أهوى الهوى كتابمكتبة بورخيس

«الخطابُ السردي العُماني».. نظرة بانورامية وقراءات جمالية

يكادُ يكون الكتابُ- المَبحَث شاملاً لكل التفاصيل الصغيرة ذات الأهميَّة والدقَّة في وصف السرد العُماني خلال أكثر من نصف قرنٍ من الزمن الأدبي (1939-2010)

د. عزيزة الطائي في «الخطاب السردي العُماني».. نظرة بانورامية وقراءات جمالية

بقلم عماد الدين موسى

تلقي الكاتبة والباحثة عزيزة الطائي في كتابها النقدي الأبرز «الخطاب السردي العُماني– الأنواع والخصائص»، الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، المزيد من الضوء على السرد الأدبي العُماني، وتحديداً ما بين الأعوام ، وذلك لأنَّ تنوِّع النصوص في دولةٍ عربيَّة ما، يسترعي الانتباه إلى ضرورة البحث والتمحيص الدقيقَين، ولا سيَّما إن كان هذا الجنس الأدبي المُراد دراسته سرداً بما يحويه من الفنون التي تستخدِمُ السردَ كتقنيَّةٍ، من بينها القصة القصيرة، والرواية، والقصة القصيرة جداً، والرواية السير ذاتيّة والسّرد الذاتيّ الواقعيّ، وما يمثّله عامّة من سيرة ذاتيّة، ومحكيّ طفولة، واليوميّات الخاصّة، والمذكّرات، والبورتريهات الذاتيّة، والمقال الذاتيّ؛ والرسائل الخاصّة، حيث يحتوي الكتاب-المَبحَث على بابين، ويناقش الباب الأول الأجناس السرديَّة التخييليَّة بفصولٍ هي كالتالي: القصة القصيرة، والرواية، والقصة القصيرة جدَّاً، والرواية السير ذاتية بين المتخيَّل والمرجعيّ، لننتقل إلى الباب الثاني المَعنوَن بـ الأدب المرجعي الذاتي، الذي يتضمن فصولاً تراتبيَّة مكوّنة من فصلين هما كالآتي: مدخل إلى أدب الذات، بينما الثاني هو: أنواع الكتابات الذاتيَّة العُمانيَّة. أي بالمجمل يكادُ يكون المبحَث شاملاً لكل التفاصيل الصغيرة ذات الأهميَّة والدقَّة في وصف السرد العُماني خلال نصف قرنٍ من الزمن والتاريخ الأدبيَّيَن.

فرادة الدراسة

تعتبر هذه الدراسة من أبزر الدراسات التي شملت أجناس سرديَّة عديدة، فالمُلاحَظ أن المواد البحثية متناثرة ولم يكن لها يوماً أن تجتمع في صفحات كتابٍ واحد، وهذا ما يسهِّل على الباحث أو القارئ المهتم أو الناقد أو الأكاديمي في تكوين صورة شاملة عن الأدب السردي العُماني في فترة تمتدّ إلى واحد وسبعين عاماً، وهي ليست بفترة قصيرة، بل تعتبر تاريخاً طويلاً من التدوين السردي، وأهم مراحل تطور السرد العُماني، وكما تقول عزيزة الطائي في جزءٍ من الكتاب: «هذه المدوّنة أخضعت لمرونة كبيرة وليس التّقيد بها إلّا من باب الحصر المنهجيّ. وقد حرصنا أنْ تتضمّن نماذج متنوّعة من فترات مختلفة، حتّى تضمّ أكثر ما يمكن تمثيلاً لأنواع الكتابات، ولجملة من إنتاج كتَّابها في المجال السَّرديّ. وراعينا في انتخابها تاريخ ظهورها تارة، والطّور التّاريخيّ الّذي تمثّله تارة أخرى. واعتبرنا أنّ أزمة الحياة تمثّل نقطة تحوّل هامَّة في رؤية الكتّاب للجنس السَّرديّ؛ كما اعتبرنا أنّ التَّجربة السَّرديّة تمثّل نقطّة بداية هامّة في مسارهم الكتابيّ، وهكذا اقتطعنا من تاريخ العمانيّين الحديث، وتمثّلهم سردياً لواقعهم طوراً يمتدّ من السّتينيّات حتّى العام العاشر من الألفيّة الجديدة، ويساوي ذلك نصف قرن تقريباً».

