أخبار ثقافية

معرض فرانكفورت الدولي للكتاب 2024: تُرى.. ما هي الحياة الجيدة؟

الأدب كان التيمة الأكثر حضورًا في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب بعد أن تصدرت الحروب والسياسية المشهد الحياتي الواقعي، فربما كان الأدب ملاذًا!

معرض فرانكفورت الدولي للكتاب 2024

تقديم وترجمة: شيرين ماهر  

على الرغم من هيمنة أجواء الحرب في الشرق الأوسط على معرض فرانكفورت للكتاب هذا العام، استطاع الأدب أن ينغمس في الواقع وينأى عنه في آن واحد بطرق عديدة وصولاً إلى العديد من التقاطعات التأملية التي تُطل على الحياة من نافذة أرادت أن تقول شيئاً بمعزل عن الضجيج!

انطلق معرض فرانكفورت الدولي للكتاب هذا العام خلال الفترة ما بين 16 و20 أكتوبر، ويعد أحد أهم معارض الكتاب في العالم قاطبة، إذ يضم أكثر من 7500 دار نشر، وهو بمنزلة أهم التظاهرات الثقافية ومنتدى للقاء آلاف المثقفين والكُتاب لمناقشة الكثير من القضايا الثقافية والسياسية الساخنة… تُرى، كيف بدا الأمر في معرض فرانكفورت للكتاب هذا العام؟ لقد كانت تيمة الحديث الرئيسية عن الأدب والكتب الجديدة الصادرة في خريف هذا العام. العديد من المؤلفين كانوا ضيوفاً في جناح صحيفة «دى تسايت/ Die Zeit» في المعرض، وتحدثوا عن مؤلفاتهم التي كان من بينها ما حصد جوائز مرموقة خلال الشهور القليلة الماضية. وهناك من تحدث عن تجربته الأولى في الكتابة الإبداعية، ولوجًا إلى ممرات حياتية أكثر عمقاً. وهناك روائيون بارزون قرروا التقاط الأنفاس على ربوة أعمال جديدة باعتبارها رحلة لسبر أغوار النفس والذات. ومن بينهم أيضًا من عاود استئناف بعض المشاريع المؤجلة وقدم لجمهوره أجزاء جديدة طال انتظارها، استكمالاً لسلاسل أدبية شهيرة سابقة. بالطبع لم تغب السياسة عن الساحة، لكن الأدب كان التيمة الأكثر حضورًا بعد أن تصدرت الحروب والسياسية المشهد الحياتي الواقعي، فربما كان الأدب ملاذًا!

في أجواء من المغامرة والحماس، تحدثت الروائية الألمانية كورنيليا فونكه، مؤلفة كتب الأطفال والشباب الشهيرة، عن استمرارها المدهش في كتابة ثلاثيتها (قلب الحبر) وصدور الجزء الرابع منها الذي طال انتظاره تحت عنوان: حبر العالم 4: لون الانتقام/ Tintenwelt 4. Die Farbe der Rache. وهي إحدى أقوى سلسلة كتب المغامرات والخيال، حيث تقول فونكه إنها استأنفت الكتابة مرة أخرى في ثلاثيتها بعد توقف دام فترة طويلة، وتابعت ضاحكة: لقد كان الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أن أبطالي كانوا جميعًا على ما يرام– لكنني عُدت، ثم أفسدت الأمر مرة أخرى. وتابعت: كان لدي شعور إنني سأعود، لكي تحدُث أشياء كارثية من جديد.

وفي مداخلة أخرى، يقول المؤرخ النمساوي البارز كارل شلوجل، الخبير في الشؤون الروسية الأوكرانية، عن كتابه الجديد «المصفوفة الأمريكية/American Matrix»: «لم أكن أنوي أبداً أن أكتب كتابًا عن أمريكا». يعد كتاب شلوجل عن أمريكا بمثابة مفاجأة، حيث يتحدث عن عوالم الولايات المتحدة الخفية، رغم كونه سافر إليها مرات عدة، قائلاً إنه حاول «قراءة وتفسير الطبيعة المكانية الأمريكية»، مضيفًا أن كتابه يلقي «نظرة جانبية» على الولايات المتحدة. ويعد كتابه «نِتاجاً لرحلة من الشغف على مدار حياته. وهي رحلة سوف تستمر- على الرغم من وجود ترامب»- بحسب قوله.

عندما تكون الكتابة شهقة عميقة نأخذها على مهل.. هكذا يصف الكاتب الألماني توماس هيتشي روايته الجديدة «النجوم الغارقة/Sinkende Sterne»، حيث قرر بطل الرواية، الذي يحمل اسم «هيتشي» أيضًا السفر إلى مدينه فاليه السويسرية، لأنه يريد بيع منزل العائلة بعد وفاة والده. يقول الروائي هيتشي: أردت فقط أن أقوم بتأليف كتاب أكثر انغلاقاً على الذات. أحببت حياكة هذا العمل من أجلي، كي أفكر ببساطة في إمكانيات السرد الخاصة بي.

أما الكاتبة الصحفية الألمانية أليس هاسترز تقول عن كتابها الجديد «أزمة الهوية/Identitätskrise» إن المجتمع بات يعيش أزمة من هذا النوع، حيث أصبحت الهوية اليوم تشكل أهمية بالغة داخل «الأنظمة الرأسمالية الديمقراطية»، ولهذا السبب صارت الهوية محور العديد من المناقشات الراهنة، لدرجة أن بات «يقع على كاهلنا حالياً مهمة البحث عن الهوية من جديد وكأنها قضية آنية وليست ماضية».

تحدث الكاتب الألماني من أصل إيراني نافيد كرماني عن روايته الجديدة وعنوانها «الأبجدية إلى حرف إس/ Das Alphabet bis S.». وهي الرواية التي طال انتظارها من قِبل القراء، حيث يجعل كرماني من بطلته نقطة ارتكاز للعديد من الاسقاطات؛ كاتبة في ذروة نجاحها وفي نفس الوقت تمر بأدنى لحظات حياتها: فشل زواجها، وموت والدتها، وفجأة تصبح مسيرتها كشخصية عامة موضع تساؤل. يربط كرماني، بذكاء مُتقِد، في روايته بين الأسئلة الوجودية المتعلقة بالحياة، والحرب، والفناء، والخسارات ومعظم الأمور اليومية.

ثم يأخذنا الكاتب البلغاري جورجي جوسبودينوف في جولة مع روايته «ملجأ الزمن/ Zeitzuflucht»، والتي حصدت جائزة البوكر الدولية لعام 2023، إذ تتلاعب الرواية – كما يوحي عنوانها – بالعديد من الأفكار المتعلقة بالزمن. يقول جوسبودينوف: «عندما نعاني من ضحالة الفرص المتاحة في المستقبل ونعيش في زمن كالحاضر الذي نعيشه حاليًا، فمن الطبيعي أن نبحث عن ملجأ في الماضي نأوي إليه كملاذ أخير». يرتكز جوسبودينوف في روايته على انتشار مرض الزهايمر، ليتجرد الناس من ذكرياتهم، بحيث يصبح الماضي ليس موطنهم، بل الحاضر وكيفية التعاطي معه، مع أن الشيء الوحيد المتاح والذي يمكن القيام به في مثل هذه الحالة هو انشاء مساحة متزامنة مع زمنهم الداخلي.

من داخل ردهة التاريخ وأسراره التي تُحرِض على التساؤل، تحدث الكاتب والروائي المسرحي الألماني، الأكثر مبيعًا، دانييل كيلمان، عن روايته التاريخية الجديدة «لعبة بسيطة/ Lichtspiel» المكونة من 500 صفحة. والواقع إن روايته الجديدة بمنزلة عمل رائع يجسد كواليس الفشل الأخلاقي، مما يجعلها عالقة في الأذهان كعادة أعماله. وكانت الشخصية الرئيسية في عمله الجديد تدور حول المخرج السينمائي النمساوي جورج فيلهلم بابست، المعارض النازي الذي ذاع صيته خلال حقبة جمهورية فايمار، والذي استخدمته صناعة السينما الألمانية في «الرايخ الثالث». لقد انتقل بابست إلى الولايات المتحدة، واستقر في هوليوود. والسؤال المُلِح الذي دارت حوله الرواية: لماذا ترك بابست هوليود وعاد إلى «الرايخ الألماني» في عام 1939 وصنع أفلامًا تحت الحكم النازي؟ يشرح كيلمان الملابسات التي عاشها بابست، قائلا: «في سلسلة من الخطوات الصغيرة، والتي لا يزال كل منها مفهومًا إلى حد ما، انتهى به الأمر بالعودة إلى الرايخ الثالث». وأضاف: «كانت الدولة الشمولية آنذاك تزحف إلى كل صدع». والواقع أن كيلمان أراد بهذا الاستدعاء التاريخي خلق اسقاط يقدم به رسالة للحاضر.

وحول ذكاء الربط بين المنهجية النظرية والعملية، ناقش عالم الاجتماع الألماني أرمين ناصحي في كتابه الجديد «المصطلحات الاجتماعية الأساسية/ Gesellschaftliche Grundbegriffe» قرابة 19 مصطلحًا ودورهم في الخطاب العام، شارحاً المفاهيم الاجتماعية الأساسية المركزية في حياتنا اليومية: ماذا يعني عندما نتحدث عن الديمقراطية والحرية والمساواة/عدم المساواة والهوية والأزمة والاغتراب؟ جميع هذه المصطلحات لها أساس في سياق أكاديمي، ولكنها طَورت، منذ فترة طويلة، سياق خاص بها في المناقشات العامة من خلال استخدامها العملي. ومن ثم، يكون لها تأثير على الاستخدام الأكاديمي للمصطلحات.

وعن تيمة «العلاقات الاجتماعية وتأثيراتها المتشابكة» ركزت رواية الكاتبة المجرية تيريزيا مورا الأخيرة التي حملت عنوان «مونا أو نصف الحياة/ Muna oder Die Hälfte des Lebens» على إشكالية العنف في العلاقات. وتعد مورا واحدة من أهم الروائيين في العصر الحديث. وحصلت على جائزة جورج بوشنر، وجائزة الكتاب الألماني، وجائزة معرض لايبزيج للكتاب. صدرت روايتها في نوفمبر 2023 ورُشِحَت لجائزة الكتاب الألماني. تدور أحداث الرواية في السنوات الأخيرة لجمهورية ألمانيا الديمقراطية. وقد استخدمت المؤلفة ضمير المتكلم في متن الرواية، حيث تقول مورا على لسان بطتها: «كلنا لدينا ذلك الصديق الرائع، الذي دائمًا ما يتخذ القرار الخاطئ عندما يتعلق الأمر بالعلاقات». إنها قصة (الخذلان) التي لا تتقادم أبدًا».

التجارب الأولى ربما كانت ناضجة بما يكفي، إذ تُحدِثنا الكاتبة الألمانية الشابة إيلينا فيشر عن روايتها الأولى «حديقة الجنة/Paradise Garden» التي رُشِحَت ضمن القائمة الطويلة لجائزة الكتاب الألماني لهذا العام. ففي الرواية، تنطلق البطلة الشابة في رحلة بحث عن والدها المجهول، إذ تكرس الرواية لعدة تساؤلات تتعلق بمرونة العلاقات الاجتماعية وقوة السرد وتأثير الطبقات وقضايا التهميش. كما حظيت الرواية بإشادة نقدية واسعة، لتصويرها المكثف لملابسات رحلة البطلة وتفاصيلها المجتمعية الدقيقة. وتقول فيشر: «كان من بين الأسئلة التي استوقفتني أثناء كتابتي الرواية: تُرى.. ما هي الحياة الجيدة؟، ووجدت أن الرواية تفتح للقارئ سبيله الخاص، كي يجيب على هذا السؤال بعناية».

وبالطبع لم تخلُ الأجواء من الحديث عن السياسة، حيث تناول المؤرخ الألماني أندرياس رودر في كتابه «السلام المفقود/Der Verlorene Frieden» قضية الصراع بين الشرق والغرب وكوننا نعيش الآن أحد أشكال الحرب الباردة، متطرقاً إلى نقطة التحول التي بدأت في عامي 1989 و1990، ألا وهي، بداية إقامة عصر النظام العالمي الليبرالي. لكن هذا النظام الآن راح يتداعى، مُتحدثاً عن فرص السلام الضائع والبدائل المتاحة خاصة وأن العالم راح يتجه نحو فوضى عارمة وصراع جديد قد ينشب بين عشية وضحاها بين الشرق والغرب.

***

معرض فرانكفورت الدولي للكتاب 2024

شيرين ماهر؛ مترجمة ومحررة صحفية من مصر

معرض فرانكفورت للكتاب

قنّاص – متابعات ثقافية

المحرر المسؤول: زاهر السالمي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى