حواراتفضاءات

أحمد الحجري: القصّة القصيرة بوابة الدخول إلى عالم السَرد | حاوره: سامر أنور الشمالي

نالت مجموعة (وجه رجل ميت) للقاص العُماني أحمد الحجري جائزة أفضل إصدار في مجال القصة القصيرة لعام 2022 في الدورة الثالثة عشرة من الجمعية العمانية للكتّاب والأدباء، وهي جائزة تشمل أجناسا أدبية أخرى كالرواية، والشعر الشعبي، والدراسات الأدبية، والكتب الفكرية، وذاكرة المكان العُماني.

وقد حاورنا القاص أحمد الحجري الذي يكتب القصة القصيرة التي تميزت في السياق الأدبي العماني، إضافة إلى مشاركته في القراءات النقدية في الإذاعة، وتقديم ورش الكتابة في المدارس، وذلك في مجالات السرد.

حول المسيرة الأدبية لأحمد الحجري وحول مجموعته القصصية (وجه رجل ميت) الفائزة كان هذا الحوار.

*معظم الأدباء يتجهون إلى الرواية حتى كتّاب القصة أنفسهم باتوا يفضلون كتابة الرواية بينما تتجه إلى كتابة القصة القصيرة. ماذا جذبك إلى عوالمها؟.

أعتقد أن القصة القصيرة بوابة الدخول إلى عوالم السرد بأنواعه المختلفة، ولذا نجد أن معظم الكتّاب يبدؤون مشوارهم الأدبي بالتجريب في الكتابة القصصية، وقد يظلون في هذا الجنس الأدبي لا يحيدون عنه إما إخلاصا له، أو عدم الرغبة في تجريب الأنواع السردية الأخرى مثل الرواية، أو انطلاقا من رؤية داخلية أو وعي فكري في التماهي مع جنس أدبي دون آخر، ولدينا في عُمان كتّاب أخلصوا للقصة القصيرة منذ أن بدؤوا بكتابتها لأول مرة، ولم يحيدوا عنها إلى نوع أدبي آخر، خذ مثلا القاص والأديب العماني (يحيى بن سلام المنذري) الذي كتب القصة القصيرة منذ ثمانينيات القرن الماضي وإلى آخر مجموعة قصصية “وقت قصير للهلع” التي صدرت قبل شهرين تقريبا، في مقابل ذلك نجد أن هناك كتّابا آخرين جعلوا فن القصة القصيرة قنطرة إلى الفن الروائي، وهناك من راوح بين الفنين القصصي والروائي، كل ذلك موجود في الساحة الأدبية، بالنسبة لي فقد كتبت القصة القصيرة منذ أيام الدراسة في المدرسة، وأنا شغوف بهذا الفن الذي يعتمد على الاختزال والتكثيف ورسم صورة دقيقة للمشاهد والأحداث السردية، كما يبدو فيه توظيف التقنيات السردية أشبه بلعبة البازل التي ينبغي إجادة صنعها وتوظيفها داخل نسيج القص. القصة القصيرة تحتاج إلى تروٍ وتفكير وتأمل هادئ وإعمال للذهن وهو ما يناسب تماما ظروفي السابقة، ولذلك كتبت القصص في فترة زمنية متباعدة. 

*كتبت مجموعتك القصصية (وجه رجل ميت) خلال عشر سنوات، وهي مدة طويلة لكتابة تسع قصص! أي أنك تحتاج إلى أكثر من عام واحد لكتابة قصة قصيرة. هل تجد أن كتابة القصة القصيرة تستحق كل هذا الوقت حتى تكون قصة جيدة؟

