متابعات ثقافية

الكاتب متسلقٌ أبدي: كلمات الفائزين بجائزة ماو دون الصينية 2023

لحظة إلقاء الكاتب لكلمة، بعد صعوده على المسرح لتسلم جائزة، لا تُختزل في لحظة فوز، لكنها أشبه بشريط طويل من اللحظات والمشاهد المتداخلة، من أمل وإحباط، وفشل ونجاح.. هي حكاية كاملة لمسيرته الأدبية

الكاتب متسلقٌ أبدي: كلمات الفائزين بجائزة ماو دون الصينية 2023

بقلم مي عاشور

عند لحظة الوصول، يوقن المرء أن كل خطواته السابقة لم تكن وهماً، بل حُفرت بعمق على طول المسافة التي قطعها منذ أن بدأ رحلته. لا يوجد وصول مفاجئ، وإدراك الأهداف أساسه المواصلة والإيمان بأن لا شيء يضيع سُدى، ولو بدا غير ذلك.

لحظة إلقاء الكاتب لكلمة، بعد صعوده على المسرح لتسلم الجائزة، لا تُختزل في لحظة فوز، لكنها أشبه بشريط طويل من اللحظات والمشاهد المتداخلة -التي ربما لا يراها سواه- من أمل وإحباط، وفشل ونجاح، وعثرات وطرق ممهدة، فهي حكاية كاملة لمسيرته الأدبية.

في التاسع عشر من نوفمبر الماضي، أقيم حفل توزيع جائزة ماو دون الأدبية في دورتها الحادية عشر، والتي انطلقت هذه المرة من مسقط رأس الأديب الصيني الكبير ماو دون، ببلدة ووجن بمدينة تونغ شيانغ بمقاطعة جه جيانغ. وفاز بالجائزة خمسة كُتاب، ألقوا كلمة قصيرة، ولكنها لا تخلو من نكهة أدبية ثرية.

 ربما يتسأل القارئ الآن: من هو ماو دون، وما هي الجائزة؟

ماو دون(1896-1981)؛ هو من أشهر الكتاب الصينيين، ناقد أدبي، وروائي. وجائزة ماو دون هي من أشهر الجوائز الأدبية في الصين، انطلقت عام 1981، وفقاً لرغبة الكاتب، وتخليداً لذكراه. يقيمها إتحاد الكتاب الصينيين كل أربعة أعوام، وهدفها تشجيع الأعمال الروائية المميزة. وحتى الآن، فاز بها 48 عمل روائي.

يانغ جِه جون: المتسلق الأبدي، هو اسم آخر للكاتب

هذه اللحظة، وهذه المشاعر، وهذا المشهد يجعلوني عاجزاً عن الكلام.

ولدت في مكان تتشابك فيه الجبال الثلجية بالمروج، وهناك كان أيضاً منبع لنهراليانغتسي، والنهر الأصفر، ونهر لانتسانغ. شموخ الجبال، وصفاء المياه، وانبساط الأرض،  والحياة المنعزلة والهادئة، استحوذوا كلياً على ذاكرة طفولتي. وفيما بعد، حينما جئت  إلى مدينة تشينغ داو، بمقاطعة شان دونغ، ووقفت على شاطىء المسطح للبحر، وممدت بصري صوب مسقط رأسي المرتفع عن سطح البحر، طفرت هضبة التبت أمام نظرتي المتفحصة والتي تفيض إجلالاً.

رواية «أرض الجبال الثلجية»، هي صخرة جبلية، وموجة مياه، وزاوية في الأرض، تطفوا من قاع الذاكرة اللامحدودة. أتطلع إلى استخدام مجد الأجداد لإيقاظ آمالنا، وشعلة الرواد لإضاءة أفق ليل الحاضر، وآثار خطى التاريخ لمد خطوات العصر، وذلك في سبيل الحفاظ على ثراء الإنسانية ونورها المتوهج.  

 أعلم أن مهمة الأدب في الحياة، هي إيجاد طموحات للمرء، ووضع معايير إنسانية متعلقة بالحياة والموت، والمجد والخزي، والحب والكراهية، والجمال والقبح.  فأنا أحب الواقعية الدقيقة والتي في محلها، والعقلانية التي تفيض بالمشاعر، والحداثة التي تواجه الأزمات الفكرية للبشر.

