رعب المكان في رواية «الموت عمل شاق»
ذهب إدغار آلان بو في قصته سقوط منزل آشر إلى أن الإنسان يحتضر وجوده ويصيبه القلق حينما يفقد تواصله مع المكان، والعكس صحيح، إذ أن أثر المكان يتغلغل في لاوعي الإنسان بصورة خفية، قد نشعر بالضيق في مكان ما وبالراحة في مكان آخر لسبب لا نعلمه، ونحن بالكاد نشعر بالانتماء للأمكنة التي ترعرعنا وخضنا فيها طفولتنا، ينمو نوع من الحميمة معها مع الزمن، ومثلما نشعر بالحزن والضيق من الأشخاص الذين تغيروا علينا نكابد الشعور ذاته مع الأماكن التي تتغير على حين غرة وتتنكر للمعاشرة الطويلة معها، إذ أن المكان كما المخلوقات يمتلك روحاً خاصة توائم أرواحنا كما ينبهنا غاستون باشلار، فالتنكر والتغير من قبل الآخر الذي قضينا معه حياة قد يصيب دماراً في ذكرياتنا، يزعزع ثقتنا، وتغيب الطمأنينة شيئاً فشيئاً، ويتسلل رعب خفيف إلينا.. في روايته الموت عمل شاق (دار نوفل؛ ٢٠١٦) يصف خالد خليفة بتفصيلية مؤلمة تغير سوريا أمناً وحياة ومكاناً إثر الحرب، إذ يشير إلى أنها تحولت إلى مكان متشح بالرعب والخوف ، لم تعد سوريا مستقراً للعيش والحياة والرحيل بطمأنينة، نشر الموت جناحيه على طول البلاد، لم يعد هناك أي بصيص للأمان. الرعب الذي يحيط بالأمكنة أفقد الناس التوازن العقلي، نشر القلق والحيرة في داخلهم، ورفع من منسوب الأنانية لديهم. وهذا ما يجسده في تصرفات أبطال روايته (بلبل وحسين وأختهما) الذين اضطروا ان ينقلوا جثة والدهم من دمشق إلى مسقط رأسه في العنابية، وفي الطريق الطويل المتخم بالحواجز الأمنية والعسكرية المتنوعة للقوات المتحاربة في سوريا يتعرضون لأكثر من موقف مخيف، ويمرون بأشد اللحظات النفسية العنيفة، وفي النهاية يصلون إلى بلدة والدهم بقطع الأنفاس، والدهم الذي تتفسخ جثته مع مرور الزمن في خلفية السيارة وكأنه بهيئته تلك يرمز إلى سوريا التي مع مرور الزمن أصبحت تتفسخ ولم تعد صالحة للعيش، ولم يعد أحد يرغب في الاحتفاظ بها. بدأت علاقة الإنسان السوري بوطنه تتفسخ ولم يعد هناك أي رابط حميمي مع أرضه التي ارتضت أن تلبس ثوب الموت.
لست بصدد وصف أطوار الرواية وأحداثها لكن أريد أن أشير إلى أنها تسير في خط زمني ثقيل الحركة، بحيث تمكن القارئ من أن يشعر ببطء الزمن النفسي لأبطالها وأن يعيش أجواءها، ويتحسس رائحة الرعب والموت في كل تفاصيلها، وربما كثيراً ما يشعر بالملل من فرط أجواءها المريرة والقاتمة، وهذه الأجواء ينبئنا بها عنوان الرواية نفسه «الموت عمل شاق» أن يتحول الموت إلى مهنة إلى عمل للإنسان فهذا يدل على أنه فقد إتقانه للحياة، لم يعد لديه متسع لكي يعيش إنما ليبحث عن طريقة متقنة في الموت بأقل الجهود، لكنها تبقى مهنة شاقة لأن المكان لم يعد مهيئاً للموت بسهولة.
***
رعب المكان في رواية «الموت عمل شاق»؛ بقلم فاضل متين
فاضل متين؛ كاتب كُردي مقيم في كردستان العراق