لا ليس بالضرورة، قد يكتب الأديب رواية أو مجموعة قصصية كلّ عام أو عامين، وقد يتوقف فترة زمنية طويلة جدا حتى يقرر كتابة مجموعة قصصية أخرى، وقد يكون الكاتب مُقلا في الكتابة القصصية أو حتى الأعمال الأدبية الأخرى فلا ينشر إلا عملا أدبيا واحدا، كل ذلك موجود سواء في تراثنا الشعري والأدبي قديما أم في هذا العصر، ولعلّنا جميعا نتذكر الروائي السوداني الطيب صالح عبقري الرواية العربية الذي كتب رائعته (موسم الهجرة إلى الشمال) وبعض الروايات القصيرة التي تُعدّ على أصابع اليد، ومع ذلك تعد روايته ضمن أجمل مائة رواية عربية، ودخلت في تصنيف أجمل الروايات في تاريخ الإنسانية. وإذن ليست العبرة بالكم وعدد الإصدارات، وإنما الأمر برمته متعلقٌ بنوعية الأدب الذي يقدم للقارئ. أنا أؤمن أن الكتابة الجادة تحتاج إلى كدّ ذهني عالٍ، وإلى صفاء عقلي، وراحة نفسية، وهدوء وصبر وتأمل طويل؛ ولذا كنت في معظم الأحيان غير مستعجل في كتابة القصص، فقصة مثل (مقبرة الحكمة) وهي القصة الأولى في المجموعة ظلت في ذهني خمس سنوات، أراجع فيها نفسي وأقلّبها في عقلي قبل أن أقرر كتابتها بالشكل الذي ظهرت به، في مقابل ذلك كتبت ثلاث قصص في المجموعة في فترة قريبة جدا لا تتجاوز الشهر. فهناك ظروف متعددة ومختلفة هي التي تتحكم أحيانا في كثرة أو قلّة نتاج الكاتب، وهذا ليس بالضرورة مما يقع على الجميع، أو يحدث لهم، فليس من المحتم أن يظل الأديب سنوات طويلة ليخرج لنا عملا أدبيا فارقا، وإذا كنا ضربنا مثالا سابقا على الأديب السوداني (الطيب صالح) فإننا نضرب مثلا آخر على الوجه المقابل لذلك- والذي يتسم بكثرة الإنتاج وتميزه- مع مواطنه الأديب السوداني (أمير تاج السر) الذي يكاد ينشر عملا روائيا أو سرديا كل سنة تقريبا، ومع ذلك يقدم روايات متميزة، وعدد منها ترشح للقوائم الطويلة أو القصيرة للبوكر العربية. الأمر برمته يرجع لشخصية الكاتب وظروفه وطبيعته البيولوجية والسيكولوجية، وإلى عوامل وظروف قد لا تكون ظاهرة للآخر.

*منذ العنوان (وجه رجل ميت) نجد الحضور الطاغي للموت في معظم قصص أحمد الحجري، وأنت الذي لم يكتب تلك القصص في خريف العمر؟

هذا ما اكتشفته لاحقا، هذه القصص كتبت في فترة زمنية متباعدة وطويلة، لكنني حين قررت ضمها في كتاب ونشرها، تفاجأت من حضور ثيمة الموت في معظم القصص! فالموت جاثم بكليته في معظم القصص حتى في القصة التي تبدو ظاهريا قصة حب رومانسية، في الحقيقة ليس لدي سبب محدد وواضح لِمَ حدث ذلك، ولِمَ شكّل الموت الثيمة الكبرى للمجموعة منذ العنوان الذي اخترته لها، لعلّ ذلك يعود إلى أحداث مترسخة في العقل اللاواعي منذ الطفولة والمراهقة ثم تسرّب لاحقا في نسيج القصص، ولعلّ انقطاع الماء من الفلج وهو شريان الحياة في القرى الريفية هو السبب في ذلك، ولعلّ مشاهد التصحر والجفاف في القرى والبلدات الداخلية في عُمان هو العامل في انبثاق شبح الموت الذي تتدثر به معظم قصص المجموعة، كل ذلك وارد، لكن ما أعرفه أنني لم أتعمد ذلك في البداية، لكنه ظهر لاحقا حين جمعت القصص بين دفتي الكتاب.

