح لمن ساعده في الحفر حصصهم، إلَا أنَّهم يحاولون غدره وتسميم اللبن المقدَّم لهم فطوراً لقاء تعبهم وجهدهم في حفر البئر، فالإنسان وبحسب رواية الكلمات الآثمة خلق للاحتيالِ والمَكر، ولكنَّ الأفعى الوسيمة، تخرج لتساعد مَكروس أفندي الذي منعهم عن قتلها وتسانده ضدَّ غدر البشر لبعضهم البعض، بحيث يسخِّر الإله تلك الأفعى وتضع رأسها في اللبن المسموم، لترتشف منه رشفتين ومن ثم تتقيَّأ داخل علبة اللبن مانعةً بذلك مكروس وغيره من تناول اللبن المسموم الذي لا يعرف بأمره مكروس أفندي، هذه كلها حبكة لها رموزها التراثية القديمة لدى الكرد، لتغدو تلك الأفعى بعد وفاة أو بالأحرى وبشكلٍ أوضح غياب مكروس أفندي أفعى المنزل، لأن تلك الأفعى غدت وكأنها من أفراد العائلة وتقطن المنزل دون أن تؤذي أحداً، طالما لا يوجد من يؤذيها أو يتسبَّب لها بمكروه.
تكاد تكون أجواء رواية الكلمات الآثمة أقرب إلى الصوفية، كما اسلفنا، ولكن تأخذ الصوفية منحىً آخر مختلف، وهو رمزيَّة الأفعى لدى الكرد، ربما هذا عائد إلى ملحمة شاه ماران الكردية المعروفة، حيث لا يجب قتل الأفاعي، لأنَّها ستجلب الخوف، وستجلب الدمار حين قتلها، فعلى الرغم من أن بهرام يفسِّر العداوة بين الرب وبين الأفعى، إلا أن كَشتينا خانم زوجة الرجل العارف بالله لولو خانم وابنة مكروس أفندي، تسرد لبهرام قصة أبيها، ولي الله، مَكروس أفندي، حكاية داخل حكاية، أو ربما الأفضل القول، رواية داخل رواية، ولي الله الذي كان يمتلك حياةً خاصة، وينظر إلى النار على أن تكون مشتعلةً على الدوام وألَا تنطفئ، عاش في قريةٍ جبليَّة بعيدة، لا يخالط الناس، ولا يريد لأحدٍ أن يخالطه، وكيف لوليٍّ أن يخالط البشر الآثمين؟!
لتنتقل الحكاية في الكلمات الآثمة إلى أفقٍ أوسع، إلى عالمٍ خيالي، عالم بهرام ومحاولاته الحثيثة لتطهير ذاته الآثمة جرَّاء نظره إلى وهيامه ببدن وروح ناغِينا الطَّاهرة، بحيث يرى بهرام الأمر على إنه إثمٌ عظيم.
لكن، كل ما تم ذكره أعلاه، هي أشياء خارقة للطبيعة، فمن حكاية بهرام المحبّ والمتيَّم إلى تعرُّفه على قصص الإبادة الجماعية والحروب، وكل تلك الحكايات التي تحدث تدريجياً تفعل تأثيرها في تغيير سلوكه ومعتقداته من مكانٍ إلى آخر، لتصل الأحداث في نهاية رواية الكلمات الآثمة إلى الخلط في المعرفة بين مَن هو الله، الخير، وبين مَن هو الشيطان، الشرّ؟ هذه الثنائية التي ملأت الأساطير والملاحم طوال تاريخ البشريَّة.
إذاً، العمل الروائي، هو عملٌ متخيَّل، ولكن بإسقاطاتٍ واقعيَّة أكثر من الواقع نفسه، فالبشر ومنذ بدء الخليقة يبحثون عن ماهية الشر والخير، عن ماهيَّة الله والشيطان كعنصرين متصارعين منذُ عهودٍ غائرةٍ في القِدَم، لدرجة أن لم تتمكَّن الفلسفة وعلوم اللاهوت أو علوم الأديان، معرفة أو استشراف من هو المنتصر، أو ماذا سيكون عليه الحال بعد أن ينتهي الصراعُ بين الطرفين أو القطبين الأساسيَّين في قصة التكوين والخلق. رواية الكلمات الآثمة تنطوي على أسئلةٍ وجودية مغلقة، بحيث يصل القارئ إلى اللا نتيجة، لأنه لا يمكن النظر إلى هذا العمل الروائي على إنَّه يقدِّم أو يحاول أن يقدِّم حكاية الخلق، حكاية المصادفات، حكاية الصراع بين الخير والشر، بل يحاول أن يسبر أغوار ذلك الصراع عبر قصصٍ متخيَّلة تغوص في عمق الخيال الذي لا يمكن لأحدٍ أن يتكهَّن بما ستؤول إليه النهايات.
