حوار هدى مرمر
حازت رواية الكاتب الجزائري سعيد خطيبي (مواليد 1984) « نهاية الصحراء » (دار هاشيت أنطوان/نوفل 2022) على جائزة الشيخ زايد للكتاب عن فرع المؤلف الشاب في الدورة السابعة عشر 2023-2022.
وبحسب لجنة الجائزة: يمتلك العمل أصالة في الأسلوب، وفي التكنيك الروائي القائم على التشويق، من حيث تنسيق الأحداث وترتيبها وتصاعدها. ينتمي هذا العمل إلى الرواية البوليسية التاريخية النادرة في الأدب العربي المعاصر والتي تخاطب جيل الشباب. تميز النص باللغة السردية المتقنة، المتدفقة دون انقطاع أو إرهاق للقارئ.
هنا حوارٌ مع سعيد الخطيبي الفائز بجائزة الشيخ زايد للكتاب عن روايته « نهاية الصحراء »:
سعيد خطيبي: رواية نهاية الصحراء محاولة لفهم التّرسبات ما بعد الكولونيالية وانعكاساتها على الفرد وعلى التّاريخ المعاصر في الجزائر. محاولة فهم نظرة أجيال ما بعد الاستقلال إلى ماضي الآباء.
*ماذا أضاف لك فوز « نهاية الصحراء » بجائزة الشيخ زايد فرع المؤلف الشاب في الدورة الحالية 2023؟
أفرحني جداً تتويج الرّواية، لا سيما أنني قضيت ثلاث سنوات كاملة، في الاشتغال عليها، بدوام شبه يومي، في استعادة ذلك التّاريخ المشتعل الذي عرفته الجزائر عقب الاستقلال، عن جيل ما بعد 1962 الذي ولد من الحلم لكنه وجد نفسه إزاء طريق مفروشة بالخيبات. أسعدني الخبر كثيراً وأشعرني بمزيد من المسؤولية تجاه الكتابة. جائزة الشّيخ زايد للكتاب لها مكانة مرموقة وتتحلّى بالنّزاهة والمصداقية، كما إن خلفها لجان تحكيم. لجان أثبتت صرامتها وصدقها وانفتاحها في التّعامل مع الإبداع. بالتّالي فإن الكاتب يجد نفسه إزاء نقّاد، لهم رأي وازن.
*كيف اختلفت تجربتك الكتابية في «حطب سراييفو» عنها في « نهاية الصحراء »؟
«حطب سراييفو» و « نهاية الصحراء » روايتان مختلفتان، مع أنّهما تصبّان في نهر واحد: محاولة فهم التّرسبات ما بعد الكولونيالية وانعكاساتها على الفرد وعلى التّاريخ المعاصر في الجزائر. في مساءلة مُخرجات الاستقلال أيضاً وما ترتب عنه من أحلام ومن خيبات. الرّواية الأوّلى كتبتها ضمن مقارنة تاريخ الجزائر مع تاريخ آخر مُشابه له؛ هو تاريخ البوسنة والهرسك. أما الثّانية فكتبتها ضمن محاولة فهم نظرة أجيال ما بعد الاستقلال إلى ماضي الآباء.
سعيد خطيبي: كتبت حطب سراييفو ضمن مقارنة لتاريخ الجزائر مع تاريخ آخر مُشابه له؛ هو تاريخ البوسنة والهرسك.