تاريخ الإنسان هو جزء من تاريخ الوطن، وروحه هي جزء من روح العصر، ومشاعره هي جزء من مشاعر الأمة. البعد الفكري للكاتب يحدد جودة أو رداءة العمل، ومن ثم، يصاحب شغفنا الشديد بالصعود إلى القمة، توخينا الحذر من الانزلاق والسقوط. ولو كان هناك اسم آخر للكاتب، فإنه سيكون هو المتسلق الأبدي.    

تشياو يه: يحتضني مكان ميلادي

مرحباً جميعاً! أنا تشاو يه. في هذه اللحظة، ومن مسقط رأس الكاتب ماو دون، ومن أمسية تيسلم جوائز ماو دون الأدبية، وحفلها الفخم والمهيب، تغمر قلبي فرحة عميقة وجارفة. جئت من بكين، لكن مسقط رأسي هو مدينة خه نان، نشأت في قرية صغيرة هناك. ومن خه نانأيضاً خطوت خطواتي الأولى في درب الأدب.

 يبلغ عمر طريق الكتابة الخاص بي ثلاثين  عاماً حتى الآن. وخلال الثلاثين عاماً الماضية،  وبكوني ابنة الريف، مررت  بمراحل ابتعاد تدريجي عن مكان ميلادي، ومراحل طويلة وبطيئة للعودة إليه. وهذه المرحلة الطويلة جعلتني أدرك  أن تربة ورائحة مكان ميلادي، يحتضناني كظلي أينما ذهبت، كما أنهما كتبا علي مورثاتي الفكرية  وغذائي الروحي. احتضنني مكان ميلادي، وكذلك احتضنه الزمن. يتراءى  لي دائماً، أن  الكاتب والعصر تجمعهما علاقة كعلاقة رذاذ الأمواج بالبحر، والمحاصيل بالتربة. حتى ولو كان الماء الممتد لمسافات طويلة شحيحاً، فالحفنة القليلة التي تُغترف منه،  تكمن بها -حتماً- عناصر العصر وموروثاته.

ورواية «الماء النفيس»، هي حفنة الماء التي اغترفتها، استغرقت مدة كتابتها سبع أو ثمان سنوات، وفي تلك الفترة، واظبت على فعل شيئين: الذهاب مراراً لرؤية نماذج كثيرة للقرى، وهذا يطوي بداخله بُعد المادة الأدبية. والتركيز على التغيرات التي تطرأ على بضع قرى، وهذا يحمل بين طياته عمق المادة الأدبية، فكلا الأمرين جعلاني أتغلغل فعلياً في نسيج الحياة، ومن ثم حظيت على مردود غني ووفير. الحياة تضفر بريقها ومذاقها الساحرين مع نوعية وجودة الأعمال الأدبية. على مسرح الحياة، شعرت أن أعماق قلبي تفيض بطاقة، وأن هذه الطاقة بمقدورها تصحيح الأفكار المسبقة، بل ومنحي نظرة جديدة. مرة أخرى أريد أن أشكر من كل قلبي الحياة في مكان ميلادي وكذلك العصر. شكراً للجميع!  

ليو ليانغ تشنغ: الأدب هو فن الحلم

شكراً! أشكر أصدقائي القراء، وأيضاً جائزة ماو دون الأدبية.

أنا ليو ليانغ تشنغ، أنا من شينجيانغ، كان زوج والدتي حكواتي في القرية، فنشأت على سماع الحكايات منذ نعومة أظافري.  وكان من حُسن حظي أنني استمعت إلى جيانغ جِه آر جي وهو ينشد الملاحم التاريخية. ففي صفحة  العنوان لرواية «بِنبا»، كتبت الآتي: «هذا العمل إهداء وتحية  لروح البطل المنغولي جيانغ جِه آر جي، مُنشد الملاحم التاريخية». وهو في نفس الوقت إهداء إلى الثقافة الروحية الرائعة لكل قومية على الأرض التي أحيا فيها، والتي  تغذت عليها كتاباتي.

أثناء كتابة رواية «بِنبا»، عاد حلم كنت أراه منذ طفولتي، وفيه كان يلاحقني شخص، ففي هذا المنام المرعب طِرْتُ لمرات ومرات. و«بِنبا» كانت هي الأجنحة، التي انتشلتني من صعوبات ذلك الحلم وبددتها، وجعلته يقطع الدجى الطويل بهدوء، وهذا كان الغرض الأصلي من كتابة الرواية. الأدب هو فن الحلم، يُسَخر الحلم والخيال لحماية واقعية هذا العالم.  

أحب شخصية الطفل ها رى وانغ في الرواية، والذي تكمن في عينيه نظرة خبرة عالم الكبار، وكذلك نظرة براءة الأطفال. ربما يكون الأدب هو نظرة براءة الأطفال. حتى ولو سبق ورأينا هذا العالم بعيون الكبار لمرات لا حصر لها، فسنحتاج النظر إليه مجدداً، بل وإلى الأبد، بعيون براءة الأطفال، فهذه هي سجية الإنسان التي يبرزها الأدب. جزيل الشكر للجميع!

سون جان لو: الكتابة تدفعنا للتأمل في كل ما نملكه

هذه الرواية تدور أحداثها قبل تسعين  عاماً، وتحديداً سنة 1933، وهو نفس العام، الذي نَشر فيه الكاتب ماو دون -في شنغهاي- روايته الطويلة: منتصف الليل.

ذلك الزمن القاسي، والذي أيضاً كان يمنح فرصاً للموهوبين، أثر بشدة في المائة سنة التي تبعته من تاريخ الصين، وكذلك شَكَل تاريخ الأدب الصيني الحديث والمعاصر وأثر فيه. في الواقع، نحن -اللاحقون- نسبح الآن في سمائه المضيئة والمرصعة بالنجوم.

رواية «لوحة آلاف الأميال من الأنهار والجبال»، تتناول الآمال والتضحيات، وكذلك الأسرار والمشاعر، والنسيان والذاكرة. وهي مستوحاه من ذلك الزمن المحفور في الذاكرة، وأيضاً من شنغهاي التي ولدت فيها. أحياناً يُنسَج في خاطري، أنه قُدر لي أن أحظى على تكريم فائق في هذه الحياة، وهذا العمل.

الكاتب سون جان لو

الكتابة تدفعنا للتأمل في كل ما لدينا، وكذلك لتخيل ما لا نمتلكه. فالنظر إليهما بتمعن والمزج بينهما، يجعلنا نُدرك، أن العمر ما هو سوى لحظة خاطفة في نهر التاريخ الممتد. وتماماً مثلما قال المؤرخون:  المجد يتلاشى في طرفة عين، ولكن الذين أفنوا حياتهم في سبيل الطموح، يستحقون أن تُخلد الأجيال القادمة ذكراهم إلى الأبد.

دونغ شي: أشكر القدر، وأشكر تلك الأمور التي لمست روحي

مرحباً جميعاً، أنا دونغ شي، جئت من مدينة جوانغ شي. قبل أكثر من عشرة أعوام، روادتني رغبة في كتابة رواية حول المنطق العاطفي، ولكنني كنت أعي أن مستواي حينها كان لا يزال غير كاف للشروع في الكتابة. الكتابة ليست متعلقة بمسألة المَلكَة وحسب، ولكنها أيضاً مرتبطة بالخبرة، والقَدَر، والأفكار التي تتولد بفعل تحفيزه، هي شيء أشبه بطهي الحساء، فينبغي استخدام نار هادئة كي يُطهى. على مهل، هكذا ينبغي أن  يكون الإبداع، والذي يحتاج  إلى نمو تلقائي وطبيعي.

لذلك أنا ممتن لهبَة القدر، وأشكر تلك الأشياء التي لمست روحي، وهؤلاء الذين ألهموني تأليف رواية «الصدى»، وكذلك أشكر كل المتفاعلين مع هذا العمل والمشجعين له.

أثناء مراحل الكتابة، عندما فتحت قلبي، وتعاطفت مع البشر، وجدت الحقيقة في عمق الفؤاد، وتوصلت إلى الجزاء من جوف الذنب، ووجدت المسؤولية بداخل الهرب، وأدركت اليقين من رحم الشك، وعثرت على الحب من صميم الندم وتأنيب الضمير.

تعقيد الحياة، يحتاج إلى مهارات متشابكة للكتابة لتنيرها. أظن أنني الآن أرتقي  لدرب الكتابة. شكراً للجميع !

***

الكاتب متسلقٌ أبدي: كلمات الفائزين بجائزة ماو دون الصينية 2023؛ بقلم مي عاشور

خاص قنّاص – متابعات ثقافية

المحرر المسؤول: زاهر السالمي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى