أرخبيل النصوصجُذْمور الشعر

قصيدة من صور العُمانية: ظلالٌ تحاور نفسها | مُبارك المخيني

على عتَبَةِ الرملِ الدقيق مترانِ، وقلوبٌ كثيرةٌ/ تَبْعُدُ عن الموجاتِ المُتَعاقِبةِ/ موجةٌ تَحتَضِنُ التي تليها، احتِضان صرخاتٍ/ تُبَدِّدُ كُلَّ شيء/ إلّا ثلاثَةَ ظِلالٍ/ تُحاورُ بعضَها...

ظلال تحاور نفسها

على عتَبَةِ الرملِ الدقيق 

مترانِ، وقلوبٌ كثيرةٌ

تَبْعُدُ عن الموجاتِ المُتَعاقِبةِ

موجةٌ تَحتَضِنُ التي تليها،

احتِضان صرخاتٍ

تُبَدِّدُ كُلَّ شيء

إلّا ثلاثَةَ ظلال

تُحاورُ بعضَها بنُعومةِ

الفروقات تَلُمُّ شَملَ الألوان

تُحيلُها سوادًا.

يقولُ الظلُّ الأوّل: 

بحرٌ ولا ماء

كُلُّ هذا البحر لا يكفيني

لا يُبَدِّدُ الجِراح

على الرَّغْمِ مِنْ هذا الحَجْمِ

الذي يَخْتَرِقُ مُسْتوى الإدراك.

لا يكفيني هذا الهادِرُ المُستَطير

لا يفعلُ شيئًا 

سوى الصُراخِ في وَجهي

لَكأنَّهُ امتَلأَ مِن نُدوبِ البشر

ولا يمكِنهُ الوَطء على ميناءِ روحي

ولا التشَرذُمُ في مساماتِ ألمي.

حتّى تلكَ المَنارةُ التي كانتْ يومًا

خارطةً لسُفنِ الأعداءِ والحُلفاءِ

أصبحتْ صدِئةً بشكلٍ مُميت

ولا تُنيرُ كِيانيَ المَسحوبَ على تربةِ الحياةِ

بأضْوائها الساحِرَةِ،

لقد مَلِلْت!

يقولُ الظلُّ الثاني:

أنا أتوسّطُ عالَمَ الظِلال

أجلِسُ مُتَّكِئًا على خشَبَةٍ

نَخَرها البحرُ البارحة، 

أرى أمامَ سوادي المُقْتِمِ

نورًا على قارعةِ المُحيط

أراهُ لا يقتربُ

لكنّي أراهُ

بعيدًا عن صرْخاتِ المعَذَّبينَ 

أراهُ! 

أرى هذهِ الجلجلةَ الوجوديَّةَ

التي تتمَخَّضُ عن أرواحِ البحرِ

تُسكِتُ الصمتَ الذي بداخلي 

يملؤني صارِخًا بالمعنى 

يملؤني أمَلًا 

ووددْتُ لو أجترِعُهُ كاملًا

وددْتُ لوْ أُصبحُهُ.

لقدْ سكَنتْ روحي!

يقولُ الظلُّ الثالثُ:

أنا تجرَّعتُ انطواءاتي

بعيدًا عن الظلالِ والأبدان

بعيدًا عن الرملِ حتّى 

لم أعدْ أرى الشاطئَ قطُّ

فقطْ لُزوجةَ زُرقةِ هذهِ البُقعةِ السائلة،

أنا على يَسار المَحارِ

أرقِّعُ جِزَمَ المخطوفينَ

وأرتشِفُ مِن أرواحِ الغرقى 

نشيجًا يُشكِّلُني.

أمتثِلُ لسُلطانِ هذهِ اللُجّة

لأنّها الوحيدةُ تُلقي بالًا بي

بظلٍّ شاردٍ عن جسدٍ متهالِك

تَنبضُ منهُ الظلالُ

كحبّاتِ العُلّيقِ

تأتي مُرّةً أحيانًا 

ومُثخَنةً بالحلاوةِ حينًا.

لقد امتثَلت!

يهمِسُ هذا اليمُّ

بعُبابِهِ الشَجِن،

يهمِسُ للظِلالِ جميعِها 

قائلًا: لا شيءَ فوقي 

پوسايدون يعلمُ هذا جيّدًا.

هاتوا ذلكَ الجسد

الذي وُلدتمْ منهُ بحِبرٍ كَوْنيِّ الملامح

ولْيَتَفاهمْ معي

ماءً لماء مِلحًا لمِلح.

تتلاشى الظِلالُ المُتَفلسِفةُ

معَ هُروبِ جسدٍ ما 

مُتشقِّقِ المَعالم

أكَلَ منهُ الساحلُ مَلامِحَهُ،

يهربُ مِن موجةٍ تَبْعُدُ

أُكسجينًا وهيدروجينَيْن.

ذلكَ المُحيّا الذي كانَ يومًا

يُجابِهُ 

قصيدةَ البحرِ الجليلة

اِبتعَدَ بصمتٍ 

ساحبًا معهُ ظِلالَهُ جميعَها…

*****

مُبارك المخيني: شاعر عُماني

خاص قنّاص – جُذمور الشعر

المحرر المسؤول: زاهر السالمي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى