التاريخ كوقائع ومصائر، كأحداث متسلسلة كما كتبها المؤرخون عبر العصور أو كمدونات متداخلة ومتشابكة، سواء كتبه المنتصر أو المهزوم، يبقى الوعي الكامل بالأحداث وفهم السياقات بشموليتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية هي العصارة التي تنتج لنا فهماً عميقاً بمساراته المتشعبة وتملأ حلقاته المفرغه…
صدر حديثاً عن دار رياض الريس للكاتب والباحث العماني محمد اليحيائي والذي هو في الأساس رسالة دكتوراة، كتاب (نظام الحكم في عمان، من إمامة الانتخاب إلى السلطنة الوراثية)، ناقش في 500 صفحة تقريباً من القطع الكبيرة، الملامح المبكرة للدولة والحكم في عمان قديماً والتحولات العديدة التي عرفها نظام الحكم على مدى أكثر من ثلاثة قرون.
تطرق الكاتب في مقدمة الكتاب شارحاً ومفصلاً إلى الدراسات العربية (المحلية منها/العمانية) والأجنبية التي بحثت في التاريخ العماني والتي استفاد منها في بحثه، سواء شِق التاريخ السياسي منه أو بعض الأحداث المهمة التي ساهمت في فهم مسار الإمامة ونظام الحكم، كما بين مكامن الضعف في بعض الدراسات والأخطاء التي وردت فيها.
يأخذنا اليحيائي بشرح مفصل في ثمانية فصول، ابتداءً من نظام الحكم في عُمان قديماً قبل وبعد دخول الإسلام، مروراً بالمنطلقات والقواعد المؤسسة التي نشأت بعد الحركة الإباضية ومسألة الحكم عندهم ومبدأ الشورى الذي نص عليه القرآن الكريم (وشاورهم في الأمر) وشروط الإمامة.
في الفصل الثاني والثالث يذهب الكتاب إلى نشوء الدولة اليعربية بين مرجعية المذهب وتأثير القبيلة ومؤسسات الحكم لدى اليعاربة، والدور الذي قام به ناصر بن مرشد في توحيد البيت العماني لطرد المحتل البرتغالي وإنهاء حالة الفرقة، و كيف انتهى حكم اليعاربة.
أما في الخمسة فصول الأخيرة من الكتاب، فيفند الباحث ظهور الدولة البوسعيدية وظهور مؤسس الأسرة البوسعيدية أحمد بن سعيد وتعدد الآراء حوله والاضطرابات التي ظهرت في فترة حكمه والعلاقات مع القوى الأجنبية، خصوصاً مع هولندا وفرنسا وبريطانيا، والصراع على الحكم والتحديات التي واجهت حكام أسرة البوسعيد والتي تجلت في المحاولات العديدة في استرجاع الإمامة والصراع داخل الأسرة نفسها وظهور النفط والحدث الأخير والذي تمثل في سقوط آخر حكم للإمامة بمغادرة الإمام غالب بن علي الهنائي عمان بعد حرب الجبل إلى المنفى عام ١٩٥٩.
تشكل هذه الدراسة إضافة مهمة لفهم المسارات التي مرت بها عمان عبر التاريخ، وهي من الدراسات النادرة التي ناقشت التحولات في نظام الحكم العماني بشمولية، والتي تمثلت في مستوياتها الثلاث، من إمامة الإنتخاب ومن ثم الإمامة الوراثية إنتهاءً بالسلطنة الوراثية، وكما جاء في الكتاب:
“حتى الحادي عشر من يناير عام 2021، كان نظام الحكم في عمان هو نظام الحكم الوراثي الوحيد في العالم الذي لم يعترف بالتوريث على مستوى التشريع، ولم يكن هنالك ولاية للعهد معترف بها على مستويي التسمية والمأسسسة، رغم أن الحكم السلالي الوراثي في عمان مستمر منذ عام 1624”.
محمد اليحيائي؛ كاتب وصحفي عماني، صدر له: “خرزة المشي”؛ قصص، “يوم نفضت خزينة الغبار عن مناماتها”؛ قصص، “طيور بيضاء، طيور سوداء”؛ قصص، “حوض الشهوات”؛ رواية، “الباب والنافذة”؛ قصص، “نزهة مارشال”؛ قصص.