*قد ندهش لوجود أطفال يقومون ببطولة قصص (وجه رجل ميت)، وهي قصص سوداوية بامتياز. لماذا استدعيت الأطفال في هذه المجموعة؟

يبدو لي عالم الأطفال عالما مثيرا ومدهشا، أستطيع أن أعبر من خلالهم عن كل المشاعر والانفعالات والأحلام والآمال، بل والأفكار والرؤى التي عند الكبار لكن بصور أكثر صفاء وحيوية وتدفقا. هناك ثلاث قصص في المجموعة أبطالها أطفال هي: “مقبرة الحكمة”، و”لم يكن في الحقيقة مجرد خيال”، و”حين يموت النخيل”، ورغم الكآبة والسوداوية وشبح الموت المتربع على بعضها تبقى الطفولة في نظري هي الخلاص، وهي الأمل في حياة أفضل.

*كيف تقيم واقع القصة القصيرة في عُمان مقارنة مع القصة العربية؟

أعتقد أن القصة القصيرة في عُمان شهدت تحولات جذرية وتطورات ملحوظة من حيث الموضوعات والثيمات والبناء الفني.. خاصة في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كما شهدت تراكما كميا من حيث عدد الإصدارات، وتوجت تلك المرحلة بفوز القاص والإعلامي (سليمان المعمري) بجائزة (يوسف إدريس) للقصة القصيرة عن مجموعته القصصية “الأشياء أقرب مما تبدو في المرآة”، لكن بعد ذلك يبدو أن السنوات الأخيرة شهدت تراجعا ملحوظا في عدد الإصدارات القصصية دون أن يعني ذلك تراجعا من حيث القيمة الفنية أو نكوصا في مستوى البناء أو الحبكة أو التقنيات أو جودة السرد بشكل عام، ويرجع ذلك في نظري إلى عدد من الأسباب والظروف أبرزها هجرة عدد من الأقلام القصصية العمانية إلى عالم الرواية، وعدم عودتهم إلى الكتابة القصصية مرة أخرى، وهناك سبب آخر يعود إلى توقف بعض الكتاب عن الإنتاج القصصي لسبب أو لآخر، كما فقدت الساحة الأدبية العمانية واحدا من أبرز أعلامها في كتابة القصة القصيرة والذي ساهم بشكل ملحوظ في تطورها بعيدا عن اللغة الشعرية التي طبعت مرحلة التسعينيات أقصد الطبيب والقاص العماني البارز (عبد العزيز الفارسي) الذي انتقل إلى رحمة الله بعد صراع مرير مع المرض، وكان قد رفد السرد العماني بعدد مهم من الإصدارات القصصية المتميزة مثل “لا يفل الحنين إلا الحنين” و”أخيرا استيقظ الدب” و”الصندوق الرمادي”… إلخ.

*الأدب في عُمان غير منتشر عربيا كما ينبغي، كيف تجد السبل للتواصل لاسيما ونحن في زمن الانترنيت؟

ربما كان هذا الحكم صحيحا قبل بضع سنوات، لكن اليوم وفي ظل الاعتراف العربي والعالمي بالأدب العماني، وبالشعر والرواية على وجه الخصوص، صار أكثر انتشارا ومقروئية، فقد شهدت السنوات القليلة الماضية، فوز جوخة الحارثي بالجائزة العالمية للرواية (البوكر) عن روايتها المترجمة إلى اللغة الإنجليزية (سيدات القمر) كما تأهلت رواية (دلشاد) للروائية العُمانية بشرى خلفان إلى القائمة القصيرة للبوكر العربية قبل أن تفوز بجائزة كتارا للرواية العربية، وحقق بعض الشعراء والكتاب العمانيين مراكز متقدمة في المسابقات الأدبية العربية، كل ذلك جعل الأدب العماني يحجز لنفسه مقعدا متقدما على المستويين العربي والعالمي، وذلك يعني زيادة كبيرة في الالتفات إليه وقراءته والاشتغال عليه نقديا.

أحمد الحجري (facebook.com)

خاص قناص

مجلة ثقافية تنفتح على أشكال الأدب والفنون في تَمَوجها الزمني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى