ليزا الخضر مميزة بطريقتها في الحياة والكتابة، لهذا لا بد من التحدث إليها قبل إجراء أي حوار صحفي لأنها سوف تخبرك بأسرارها الأدبية التي لن نكتشفها كلها أثناء قراءة أعمالها. إنها الشاعرة والروائية السورية ليزا خضر التي كانت روايتها (حائط الفضيحة) محاولة لكشف ما يخفيه الناس عادة، واستحقت الرواية أن تكون من الروايات الفائزة بجائزة كتارا في دورتها العاشرة عن فئة الروايات غير المنشورة، والتي أعلنت نتائجها في أكتوبر 2024.
*أخبرتني أنك كتبت الرواية في عمر مبكر جدا، كيف خطر لتلك الطفلة كتابة رواية؟ وهل نستطيع القول إن الأطفال كانوا يلعبون بالدمى بينما كنت تفضلين اللعب بالأقلام والأوراق؟
نعم، كنت طفلة انطوائية تقضي وقتها في غرفتها مسدلةً الستائر عما يحدث في الخارج، كانت هناك مكتبة كبيرة في بيتنا وكنت لا أرتوي من القراءة، كان والدي أستاذاً للغة العربية، وكنت في كل يومٍ أنتظر عودته إلى البيت ناظرةً إلى يديه وما تحملانه من قصص ومجلات، وفيما بعد صرت أقلّد ما أقرأه، أؤلف قصصاً قصيرة وأرفقها بالرسوم المناسبة، فيما كان أقراني يلعبون كنت أعيش طفولتي في عالم الخيال الموجود في الروايات والقصص، لدرجة أن رفاقي كانوا يطلقون عليَّ النكات بسبب تعلقي الشديد بالقراءة.
*هل نستطيع القول إن الميل الأدبي كان نتيجة القراءة المبكرة؟
دائماً تأتي الكتابة كفيض للقراءة، وهذا ما حصل معي، اكتنزت باللغة والعوالم وتولدت لدي الرغبة في الكتابة تلقائياً، صرت أقرأ كل الحوادث الحياتية حولي في المدرسة وفي البيت وفي الشارع على طريقتي الخاصة، فقد ينشأ بيني وبين الأشياء حوارات داخلية فأدخل بعدها حالة تدفعني إلى الكتابة.
*تقولين إن خلف طباعة كل كتاب مصادفة معينة، هل يعود السبب إلى أنه لم يراودك الحلم في احتراف الكتابة، وان المصادفة كانت وراء هذا القرار؟
كتبتُ مرة: «أكتب الشعر لأنجو فما أشد انسكاب الخمر في تأويل الحبر… أكتب لأترع لذتّي بالسلام وأذهب في صوفية البوح أدراج الخرافة»، وأعتقد أني عبّرت تماماً عما دفعني إلى الكتابة، لم أفكر يوماً بالنشر ولا باحتراف مهنة الكتابة وإنما بسبب تشجيع بعد الأصدقاء جرّبت النشر لأول مرة في 2014، وعندما لاقى كتابي صدى وازددت قرباً من الوسط الثقافي بأدبائه ورواده وجدتني أستمر برغبة وثقة ودائماً كنت ألقى التشجيع على الاستمرار, كما كنت في كل مرة أصادف فرصة للنشر تأتي دون حسبان.
*بدأت رحلة النشر مع الشعر، فهل جذبك الشعر أكثر من الرواية لأنك وجدت نفسك في الشعر أكثر من أي جنس آخر؟
الحق أني لم أفكر بتاتاً بأي جنسٍ أحب إلى قلبي، فأنا أدخل حالة الشعر فأكتبه، أو تولد قصة في خيالي تناسب الرواية فأكتبها، كما لم أفكر بأي الأجناس أجد نفسي أكثر، وإنما اللحظة هي من تقرر ومن ثم القارئ.
*لكن فيما بعد تفرغت لكتابة الرواية، فهل وجدت أن مرحلة الشعر قد أُشبعت؟ وأن الأفكار الجديدة التي تراودك بحاجة إلى مساحة سردية واسعة؟
لم أتفرغ يوماً لجنسٍ أدبي، فأنا ما زلت أكتب الرواية بالتوازي مع كتابتي لقصيدة النثر، والقصة القصيرة أيضاً، فهي كما سبق وذكرت حالة أجدها تناسب جنساً معيناً فأخوض غمارها.
*كتبت روايتك الأولى بطريقة المذكرات، وكتبت روايتك الثانية بضمير المتكلم أيضا. هل هذا يعود إلى أنك لم تتخلصي تماما من الأسلوب الشعري في التعبير عن الذات؟
ربما كنت في روايتي الأولى متأثرة بعشقي لأدب السيرة الذاتية وفيها لغة شعرية طاغية أكثر من روايتي الثانية والثالثة التي بين يدي حالياً، هو أسلوبُ شعريٌ يميزني ويصبغ كل ما أكتب ربما، نعم أعتقد أن طريقتي في كتابة قصيدة النثر صبغت أسلوبي الروائي نوعاً ما.
*روايتك التي نالت جائزة كتارا تدور عن الحرب في سورية، والمكان هو دمشق. هل كتبت الرواية لأن الأدب يوثق للأحداث الكبيرة بنزاهة لا يملكها التاريخ أو الإعلام؟ أو لأنك تريدين قول كلمتك في زمن عشت أحداثه الكبرى؟
أجد الرواية تاريخا مصغرا عن الفترة الزمنية لأحداثها، وواجب عليها أن توثق بنزاهة؛ فالشخوص في الرواية لا يعيشون حياةً معلبة وإنما حيواتهم معجونة بما يحدث حولهم، وهذا ما حدث مع شخوص روايتي فهي لم تستطع إغماض الفكر عما يحدث في البلد سِيّما وأن أحداثها في دمشق وأثناء فترة بدء الحرب تحديداً، وبرأيي أن ترصد الرواية الحدث من الداخل والخارج يعطيها شمولية وقوة أكثر.
*حدثينا عن الحائط في رويتك (حائط الفضيحة) وما الفضائح التي كتبتها عليه؟
حائط الفضيحة هو حائط في دمشق يكتب عليه العشاق رسائلهم، والأولاد كلماتهم الطفولية، والبائسون كلمات سخطهم، والغاضبون مسباتهم، كما كتبت بطلة روايتي عليه سرّها الذي حملته وعذبها ولم تقله إلا لحائط الفضيحة.
*****
ليزا الخضر: أكتب الشعر لأنجو، لأترع لذتّي بالسلام؛ حاورها أنور الشمالي
الكاتب السوري سامر أنور الشمالي
