طرودٌ بريديةٌ مُستعجَلة | فتحية الصقري
الشاعرة العُمانية فتحية الصقري تكتب نصّا شعريا بعنوان «طرود بريدية مستعجلة»
***
كيف حالك اليوم؟
تماماً مثل هذا القماش
الذي لم أستطع تحديد لونه
أرفعه قليلاً فيبدو لي ذهبياً
أشدّه للأسفل، أراه فضيّاً داكناً
ينزلق من قبضة اليد.
متحرِّك غير ثابت
شفَّاف قليلاً
غير قابل للالتصاق
قاسٍ وليّن
لكنه يتمتَّع بالخفة.
لا بارداً ولا حارّاً
يلائم كل الفصول
لا يحتاج لمسح حراري؛ ليعتدل
لا يحتاج إلى إبرة وخيوط؛ ليتشكَّل
جاهز للارتداء
يصلح للسفر
ورحلات المشي الطويلة
يقول البائع
عندما يتعرَّض لهجمة مفاجئة من المياه
يتمدد، ولا ينكمش
وكأنه يقول
يحب الحبال المرتخية
المثبَّتة على شجرتين متقاربتين كأرجوحة
يهزها الهواء، كما تهزُّ الأمهات مَهْد الأطفال؛ ليناموا
ليس بينها وبين الشمس حجاب
تفتح الرسائل الصباحية ببهجة وامتنان
بالطريقة التي تفتح فيها الطرود البريدية المستعجلة.
كيف تبدو أيدي الأصدقاء، هذا الصباح؟
باردة ومنكمشة
لا تفتح الشبابيك
لا تلمس الأشياء الناعمة
أصابعها محشورة في قفَّازات سوداء من الجلد الخشن
تصافح بلا مشاعر حقيقية
كترجمة رديئة لومضة شعرية.
أكنس النظرات العالقة في ثيابي
تماماً كما أكنس الغبار، وطبعات الأقدام
من ظهر السجَّادة المفروشة على عتبة الباب.
بلا مقاومة كل يوم
في ظهيرة ساخنة
أعبر شارعاً مكتظّاً بالسيارات
لكن كثيراً ما كانت تبدو لي كنهر نشط يشقُّ طريقاً في صحراء.
لا شيء يبدو طبيعياً
صورٌ ومشاهدُ يومية متخشّبة
بدءاً من العشب الممتدّ على جانبي الطريق، وانتهاءً بالبشر
أشياء حقيقية، لكنها تشبه البلاستيك إلى حدٍّ ما
تنمو، وتتشكَّل، وفق الطلب
الشعراء غارقون في صمتهم
المبدعون في البيت، بلا كهرباء
العلماء والفلاسفة
يكلمون الأشجار والحيوانات.
كل الأشياء الجميلة
أفسدتها الذائقة الجمعية
والرأسمالية.
أودُّ أن أقف وسط هذا العالم المكتظِّ بالصراخ
وأرفع لافتة في وجهه:
لديَّ صمت كثير ورائع
من يريد؟
أتقمَّصُ دور العاشقة
وأشغل قلبي بمشاعر طارئة
الحياة سرير يتَّسِع لإثنين
وهذه السيجارة المشتعلة
غرام جديد سينتهي رماداً في منفضة.
- فتحية الصقري شاعرة عُمانية؛ صدر لها: «بريد متأخر»، «يد عالقة في الهواء»، «القفز في المنتصف»، «جمهور الضحك» 2016، «أعيادي السرية» 2014، «قلب لا يصلح للحرب» 2014، و«نجمة في الظل» 2011.