فلسفة – يوليوس بانسن
على الرغم من كونه أحد أكثر الفلاسفة الألمان تفرّدًا وأصالةً، فقد بقي يوليوس بانسن Julius Bahnsen (1830-1881) مغيّبًا ولم يذع صيته عند عامّة القرّاء وخاصّتهم باستثناء أهل الاختصاص الدّقيق في تاريخ الفلسفة الألمانيّة الحديثة عمومًا والدّراسات الشّوبنهاوريّة والنّيتشويّة خصوصًا، ذلك أنّه يُعدُّ سليل آرثر شوبنهاور (1788-1860) وأحد المؤثّرين في فريدريتش نيتشه (1844-1900)، ولا يُذكرُ عادةً إلّا مقترنًا بأحدهما، بوصفه متأثّرًا ومؤثّرًا، بما أنه فيلسوف فذّ جديرٌ بالدّراسة والتّرجمة. درس بانسن الفلسفة والفيلولوجيا في جامعة إبهارل كارل في توبغن حيث أنجز أطروحة دكتوراه في الجماليّات تحت إشراف الفيلسوف فريدريتش ثيودور فيشر (1807-1887)، ورغم طموحه الأكاديميّ فإنّه انتهى مدرّسًا مغمورًا في مدرسة ثانويّة. شكّلت حياته مأساةً رتيبةً حيث عرف خيبات متكرّرة، توفيت أمّه مبكّرًا فعرف طفولة بائسة، وتوفّيت زوجته بعد أشهر من زواجهما، وفشل زواجه الثّاني، وتحطّمت تطلّعاته الجامعيّة، ولم تشتهر كتبه إبّان حياته ولا بعد رحيله. لقد ظهرت علامات الاضطراب على ملامح بانسن وسلوكه حتّى وصفه صديقه الفيلسوف إدوارد فون هارتمان (1842-1906) بـ«الرّجل الهستيريّ».
لم تكن الفلسفة في نظر بانسن مجرّد نسق من الاعتقادات الفكريّة التي يتمّ تسويغها من خلال التّجريد التّحليلي والتي تنشغل بالاتّساق المنطقي. فالفلسفة بالنسبة إليه إنّما هي موقفٌ صادقٌ وأخلاق عمليّة لصيقة الارتباط بعواطف الإنسان الأساسيّة ومتّصلة بمشكلات الحياة، إنّ للأفكار قيمةً شخصيّة في نظره. تشكّلَ توجّهه الفلسفيّ من خلال أعمق منابت كينونته وأكثرها حميميّةً، فكانت فلسفته ثمرة قلبٍ منكسر وتطلّعات محبَطة. ظهر تشاؤمه مبكّرًا، لم ينبع من قراءاته الشعريّة والفلسفيّة فحسب، بل كان صادرًا عن خبرته الحياتيّة ومزاجه القاتم. ثمّة دلالات مدهشة على انبثاث ملامح شخصيّته كلّها في عمله، مثل الشّجن الأخلاقي الذي يميّز حجاجه، وفرادة اصطلاحه وحدّة أسلوبه. كما تنبغي الإشارة إلى ما يكتنف نثره من عُسرٍ أرهق القرّاء وزاد في نفورهم منه، فتراكيبه ملتوية ومُتعبة، ومفرداته عجيبةٌ، ومُرادهُ مُربكٌ ومستغلق. لقد ساهم ذلك في عدم تحقيقه النّجاح الأدبيّ، على عكس معلّمه شوبنهاور صاحب العبارة الواضحة والأسلوب الأنيق.
قرأ بانسن في فترة شبابه غيورغ فلهلم فريدريتش هيغل (1770-1831) وفلاسفة اليسار الهيغلي، وافتتن خاصّة بكتاب (الأوحد وملكيّته، 1844) لماكس شتيرنر (1806-1856)، وشرع في تدوين تأمّلاته الكئيبة منذ أيّام دراسته الجامعيّة، لم يكن يعتقد أنّ للحياة قيمًا وغايات، نعت رؤيته هذه بـ«العدميّة»، ولخّصها بنبرة حاسمة: «إنّ التّاريخ هو صيرورة العدم، مُضيٌّ من العدم إلى العدم»، ليخلص في مرحلة لاحقة إلى أنّ الإنسان «ليس سوى عدمٍ واعٍ بذاته». ازداد تشاؤمه رسوخًا حين تعرّف على كتاب «العالم إرادةً وتمثّلًا» (1818) لشوبنهاور، فأعجب بأفكاره أيّما إعجاب، وصارت الشوبنهاوريّة بالنسبة إليه بمثابة بديل للعقيدة الدّينيّة. عزم سنة 1856 على ملاقاة شوبنهاور، فتحقّق طلبه، واستقبله حكيم فرانكفورت – الذي اشتهر بانعزاله وبغضه للبشر-استقبالًا لطيفًا. أثار ذلك اللّقاء في نفس بانسن شعورًا بالرّهبة والإخلاص، وازداد تعلّقه بفلسفة معلّمه فسعى إلى تطبيقها عمليًّا في حياته ومارس الزّهد والسّلوك النّسكيّ (مثل الصوم والامتناع عن الجنس…)، ذلك أنّ الخلاص لا يتحقّق إلّا من خلال إنكار الذّات حسب التّعاليم الشّوبنهاوريّة. لكنّ امتثاله للسّبيل الزهديّ لم يدم طويلًا، ورأى أنّه من غير الممكن أن يقهر الإنسان «إرادة الحياة» في حين أنّها القوّة المهيمنة على حياته وأعماله.
يقدّم بانسن من خلال أطروحته الأساسيّة التي أطلق عليها اسم (الدّيالكتيك الواقعي Realdialektik) ثلاثة ادّعاءات مركزيّة: أوّلا، إنّ التّناقض موجود في قلب الواقع نفسه وليس مجرّد خاصيّة لفكرنا عن الواقع، متجاوزًا بذلك الدّيالكتيك الترسندنتالي الكانطي الذي يعزو التّناقض إلى فكرنا عن العالم لا إلى العالم عينه؛ ثانيًا، إنّ التّناقض لا يمكن حلّه ونتيجته سلبيّة تمامًا، مخالفًا بذلك الدّيالكتيك الهيغلي الذي يقول إنّ تناقض الأضداد آيلٌ إلى تأليف إيجابيّ؛ ثالثًا، يكمن أصل التّناقض في الإرادة التي هي أساس الواقع كلّه. لقد هاجم قانون عدم التّناقض ومبدأ الثّالث المرفوع، مختبِرًا حدود الفكر المنطقي أو العقلاني وزاعمًا أنّ الواقع برمّته متناقض وغير عقلانيّ ومضادّ للمنطق، إنّ «طبيعة العالم ملغزة تمامًا»، لذلك فإنّ «بذرة الدّيالكتيك الواقعي تنبت من تراب القنوط من قابليّة العالم للمعرفة المنطقيّة». وفّق بانسن بين الجوانب التّناقضيّة لديالكتيك هيغل وبين العناصر التّشاؤميّة لنظريّة الإرادة الشّوبنهاوريّة فأنتج فلسفة تشاؤميّة صميمة اكتنه من خلالها العالم. لم يقل بانسن بتاريخ هيغل المتفائل، بل اكتفى بديالكتيكه في طوره السّالب وتشديده على التّناقض، مستبعدًا التطوّر والتّقدّم، ذلك أنّ التّاريخ دوريّ والتّناقض ثابت، لا يخلص الدّياليكتيك في نظر بانسن إلى تأليف إيجابيّ تتّحد فيه الأضداد لتصير وحدةً مطلقة، بل يؤول إلى التّدمير المُطبِق، أي إلى العدم.
يرى بانسن أنّ الواقع محكومٌ في جوهره بالصّراع الدّاخلي للإرادة، وهذا الصّراع إنّما هو دائمٌ ولا نهاية له ومتعذرٌ حلّه، لأنّ الإرادة ذاتيّة التّناقض، يمثّل هذا الصّدام المستمرّ منبع المعاناة كلّها. إنّ الإرادة ساحة حربٍ حيث لا يمكن التأليف بين المتحاربين ولا التسوية بينهم ولا تهدئتهم، إنّ إحلال الوفاق في أرض الإرادة غايةٌ محالٌ تحقيقها. تنشأ المعاناة بسبب انقسام الذّات على ذاتها، ذلك أنّها «تُريد ما لا تريده ولا تُريد ما تُريدهُ»، تلك هي أعسر معضلات الإرادة التي لا تنتج سوى مكابدة مستمرّة غير ممكنٍ تفاديها. إنّ رؤية بانسن تراجيديّة بإطلاق، فهو يرى أنّ المعاناة قدرُ الإنسانيّة، فلا عجب إذنْ في أن يصدح بما جاء في تراجيديّات سوفوكليس: «من الأفضل للمرء ألّا يولدَ أبدًا».
لم يبق بانسن تلميذًا لشوبنهاور ولم يتّبعه حذو النعل بالنعل، بل صاغ أفكاره الخاصّة وافترع تنويعاته، فخالف معلّمه في مسائل أساسيّة: لم يقل بواحديّة الإرادة واستعاض عنها بتعدّد الإرادات الفرديّة، وجعل الإرادة الشوبنهاوريّة مفهومًا ديالكتيكيًّا حيثُ تُناقض الإرادة ذاتها. إنّ عقيدة بانسن في الإرادة أكثر جذريّة من عقيدة شوبنهاور، ذلك أنّه ينفي عن العقل قدرته على الإفلات من الإرادة، ناهيك عن ضبطها والسّيطرة عليها، كما أنّ تشاؤمه أكثر تطرّفًا، فهو ينكر أيّ إمكانيّة للخلاص، لا مخرج لنا من المعاناة ولا ملاذ، لا يمكن للفنّ ولا للأخلاق النّسكيّة تخليصنا من عذابنا المحتوم. لقد ولج بانسن إلى أعمق درجات اليأس من خلال إنكاره لوحدة الإرادة ونفيه لقدرة التّمثّل على كبح جماحها، يعني ذلك أن ليس للبشر نقطة مرجعيّةً تردّهم إلى الشعور بالانتماء إلى كيانٍ واحدٍ في نهاية المطاف، بل هم إرادات متعدّدة بتعدّد أنفسهم، حيث يكافح كلّ فرد من أجل نفسه وضدّ الجميع. لطالما اعتبر شوبنهاور الفردانيّة رديفًا للأنانيّة ودعا إلى إنكار الأنا، أمّا بانسن فقد خلص إلى أنّ الأنانيّة هي الحقيقة الوحيدة حيث لا سبيل إلى إنكارها، وما كان للتّمثّل على الإرادة من سلطانٍ.
تتميّز إرادة الحياة حسب شوبنهاور بكونها قوّة عشوائيّة طائشة غير عقلانيّة مبثوثة في العالم كلّه وتقود دوافعنا الغريزيّة، وتتجسّد لا عقلانيّتها في سعيها الأعمى والمتواصل نحو إدامة الأحياء. لكنّ حكيم فرانكفورت قال بإرادة كونيّة واحدة فقط تسكن الأنوات الفرديّة جميعها، ولم يقل بتناقضها الدّاخليّ. لقد حصر شوبنهاور مبدأ التّفرّد (Principium Individuationis) في عالم الظواهر أو العالم التجريبي، حيث تكون الفروق بين النّاس مسألةً ظاهريّة أو تجريبيةً، وتكون أفعال الإنسان محكومة بقوانين الطّبيعة وحتميّتها، ليس الفرد في نظره أكثر من تجلٍّ من تجلّيات الإرادة الواحدة، وليس مبدأ التفرّد سوى حجاب من «حجب المايا» التي توهم الإنسان بأنّه يحوز ذاتًا متفرّدة. تتمثّل مساهمة بانسن في تطعيم عقيدة معلّمة بالدّيالكتيك الهيغلي، وجعلها تضجّ بالتّناقضات الدّاخليّة، وتمييزها بالتّعدّد بدل الواحديّة، ذلك أنّ لكلّ أنا مفردة إرادة تخصّها وتميّزها. لقد اهتمّ بانسن بالطّباع الشخصيّة والهويّات الخاصّة، وأكّد أهميّة الفروق الفرديّة، وتمثّلَ الإنسان من منظورٍ فردانيّ لا من منظور كلّي (Holism) ولا واحديّ (Monism)، فالشخصيّة الفرديّة إنّما هي ثيمة رئيسة في فلسفته، حيث أولاها عنايةً خاصّة وعارض اختزاليّة المثاليين الذين يردّون الفرد إلى المطلق الواحد، والمادّيين الذين ينظرون إلى الفرد بما هو مجرّد تركيب مادّي.
نشر بانسن سنة 1877 كتابا موجزًا بعنوان «التّراجيديا بما هي قانون العالم» يعدُّ بمثابة مدخلٍ إلى فلسفته، ذلك أنّ رؤيته التّراجيديّة قائمة على الصّراع الدّاخلي للإرادة. يتمثّل الغرض الرّئيس لفلسفته التّراجيديّة في تحطيم الأوهام جميعها وإجبارنا على مواجهة واقع العالم القاسي، إنّها لا تحاول حمايتنا من أهوال الوجود من خلال الأوهام السارّة ولا تمنحنا ترياقًا ولا مهربًا من التّشاؤم. يرى بانسن أنّ ما يجعل فردًا مّا متشائمًا ليس مجرّد إدراك بؤس الحياة وتعذّر السّعادة، بل معرفة مدى مشقّة، بل استحالة بلوغ مُثُلنا في هذه الحياة، يعلم المتشائم جيّدًا أنّ آماله ومثله معرّضةٌ للإحباط والخيبة، وأنّه ليس في وسعه تحقيق بعضها إلّا من بعد مجالدة هائلة. لا يتخلّى المتشائم عن مثلهِ أبدًا ولا يصير كَلْبيًّا، بل يقف صامدًا ويقاتل من أجلها رغم إدراكه أنّ ذلك يقتضي التضحيّة والأسى. لقد تخلّى بانسن عن أخلاقيّات الرّكون والسّكينة والاستكانة التي بشّر بها شوبنهاور، واستعاض عنها بأخلاقيّات بطوليّة قوامها الكفاح والمكابدة.
يتألّف جوهر التّراجيديا حسب بانسن من حقيقتين أساسيّتين: تتمثّل الأولى في كون الفرد مرغمًا على الاختيار بين واجباتٍ متضاربةٍ وقيمٍ غير متكافئة، أمّا الثانيّة فتتمثّل في أنّ اختياره عائدٌ عليه بالوبال لامحالة، ذلك أنّ امتثاله لواجبٍ مّا أو لقيمة مّا يقتضي التضحيّة بالأخرى. يسعى البطل التّراجيدي دومًا إلى أداء واجبه ويكافح في سبيل العمل وفق مثله العليا، فيتعيّن عليه دفع ثمن نزاهته وشجاعته، ويضطرّ إلى السّقوط في الخطيئة التي تتمثّل في خرق قيمةٍ على حساب أخرى، أو تفضيل واجبٍ على آخر، لا يحول حضور النوايا الحسنة والضّمير المتّقد دون وقوعنا في الخطيئة التي تعود علينا بسوء المغبّة، لا يوجد حلّ عقلانيّ ولا تصوّر موحّد للحياة الطيّبة ولا قوانين أخلاقيّة مطلقة ولا معايير قويمة يخضع لها الفرد ويصرّف حياته وفقها، لذلك لا مناص له من الوقوع في مصيدة الأقدار المتقلّبة ولا فكاك له منها. إنّ رؤية بانسن التّراجيديّة مناقضة للرؤية المسيحيّة القائلة بوجود انسجام مؤسّس إلهيًا بين الفضيلة الأخلاقيّة والسّعادة الشخصيّة، والمبشّرة بالمطلق الأخلاقي حيث تكون واجباتنا الأخلاقيّة ومفاهيمنا عن الخير والشرّ واضحة ومتّسقة. إنّ الحقيقة بالنسبة إلى بانسن مخالفة لهذه الرؤية الإيمانيّة التقليديّة تمامًا، ذلك أنّه يقول بالنسبيّة المطلقة.
يرى بانسن أنّنا حين نتخطّى وهْم التّفاؤل ونمزّق خيوط حجب المايا كلّها، يمكننا عندئذ أن نتسلّى بالمأساة وأن ننعم بها رغم قتامتها، لكن كيف يكون ذلك ممكنًا؟ يقترح فيلسوفنا إمكانيّة التّسلّح بالفكاهة من أجل اقتناص بعض لحظات من الرّاحة، ينبغي أن نتعلّم الضّحك على أنفسنا حتّى نقف على عجزنا موقف المتفرّج الذي يرى القدر فاتكًا بالبطل، فيحزن لوهلة ثمّ يضحك هازلًا لعلمه باستحالة الخلاص، فتنقلب المأساة ملهاةً ولو للحظات معدودات. تُعدُّ الفكاهة في نظر بانسن استراحة محاربٍ تساعدنا على تحمّل ثقل الحياة وشدائدها وتجعلنا مستعدّين للمزيد منها.
جمعته بنيتشه الشاب علاقة فكريّة وإعجاب متبادل حيث تراسلا لفترة جاوزت العقد، عبّر بانسن عن إعجابه بكتاب (مولد التّراجيديا، 1872) وبالكتابين الأول والثاني من (تأمّلات غير موافقة للعصر، 1873-1847) وقال إنّه يجد فلسفتيهما متقاربتين رغم الاختلافات الطّفيفة، وبادله نيتشه الإعجاب كما يظهر ذلك من رسالة كتبتها أخته إليزابيث إلى بانسن نيابةً عن أخيها، إذ تقول: «كان أخي المسكين، البروفيسور د.نيتشه، شديد الكدر خلال هذا الشّتاء بسبب الصّداع ومشاكل العين إلى درجة أنّه مُنع من القراءة والكتابة. إنّه يشعر بالأسف باستمرار لهذا السّبب الذي حاله دون الرّدّ على رسالتك اللّطيفة والودودة. ومع ذلك فهو يأمل كثيرًا في عقد لقاء شخصيّ يجمعه بك قريبًا. (…) ينتمي أخي إلى أكثر قرّاء كتابك (علم الطّباع) جديّةً وابتهاجًا (…)» (مؤرّخة في 3 سبتمبر 1878). لكنّ إعجاب نيتشه لم يطل، فقد انقلب على بانسن مثلما انقلب على معظم من أثّروا فيه، ونعته في كتاب (العلم المرح، 1882) بالعجوز المتبرّم المهذار الذي أمضى حياته يطوف حول بؤسه «الدّيالكتيكي الواقعي» ونحسه الشّخصيّ. ورغم ذلك فقد استعان نيتشه بفلسفة بانسن على تجاوز الفلسفة الشّوبنهاوريّة وتطوير بعض أفكاره الرّئيسة مثل «إرادة الاقتدار» و«حبّ القدر Amor Fati».
يمكننا اعتبار يوليوس بانسن حلقة مُهمّة في تاريخ الفلسفة الألمانيّة الحديثة، ذلك أنّه لم يكن مجرّد تابع أو شارح لشوبنهاور أو لهيغل، بل إنّه صاغ تصوّرات لا تعوزها الأصالة، مثل «التّراجيديا الكونيّة» و«التّشاؤم البطوليّ» و«الدّيالكتيك الواقعي» و«التّناقض الذّاتي للإرادة» و«تعدّد الإرادات»، وكان صاحب نزعة فردانيّة تأبى الامتثال إلى الاختزالات الماديّة والمثاليّة. ومع ذلك فقد بقي اسمه منسيًّا ولم ينل مكانةً مرموقة في تاريخ الفلسفة الرّسمي، وظلّت أعماله حبيسة اللّغة الألمانيّة حيث تلقّفها قدرٌ حزينٌ يشبه قدر صاحبها.
ياسين عاشور: كاتب وباحث تونسي، مهتم بالشأنين الديني والفلسفي، مجاز في اللغة العربية وآدابها (2014) وحاصل على الماجستير في اختصاص الحضارة العربيّة (2018).
شكرًا جزيلا على النشر، نرجو أن تنتبهوا إلى أنكم تضعون صورة آرثر شوبنهاور بدل صورة يوليوس بانسن.