- مدينة قذرة:
لأنني فان، مثل غراب أو دودة، وأنني آيل إلى الزوال مثل قطعة خشب أو قصيدة، صرت أصْدع بحبك أيتها المدينة المخاتلة التي تنهشني مناقيرها على طبق من حماقة مكشوفة وأعياد فضائحية.
لأن القدرة الإلهية قد جعلتني أتبخر بعد الماء وأنصهر بعد النار وأتفتَّتُ بع الفولاذ، أحببتك أيتها المدينة. أيتها المرقشة بالوحل والنميمة، أيتها البيضة الجحيمية المخفوقة في الأسيد الحارق وفي حمم البركان العصبي.
لأنني أطير على سَجادة العدم، وأقع على لذعة السراب، وأعرف حدقتيك المحروقتين وغمازتيك المريعتين، أصبحتُ مثل فراشة نزقة تحترق في نار الينبوع الأزلي، مصممةٍ على أن تولد مرتين وأن تتخلص من عباءة ألوانها البراقة، منسلخة عن شكلها الثقيل.
٢. قرية مستنفِرة:
كل شيء هناك متوتر كقوس الحقيقة أو منجل الرماد. العصافير تتلفَّتُ كصدفة مجنونة. الغربان تقرأ في فطنة البرق كتاب الأشواق الآفلة. البِرسيم البريُّ ينحاز للعريِ المعتق والمطر المُضْمرِ بعيدا في الأعالي. الفصول حكيمة ومتلاشية لأنها بلا عرش ومع ذلك متآخية كأنها في صلاة سرمدية. البحر خافت في عريه ونواسه ومراكبه وصياديه. السماء تحتطب من روحها المترعة بالخصب القادم.
أمّا شجرة الرمّان التي تتنزَّه في قلبي، المائلة على أشواقي، الماثلة في بؤبؤ عيني، فهي وحدها الطائر الحزين، راعفة بالحنين والذكرى، مسرفة في العزلة، تشطرني نصفين، لكي أتقاسم معها الفاكهة المحرَّمة والنبيذ المقدس.
من المجموعة الشعرية: أتبعُ وعْلَ الشاعر
صالح العامري؛ شاعر عُماني. صدر له: “مراودات”؛ شعر، “خطاط السهو”؛ شعر، “مثل يَنبوع معتكف في قلب الشاعر”؛ أنطولوجيا شعرية، “منتخبات شعرية عمانية”، “سلالم صوب الولع”؛ شذرات وتأملات ومقالات ونصوص سردية، “ظل يهوي معبأ بالضحك يليه وجه القبلة”؛ شعر، “بريد الغابة و حيوانات أخرى”، “فِرْجار الراعي: تفرسات في الشهوة والجرح والرذاذ والمشائين والأشجار الكثة”، “منطاد دائخ”؛ شعر، “أتبع وعل الشاعر”؛ شعر