رحل أمس السبت عن عالمنا الروائي السوري خالد خليفة. تنشر قنّاص حوارا معه أجراه مايكل صافي ونشر في الغارديان قبل شهرين تحت عنوان «خالد خليفة: كل مرابع طفولتي دُمرتْ». ومن أشهر أعمال خالد خليفة الروائية «مديح الكراهية» التي وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية. كذلك فازت روايته «لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة» بجائزة نجيب محفوظ من الجامعة الأميركية في القاهرة عام 2013.
***
الروائي السوري خالد خليفة الحائز على العديد من الجوائز يتحدث عن حلب، مدينة «روحه»، وافتتانه بأواخر القرن التاسع عشر، وتعرّفه شابًا على تشيخوف..
خالد خليفة روائي وشاعر وكاتب سيناريو سوري حاصل على جائزة نجيب محفوظ للأدب، أعلى الأوسمة الأدبية في العالم العربي. تتخطى روايات خالد الساخرة والمفعمة بالحيوية الزمن، ولكنها تتمحور حول مدينة حلب السورية، قرب مسقط رأسه في عام 1964، والتي كانت ذات يوم واحدة من أعظم المراكز الثقافية والتجارية في العالم.
درس خالد خليفة وعمل في مطلع حياته المهنية في حلب، ولكنه انتقل إلى دمشق منذ 1999، وهو واحد من الكتاب القلائل الذين بقوا طوال الحرب الأهلية المروعة في البلاد.
ويقول خالد إنه قد حاول الكتابة عن العاصمة السورية، ولكنه يجد نفسه على الدوام عائدًا إلى مدينته.
«لم يعجبني ما كتبت بعد 50 صفحة، فأنا لا أعرف رائحة دمشق، لذا عدت إلى حلب وقلت لنفسي: هذا مكاني الحقيقي، سوف أكتب عن حلب، مدينتي المتغلغلة في أعماق نفسي وروحي».
أصاب حلب الكثير من الدمار أثناء كتابة خالد خليفة لروايته الجديدة «لم يصلِّ عليهم أحد» بسبب المعارك بين الحكومة السورية والمتمردين، وقد مُنعت هذه الرواية في سوريا.
*تدور أحداث جزء كبير من هذه الرواية في مدينة حلب في مطلع القرن العشرين. فما الذي أثار اهتمامك في هذه الفترة؟
لطالما شّدني الربع الأخير من القرن التاسع عشر، فقد بدأت خلال هذه السنوات معركة الليبراليين مع المحافظين أو الأصوليين ليبدأ مشروع النهضة. لم تنجح هذه النهضة، ولكنها تركت أثراً واضحًا على فكرة التعليم والمكتبات والصحافة، وعلى تفكيرنا في فصل الدين عن الدولة أو الإصلاح الديني. هناك أيضًا المجاعة الرهيبة التي وقعت حوالي عام 1914 مع بداية الحرب العالمية الأولى، عندما صادرت السلطات العثمانية كلّ ما يمكن أن يُؤكل، تاركًة الملايين يتضوّرون جوعًا وخلّفت لنا صورًا مرعبًة عن هذه المجاعة الجماعية. وبزغَ خلال هذه السنوات أملٌ للعرب في النهوض والانضمام إلى العالم كشركاء حقيقيين، ولكن كل ذلك قد أُجهض في النهاية. لقد شدّني كل شيء متعلق بالثقافة في تلك الفترة، مثل الهندسة المعمارية والموسيقى والأزياء والصحافة. كانت تلك مرحلة البداية واكتشاف أشياء مثل المدارس الحديثة والطباعة. وقد جعلتني تطلّعات مدينتي أفكّر في الخسائر المتتالية في حياتنا، والتي لم تتوقّف حتى يومنا هذا.
*كيف يختلط التاريخ بالخيال في هذه الرواية؟
لم أرغب بكتابة رواية تاريخية، لذلك صحّحتُ الأخطاء التاريخية بعد انتهائي من الكتابة، لأنني لم أرغب بالخضوع لعبء الحقيقة التاريخية. الرواية عن الحب المفقود والموت والتأمل والطبيعة في حياتنا، وعن صناعة القديسين والأوبئة والكوارث، عن محاولة الشعب ونضاله ليكون جزءًا من الثقافة العالمية، عن الصراع بين الليبراليين والمحافظين، عن التعايش الأبدي لهذه المدينة، عن المدينة في وقت كان العالم كله يسعى فيه للانتقال إلى مرحلة جديدة. ولكن تجربة حلب أُحبطتْ ودُمِّرتْ المدينة بحيث لم تعد جزءًا من العالم المعاصر.