المكان في الرواية:
المكان في رواية الكلمات الآثمة غامض إلى حد ما، حيث يشير إليه الروائي بحرف الـ E دون تقديم أية تفاصيل منذ بداية العمل، الذي يبدو أنه عمل مليء بالإلهيات، ومليء باليوم الأول من خطأ آدم وحواء، حين بدأ العقاب الإلهي الذي طالَ، وجعل الأرض التي نعيش عليها الآن أرضاً، وجعل البشر قابعين في مكانٍ ما غير الذي كانوا من المفترض أن يكونوا فيه، لينتقل بنا العمل إلى أماكن أخرى، تكاد تكون قريبة من ناحية الهندسة المعماريَّة من المعابد القديمة، أو ربما مستوحاة من الأبنية الأثريَّة لروما القديمة، وهي نقطة تُسجَّل لخيال الروائي حسن متَى، وقدرته الفائقة على التصوير لغويَّاً، فمن خلال الوصف السردي، ودقته الفائقة، يرى القارئ في مخيلته كلَّ ما يصفه الروائي من أبنيةٍ وغاباتٍ أو بيوتٍ حجريَّةٍ قديمةٍ مليئةٍ بالأفاعي الطَّاهرة والنقيَّة.
لا يمكن بسهولة تحديد الأمكنة في الروايات المُتخيَّلة مثل هذه التي بين أيدينا، ولأنَّ العوالم الصوفيَّة لها طريقتها الهندسية في العمران، فتحديد المكان سيكون أمراً في غاية الغموض والتعقيد، يمكن القول عن المكان المُشار إليه في الرواية، أو إن صحَّ التعبير، الأمكنة التي يتم الإشارة إليها، هي أماكن مقدَّسة، وتحوم حولها هالات القداسة، كما تلك الهالة التي تحوم حول المعابد القديمة، وأماكن الطَّواف الدينيَّة الغائرة في القِدَم.
تحليل الشخصيات:
بهرام، طالب اللاهوت، يعتبر من أشدَّ الدلالات الرمزيَّة، على المؤمن الذي يستيقظ فجأةً من إيمانه! يستيقظ من إيمانه الذي يتحوَّل بمجمله إلى شكوك عكسيَّة، وهي لن تكون شكوكاً عاديَّة، بل ربمَّا ستدمُّر حياته بالمعنى المجازي، وتجعله يدخل عالم رحلاتٍ غامضة وهو يسير في دروبٍ وعرةٍ، هي دروبٌ لا يمكن ملامستها على أرض الواقع، بل هي دروبٌ في المخيِّلة، في الذهن الذي اعتادَ سابقاً على الإيمان، وها هو يستيقظُ من ذلك الإيمان ليسير في دروب مخيلته الوعرة باحثاً عن خيطٍ ولو صغيرٍ يتشبَّثُ به لينتهي من شكوكه، ولن يخفى على القارئ، بأنّ تلك الرحلات الوعرة لن تثني بهرام عن مقولته الدائمة، «فلتسامحني يا ربَّاه، أنا آثم»، يشعر المرء حين القراءة أنَّه يعثر داخل رواية الكلمات الآثمة على شيءٍ يشبه دانتي آليغييري في الكوميديا الإلهية، حيث الفلسفة في كل كلمة ينطق بها، وكل حركة يأتي بها، وكل حياةٍ يحياها، إذن، بهرام، هو المعادل الواقعي للشخصية التي تشكُّ، لنرى رينيه ديكارت يقفز، فيقول: أنا أشك إذاً أنا موجود، هذه العبارة بالضبط، هي من تدفع بهرام نحو المسير في دروبٍ وعرة ليتعرَّف إلى نفسه، فعلى الرغم من أن مَكروس أفندي وليّ الله، يخبره ذات مرَّة في حيواته العديدة بأنَّ: المعرفة إثم، سوى أن بهرام يفسِّر العبارةَ على إنها هي الخلاص، فالإثمُ أحياناً يكون الخلاصَ الأكيد.
