لا تحسبوا بأنّ فقدي للنظر في الحياة بأمرٍ هين، كلا. كنت في الصغر لا أدرك الأمر وأحسبه هيّن وأنه شيء بسيط عند المجتمع ويسهل التعايش معه، كنت غير مدركة لفداحة الأمر. أنا فتاة لا ترى، كنت فتاة لا تأبه لنظرات الناس ولا تأخذ سخرية الأطفال على محمل الجدّ، وحينما تجاوزت الثالثة والعشرين من العمر. وعيت جيدًا وأدركت حقيقة الأمر، لا أخفي عليكم، إعاقتي كابوس يُفزع مستقبلي، ليتني بقيت طفلةً تجهل معنى الأنوثة قبل أن تتعرض لصدمتين، الصدمة الأولى أنني فقدت النظر، والصدمة الثانية هي مواجهتي للسخرية من المجتمع الذي ينهش بأنيابه جلدي، حينما أسمع بالصدفة نسوان الحي يتهامسن من خلفي، ويلمزن لي، وبأنني سأبقى ملازمة لبيت أبي طوال العمر! كيف لا يؤرقني أمر تأخر زواجي، ونساء الحي عندما تبلغ إحدى بناتهن عمر التاسعة عشر يبحثن لهن عن عرسان بأنفسهن؛ ولا يعنيهن رأي بناتهن، فعلى حد علمهنَّ أنّ الرفض المتكرر للمتقدمين للزواج يُذهب النصيب!
أذكر مرةً قالت لي إحداهُنّ: لو أنكِ تبصرين لما بقيتِ إلى الآن بيننا. أخذْتُ الأمر كأنه مزحة، لكن لا أخفي عليكم أنني كنت أشتعل من الداخل، أثور كالبراكين من لسع الكلمات في قلبي.
مجتمع يدوس بأقدامه على أبسط مشاعرنا، لا أعلم كيف يجب علينا التأقلم معه؟ وكلما أوقدنا شمعة من أمل أتت عليها ريحٌ تُطفئها، لقد أدركت أن الثقة بالنفس ليست السلاح الوحيد الذي تواجه به ضعفك والمجتمع، أو لتخوض بها حربًا قاسيةً، بل يلزمني الكثير من العتاد الروحي والاعتزاز بالنفس حتى أخرج منتصرةً على خلافِ الكثير ممن فشلوا…
خاص مجلة قنآص
شيماء زهير؛ كاتبة فلسطينية من غزة. الصورة: qannaass.com