*ماذا تريد أن يتعلّم السوريون اليوم من تصويرك لهؤلاء الأشخاص وحياتهم في حلب؟
أريد للسوريين أن يعيدوا قراءة التاريخ، وأن يسألوا من الذي طرد المسيحيين واليهود السوريين من مدينتهم، والذين هم أبناء بلدنا، ومن الذي أحبط مشروعهم الصناعي العظيم ومحاولتهم أن يكونوا جزءًا من العالم المتحضّر؟ أريدهم من خلال قراءة هذا التاريخ أن يعرفوا أنهم ليسوا مجموعة من الطوائف الدينية، بل شعب يتمتع بثقافات مختلفة وأصلية متعايشة. سوف تساعدنا إعادة قراءة التاريخ الحديث على عدم تكرار أخطاء الماضي بالاعتماد على قوى خارجية لعبت في المنطقة منذ الاحتلال العثماني ودُمَّرتْ فكرتُها عن التعايش.
*هل رأيت حلب منذ الحرب والدمار؟
نعم، رأيت المدينة لأول مرة منذ الحرب قبل ثلاث سنوات، وقد كانت لحظة عصيبة بالفعل. لقد امتنعت طيلة الحرب عن مشاهدة مقاطع الفيديو والعديد من الصور التي كانت تبثُّ ليلًا نهارًا، والتي توثّق تدمير المدينة. لقد تدمّرتْ جميع مرابع طفولتي، وبقيت وحدي أبكي بعد عودتي إلى منزلي في اللاذقية لأكثر من أربعة أيام.
*ما هي الكتب الموجودة بجانب سريرك؟
لا أقرأ كثيرًا في السرير، ولكن هناك دائمًا مجموعات شعرية على المنضدة لأصدقاء مثل منذر المصري وهالة محمد ودعد حداد وتشارلز سيميك بترجمة أحمد م. أحمد.
*كيف بدأت القراءة عندما كنت طفلًا؟
اكتشفت الكتب في العاشرة من عمري، إذ لا نمتلك كعائلة فلاحين طقوسًا عريقة في القراءة، ولكن شقيقاي الأكبر سنًا وأصدقاءهما اكتشفوا في مرحلة الدراسة كتب اليسار والأدب الروسي وعلم النفس والفلسفة. وهكذا ومنذ تلك اللحظة بدأت رحلتي الشخصية في أوائل السبعينيات فأخذت بقراءة كتب غير مخصصة للأطفال، مثل قصص تشيخوف، والتي لم أكن أفهمها تمامًا في كثير من الأحيان. أما في الجامعة فقد قرأت معظم الأدب والشعر المترجم في العالم، وأعدتُ قراءة علم النفس من وجهة نظر فيلهلم رايش، وانفتحتُ على الأعمال الضخمة مثل موبي ديك وروايات دوستويفسكي. كانت سنوات الجامعة سنوات القراءة العظيمة.
*ما هو الكتاب أو من هم الكتّاب الذين تعاود قراءتهم دائمًا؟
كتب دوستويفسكي، وغابرييل غارسيا ماركيز، ونجيب محفوظ، وعبد الرحمن منيف. وحاليًا لدي شوق ورغبة في قراءة أبو العلاء المعري ودانتي مجددًا.
***
حوار مع خالد خليفة. المصدر: الغارديان
«لم يصلِّ عليهم أحد» لخالد خليفة، دار هاشيت أنطوان، 2019 وقد ترشحت للجائزة العالمية للرواية العربية في 2020، وترجمتها إلى الإنكليزية ليري برايس، وصدرت عن دار” فابر آند فابر” في 2023.
عماد الأحمد: شاعر ومترجم سوري من مواليد 1984 حاصل على ماجستير في دراسات الشرق الأوسط من كلية ASERI للاقتصاد والعلوم السياسية في الجامعة الكاثوليكية في ميلانو في إيطاليا. ويحمل إجازة في الأدب الإنكليزي من كلية الأداب والعلوم الإنسانية في جامعة البعث في سوريا من ترجماته “الأعمال الشعرية الكاملة: جورج أورويل” (دار المدى) ورواية “دمشقي” لسعاد العامري (منشورات المتوسط).