الدراسةُ أرشيف بحثي

لا يتوانى الكتابُ- المَبحَث عن أن يكونَ أرشيفاً تدوينيَّاً لفتراتٍ تاريخيَّة، يُسلَّطُ الضوء من خلاله على مراحل ناضجة وأخرى موغلة في النضوح، إضافة إلى تبويباتٍ أو تصويباتٍ إن صحَ التعبير لتاريخ السرد، فهل البدايةُ عن السرد ستكونُ حول الروايةِ أم القصَّة القصيرة؟ هذا سؤالٌ أضنَت الباحثةُ نفسها جهداً في الغوص في تفاصيل الإقناع البحثيّ للقارئ المهتمّ أو القارئ الأكاديميّ أو الباحث نفسه في هكذا أنواعٍ من السرد. حيث اعتمدت د. عزيزة الطائي في اختيارها على أسس مقاربة موضوعة بشكل ممنهجٍ، وبغاية: «وضع أسس نقدية لمقاربة تطور مسار القصة العمانيَّة». بمعنى آخر وضع الأُطر النقديَّة لتصنيفها إلى دلالات وبنى كامنة في خصائص الكتابة الفنيَّة»، فالقصة القصيرة كأدب تخييلي يعطي بعداً أوسع لفهم سياق تطور هذا الجنس من الأدب، وهو السَّرد، علاوةً على استناد الباحثة في اختيار القصص على مصادر كثيرة تمَّ ذكرها، وهي –أي القصص المختارة ضمن المَبحَث – تمثِّل مرحلة من المراحل التي مثَّلت انعطافاتٍ في مسار تطور القصَّة.

وعلى هذا الأساس نقرأ جوهريَّاً أمراً متعَوبَاً عليه في البحث والتقصِّي والقراءةِ والمقارنة، وليست المقارنةُ هنا عبارةً عن تفضيلٍ ما، ولكن هي اعتباراتٌ تخضع لمنهجيَّةٍ اقتضت الضرورةُ أن تتقيَّد بها الباحثة، لعلَّ أهمها هي تحليل الخطاب أو ما يصطلح عليه بالـ شعريَّة، وهو منهجٌ كما تقول الباحثة في المبحَث: «منهجٌ يمنح للنصّ سلطةً كبيرة في البوح بأسراره الفنيَّة».

تعرج الباحثةُ في مبحثها أيضاً على الاصوات النسائيَّة العُمانية في القصة القصيرة كجنسٍ أدبيٍّ سرديّ، وتخص بالذكر أول صوت نسائيّ يكتب ويطبع منشوراً في جنس القصة القصيرة خلال العام 1994 وهي الكاتبة خولة الظاهري ضمن مجموعتها القصصيَّة المُعنوَنة بـ: “سبأ” التي عالجت خلالها مواضيع اجتماعيَّة وقضايا تتعلَّق بالمرأة وكينونتها، ولكن بالطبع تتأكَّد الباحثةُ من ذاتيَّة الكتابة بالتحديد داخل تلك المجموعة القصصيَّة التي يمكن نعتها بالنسويَّة إن صحَّ التعبير، ولا يُخفى أنَّ المبحَثَ زاخرٌ بأرشيفٍ اسميّ غاية في الدقَّة، ويعتبر مرجعاً هامَّاً لمن يودُّ الغوصَ في تفاصيل السرد العُماني خلال فترة تاريخيَّة زاخرة هي الأخرى بالأسماء التي كانت عبارةً عن بداية قصَّةٍ قصيرة أو سردٍ حديث إن جاز التعبيرُ ها هُنا.