*ماذا عن البدايات في الكتابة والمسودة الأولى؟ متى شعرت بحتمية نشر كتابك الأول؟
قبل أن أكتب روايتي الأولى (كتاب الخطايا) وأنا في الثّالثة والعشرين من عمري، قضيت سنوات مترجماً. أذكر أنني ترجمت (التّلميذ والدّرس) لمالك حداد، على كراسة مدرسية، من غير أن أعلم أنّها كانت مترجمة. أعجبت بتلك الرّواية وترجمتي لها كانت أشبه بمحاكاة لذلك الكاتب. وددت أن أكتب مثله. فعلت الشّيء نفسه مع رواية (الغريب) لألبير كامو. كنت أعيد كتابة الرّواية التي أحبّها بترجمتها إلى العربية في كراريس مدرسية. ولم تصدر ترجمتي الأولى في كتاب سوى بعد سنوات من تلك المرحلة، فأصدرت ترجمة لأعمال كاتب ياسين الشّعرية. ثم توالت التّرجمات. القراءة كانت عتبة أولى صوب الكتابة. فحياتي الأولى كانت كقارئ ومترجم. التّراكم – على الرّغم من حداثة السنّ حينذاك – ساقني إلى الكتابة. عندما أنهيت باكورتي الرّوائية ظلّت محفوظة في اللابتوب بضع سنوات. لم يطلّع عليها سوى بعض الأصدقاء. حدث أن همس أحدهم إلى ناشرة أنني أمتلك مخطوطة رواية، فتواصلت معي وأقنعتني بجدوى نشرها.
*اليوم، إلامَ تصبو ككاتب؟ أيّ ميادين تودّ خوضها في النوع والأسلوب؟ وهل من مواضيع جديدة يهمّك طرحها على قرّائك؟
الكتابة مغامرة. أصبو إلى الكتابة في حدّ ذاتها. لا مشروع لي آخر غير الكتابة. الأساليب أو المواضيع من شأنها أن تتغيّر، فلا يوجد ثابت في الكتابة.
*برأيك، أيّ عوامل عزّزت قدراتك كقاصّ روائيّ متمكّن؟
المطالعة. مهنتي الأولى هي القراءة. قبل الكتابة وبعدها فأنا قارئ قبل كلّ شيء. يحصل أن أدخل ماراثونات قراءة. لا أنتهي من كتاب قبل أن أشرع في آخر. قد تكون من الكتب الأدبية أو في الفلسفة أو العلوم. برأيي القراءة هي أدرينالين الكتابة.
*أيّ كتاب تتمنّى لو كنتَ كاتبه؟
لم يحصل أن تأثّرت بكتاب بعينه، بل بكتّاب، بتجارب أدبية. كنت ولا أزال مولعاً بالرّوايات الكلاسيكية، سواء في الأدب الجزائري أو الأدب العربي أو آداب أجنبية. برأيي الرّواية الكلاسيكية هي النّقطة التي نبدأ منها وسوف نعود إليها. مهما تطوّرت الرّواية ومهما بلغت من محاولات تجريب، فإن أصعب أنواع الكتابة هي الكتابة الكلاسيكية. حين نمتلك فنيّات هذا الشّكل الأدبي ستصير أرض الكتابة أسهل وأقلّ تعقيداً.
*هل من كُتّاب معاصرين تتابع أعمالهم بشغف؟
نعم. أتابع ما يصدر بالعربيّة وفي لغات أخرى غير العربية. لا أزال حريصاً أيضاً على قراءة ما يصدر عن كتّاب من أفريقياً خصوصاً. من دول جنوب الصّحراء الكبرى. مثلما أحرص على مطالعة أعمال الكتّاب العرب. يهمّني إدراك ما وصلت إليه الرّواية الحديثة في الغرب كذلك، وبما هي مشغولة من أسئلة معرفية عن راهن المجتمعات الذي كتبت فيها.
*هل ترى أنّ النقد الأدبي الصحفي والمراجعات على مواقع التواصل تحوّل إلى دبلوماسيات ومجاملات أو عداوات على حساب الأدب؟
المجاملة في الأدب مثل العداوة ظاهرتان قديمتان، ولم يظهرا مع السوشيال ميديا فقط. هما جزء من المشهد الأدبي، لا يمكن أن نزيلهما، بل يجب أن نتعايش معهما. إنّما الشيء المهمّ أن ننتبه أنّهما ليس المقياس. وهنا يأتي دور النّقاد والنّقد الحقيقي، من أجل غربلة الوضع. فلا تصير السّاحة في قبضة فريق على حساب آخر.
*نسمع كثيرًا عبارة “العرب لا يقرأون”. هل توافق؟
هي جملة أطلقها هوّاة جلد الذّات. أولئك الذين لهم عداوة تجّاه الأدب. مئات الكتب تصدر سنوياً بالعربية. من يقرأها؟ إذا لا يوجد قرّاء فمن الطّبيعي أن تغلق دور النّشر أبوابها. أظنّ أن السّؤال الأهمّ: ماذا يقرأ العرب؟ بطبيعة الحالة ليس الأدب على رأس الاهتمامات. بل يقرؤون كتبا أخرى، من الوزن الخفيف، للتّسلية أو تمضية الوقت. مهمتنا إعادة الأدب إلى واجهة الاهتمامات. القارئ موجود كما توجد سوق أيضاً، لكن هناك أطراف أخرى تستغل تلك السّوق وتروّج كتباً على حساب أخرى مهمّة.
*ما المشكلات التي تهدّد القراءة في العالم العربي؟ وهل من حلول؟
برأيي، القراءة في أحسن حالاتها، ومن شأنها أن تتطوّر. فالتّعليم بات متاحاً، في كلّ الأقطار العربية، لسنا في الأزمنة القديمة حيث الإنسان العربي المتعلم كان سلعة نادرة. بل نحتاج اليوم إلى توجيه القراءة. إلى مساعدة القرّاء في الوصول إلى الكتب الأدبية الجيّدة. إلى تحرير الكتاب، في رفع الرّقابة وفي دعم توزيع الكتب.
*ما نصيحتك للكُتّاب المبتدئين؟
أنصحهم دائماً بألا يصغوا إلى أي نصيحة. لا أؤمن بالوصاية على الكتابة. الكتابة مغامرة فردية. طبعاً مع ضرورة القراءة، أقصد القراءة المفتوحة في تعدّد مجالاتها. عدا ذلك فالحرية شرط أساسي، ألا ينجرف الكاتب خلف موديل أو نماذج جاهزة، بل أن يبتكر نموذج لنفسه. أن يتيقّن أن الكتابة تجربة شاقّة أيضاً.
عن رواية « نهاية الصحراء »:
ذات يومٍ من خريف عام 1988، وُجدت زكيّة زغواني جثّةً ملقاة في أوّل الصحراء، وبدأت رحلة البحث عن قِصّة موتها. وهم يبحثون عن المتورّطين في قتل المغنّية، يكتشف السكّان تباعاً تورّطهم في أشياء كثيرة غير الجريمة.
تُلقي آثار حرب التحرير بظلالها على المدينة الجزائرية البعيدة، فيحتفظ الماضي لنفسه بالشهداء الذين مثّلوا صورة الاستقلال وصورة التحرير، بينما يُظهر الحاضر الجانب المظلم ممّن بقوا. مع تقدّم التحقيقات، تطفو ملامح جناة متعدّدين في مجتمع محفوف بالعنف: روّاد سجون، أبناء بورجوازية صاعدة، ثمّ نوعين من القتلة … الصغار والكبار.
سعيد خطيبي:
روائي جزائري من مواليد عام 1984، أتمّ دراساته العليا في باريس. أصدر روايته الأولى «كتاب الخطايا» عام 2013، تلتها «أربعون عاماً في انتظار إيزابيل» التي فازت بجائزة كتارا عام 2017، ثمّ «حطب سراييفو» التي أدرجت على القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرّواية العربية عام 2020. يكتب أيضاً في أدب الرّحلة، وتُرجمت بعض أعماله إلى الإسبانية والإنجليزية. صدرت له عام 2022 رواية «نهاية الصحراء» وفازت بجائزة الشيخ زايد فرع المؤلف الشاب 2023.