مَكروس أفندي، وليُّ الله، الذي استطاع ترويض الأفاعي، عَرِفَ أنَّها لن تؤذي البشر، فهم -أي البشر- أساس كل الأذى في هذا العالم وليست الأفاعي كما يدَّعي البشر.
مَكروس هو أساس الحبكة الروائية، هو بمثابة بوصلة للقارئ، فهو من يُمسكُ دفَّة القيادة ويتولَّاها، وكأنَّه يمسك بيد القارئ ليخبره على مواطن الخلل والإثم الحقيقية داخل النفس البشريَّة.
ناغِينا أو ديمورا وفقاً لما يناديها العارف بالله مكروس أفندي في العالم الآخر الموازي للعالم الحقيقي، الفتاة الصَّامتة، التي لم تكن تنوي إغواء بهرام، بل جرَّته نحو الحقيقة التي كان يرفضها بهرام في ذهنه، وهي حقيقة الشكّ، حقيقة البحث المتواصل وضرورته في الحياة البشريَّة، لذا نراها صامتة على الدوام، تسيرُ وتسيرُ دونما توقُّف، ليمضي بهرام في إثرها، تختفي هيَ فجأةً، ليصطدمَ بهرام بأولياء الله الكُثُر، الذين يدلُّونه على الحقائق التي غابت عن ذهنه طيلة حياته، إذن، ناغِنا الشابَّة، هي المفتاح الثاني نحو معرفة الحقيقة، ربمَّا هي بمثابة الدليل لبهرام، ليغوص في عمق الحقيقة، يتعرَّف إليها ويلمسها عن قرب، دون أن يساوره أي شكٍّ آخر بزيف الحقيقة التي يبصرها بأمِّ عينه، وكأنَّ الروائي، يتسلسلُ في طرح حلول البحث والعثور عن-على الحقيقة.
لولو خان، المعادلُ الأبسط للوسيط بين الحقيقةٍ والإثم، سواء كانتا منفصلتين أو متصلتين، فالحقيقةُ والإثم يفصل فيما بينهما شعرة واحدة، شعرة واهية تُقطَع بسهولةٍ، فقط الشكّ، الشكّ هو من يجبر على المضيّ في الإثم بغية الوصول إلى الحقيقة. لولو خان، معادل المحبّ للعلم، وهو من ساعد بهرام، أو ربما أنقذه من شكّه المتواصل، عبر مساندته، بحكاياتٍ كان يعتقد بهرام أنَّها من نسج الخيال، ولكنَّه يعود ليخبر لولو خان نفسه ما جرى له، ويسردُ له ما عاينه وأبصره طوال تلك الرحلات العديدة في البحث عن الحقيقة، البحث عن آلام المجازر التي يرتكبها البشر بدون أي مبرِّرات.
طوال الخطّ السردي للعمل، نجد لولو خان حاضراً، حتَّى وإن لم يكن كذلك فعلاً، ولكنه موجودٌ بين السطور، يحاول أن يساند بهرام للوصول إلى الحقيقة، وأن يتعبَ في سبيل ذلك، وكيف لا، فالبحث عن الحقيقة له ما له من متاعب، ويحتِّمُ على البشر أن يفنوا حياتهم في سبيل الوصول إليها بعد مراحل حياتيَّة طويلة من الشكّ المتواصل.
كَشتينا خانِم، الأمّ، السيدة الربَّانية الهادئة، السعيدة بأبيها العارف بالله مكروس أفندي، المفتاح الأساسي الذي فتحَت الباب، بل أبواب الحكايات، وفتحت النوافذ على هواء الشكّ وسمحت بأن يتسلّل إلى ذهن بهرام، الحكاية الأولى التي سردتها حول أبيها مكروس أفندي، كانت المحرّض الأساسي لأن يغفو بهرام، ويرحل في مسيره الوَعر بغية الوصول إلى الحقيقة.
الشخصيات تُكمل بعضها البعض، هي بمثابة سلسلة متواصلة، بحيث لا يمكن القضاء أو إقصاء أي شخصية من تلك الشخصيات، وإلَّا فسوف يكونُ السردُ أشبه برجلٍ عليلٍ وعاجزٍ عن المشي. كل الشخصيات، البشرية منها وغير البشرية، الحقيقية والمتخيَّلة، بمن فيهم الآلهة الموجودة في أجواء الرواية، تكاد أن تقول عبارة واحدة: نحن كتلة واحدة لا يمكن الفصل بيننا.
في نهاية العمل، يرى بهرام نفسه عارفاً أكثر، بعد أن ازدادت آثامه وهو يسير وراء ديمورا، ربما ديمورا هي المعادل الحقيقي لمفردة الحلم، بما تعنيها المفردةُ الأخيرة من مجازاتٍ لغويَّة ومعانٍ حياتيَّة. يعودُ بهرام من حيواته الموازية، ليتساءَل: تُرى هل أحبّتني ديمورا في تلك الأزمنة الغابرة التي أمضيتها كما أحببتها أنا؟ ليردَّ على نفسه: «لقد أحببتها أكثر من أي شيء!».
روايةٌ أشبه بحلمٍ للتجوال والبحث عن الحقيقةِ الآثمة، أو البحث عن الإثم نفسه، رواية تستند إلى التوراة والقرآن الكريم، والإلهيات والأساطير التي لها علاقة بحياة البشر، صراعهم، صراع الخير والشر، كل ذلك ضمن إطارٍ ملحميّ – روائيّ، لدرجة أنَّ القارئ سيشعر وكأنَّهُ يقرأ رقيماً أثريَّاً، يشرحُ بدقَّةٍ وبتفصيل كل ما حصل في يومٍ ما، زمنٍ ما، حياةٍ ما، غير أيامنا وحيواتنا وأزماننا، سردٌ ملحميّ يكاد أن يدنوَ من همسٍ في آذان القرَّاء.
يمكن النظر إلى الرواية على أنها ما فوق واقعية أو ربما أحياناً تبتلّ أحداثها وطريقة سردها بقطراتٍ من مياه السرياليَّة، ولكنها تستمدّ عناصرها السرديَّة من حقائق ومعرفة، يستند فيها الروائي إلى الشكّ كحقيقة، والحقيقة كشكّ، ثنائيَّة يمكن اعتبارها معجزةً فلسفيَّة عميقة، جَهِد الروائي في تحليل تلك الفلسفة بأسلوب سردي، يمتزج فيه الكلام السَلِس مع الكلام المستحيل، أي الصَّعب، لنكون أمام عمل من السهل الممتنع، حكايات داخل حكايات، أساطير داخل حكايات، روايات داخل ملاحم، أديان، آلهة، مجازر، أفاعي أفضل من البشر، كلها عناصر يستند إليها الروائي ليخلق عالم فوق واقعي، عالم يختلط فيه الخير بالشر، الدين بالكفر والزندقة، العلم والمعرفة بالآثام العظيمة التي يقترفها البشر طول دوران حيواتهم، دون أن يكلِّف العمل نفسه عناءَ أن يشير إلى الحقيقة، أو إلى الخير والشرّ، فالعمل الروائي الأفضل، هو الذي يتيح نهايةً مفتوحةً للتأويل، وهي من أكثر الأساليب الكتابية جاذبيَّةً وذكاء. ليست هناك مبالغة في وصفنا لهذا العمل، بالرواية الذكيَّة، حيث لا استرسالَ بلا طائل، ولا كلمات زائدة ومحشوَّة، أو أحداث مُقحَمة عنوةً، بل كل شيء مرتَّب، بدايةً من الاستنادات الخارجية للرواية، مروراً بالشخصيَّات (على الرغم من قلَّتها) ولكن المرسومة بدقة وإتقان، وصولاً إلى النهاية المفتوحة، نهاية الحكاية التي تسردُ هي الأخرى حكايةً أخرى مفتوحة على مجموعة كبيرة من التأويلات التي يمكن للقارئ أن يتفكَّر بها ويرسمها، يظلّ بهرام يسرُد ما رآه حتَّى بعد أن انتهت الرواية مفتوحة الأبواب.
جوان تتر؛ شاعر ومترجم كُردي سوري