من الصعوبةِ بمكانٍ الغوصُ في تفاصيل كتابٍ-مبحَثٍ من هكذا نوع في مقال، وذلك لأنَّه يعتبر مرجعأً دقيقاً زاخراً بمعرفَةٍ هائلَةٍ ناضجة ودقيقة، على الرغم من أن الباحثة تعترف بأنَّها لم تستطع خلال هذا المَبحَث: «الوقوفَ عند جميع الإصدارات، لأنَّنا لسنا بصدد أنطولوجيا شاملة، أو قراءة موسوعيَّة للقصة القصيرة العُمانيَّة» ولكن رغم هذا الاعتراف فإنَّ المبحَث يمكن اعتباره مرجعاً أرشيفيَّاً فريداً من نوعه معرفيَّاً، حيثُ الحديثُ عن سنوات التأسيس بالنسبة للقصَّة القصيرة وهي الأعوام بين 1981 و 1999 ومن ثمَّ الانتقال إلى مرحلة التطوَّر خلال الأعوام 2000 و 2010 حيث شهدت القصَّة القصيرة العُمانيَّة انتقالاتٍ نوعيَّة وتاريخيَّة ومعرفيَّة عميقة للغاية، علاوةً على تحديد دلالات القصص في كل فترةٍ على حِدة، فمنها ما هو مرتبطٌ باستفحال التقاليد الموروثة، أو الجهل بالدين الذي يؤدي إلى ترسيخ القيم الموروثة وظلم الانسان لأخية الإنسان وغيرها من المواضيع أو العناصر التي تركَت بصمتها على السَّرد القصصيّ العُماني. كما ويُفرِد المبحَثُ مساراً واسعاً للحديث عن الشخصيَّة الحَكائيَّة داخل القصص العُمانية اعتماداً على النماذج المُختارَة، وهو في اعتقادي مقاربةٌ لم يقوى أحدٌ على الغَوصِ فيها كما يفعلُ المَبحثُ في ثناياه ومعرفته الواسعة، فالشخصيَّة الحَكائيَّة هي المحورُ في أيِّ سردٍ، من ناحية التكثيف ومنظوره، أو من ناحية أنَّها شخصيَّة محوريَّة بَطلة تحمل على عاتقها السَّرد، بالإضافة إلى الزمن الحَكائي ودلالاته، والمكان كذلك الأمر، وحبكات القصص وحواراتها، ومن ثمَ يعمَد المبحَث (كفعلٍ قاموسيٍّ معجميّ) على ذكر أسماء مجموعاتٍ قصصيَّة كانت –ربمَّا- الأساس في التكوين السردي العُماني خلال فتراتٍ تاريخيَّة هامَّة تركت بصمتها على هذا الجنس الأدبيّ.

وبانتقالاتٍ لا تخلو من سَلاسَةٍ، ينتقلُ بنا المَبحَثُ في عوالم السرد المختلفة، التي سبق وأن ذكرناها، والتي نجحت في تبويبها الباحثةُ بدقَّةٍ متناهية، انطلاقاً من القصة القصيرة وصولاً إلى أنواعٍ مختلفة من السَّرد، ليكون الكتاب بمثابة نظرة بانوراميَّة واسعة تخوضُ في غِمار نماذجَ سرديَّة معروفة على الصعيد العُماني والعربي كذلك الأمر، دون سبر أغوارٍ انتقاديّ أو استعمال النقد كأداةٍ ومنهج، وإنَّما على النقيض، استخدام التبسيط للعناصر الحكائيَّة أو الحواريَّة أو مضامين العمل السرديّ الأدبي العُماني ودلالاته الفنيَّة، ليكون الكتابُ-المَبحَث رحلةً فريدَةً وممتعة وسَلِسَة بعيدة عن منطق الأبحاث وأقرب إلى أن تكون دروساً مُستفادَة أو نقاطَ إنارَةً على مراحل تاريخيَّة للسرد العماني غاية في الأهميَّة.

***

د. عزيزة الطائي في «الخطابُ السردي العُماني».. نظرة بانورامية وقراءات جمالية، بقلم عماد الدين موسى

الشاعر والأديب الكردي السوري عماد الدين موسى

عماد الدين موسى و عزيزة الطائي

خاص قنّاص أهوى الهوى كتاب

المحرر المسؤول: زاهر السالمي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى