1. الدادا ما بين العبثية واللاوعي
لقد سعى العصر الحديث إلى تجاوز الحاضر إلى المستقبل. وخاصة بعدما خرج المجتمع الأوروبي متعباً من الحروب، شأنه في ذلك شأن العالم. إذ سيظهر اتجاه فني وفلسفي عبثي، يرى في العالم المنهار مجرد بنية عبثية من القيم والأخلاق قادت إلى دماره. فقد رفض أصحاب هذه الفلسفة عالم القيم والتقاليد السائدة، فكانت رداً مباشراً عما شكلته الحرب من خيبات أمل للشباب في تلك المرحلة. جاء هذا التيار المنتصر للحداثة، كنوع من “إثارة الرأي العام والإساءة للطبقة البورجوازية”.
لقد سعت العبثية إلى إعادة إحياء التصور النيتشوي حول الأخلاق السائدة، تلك الأخلاق التي تقتلع الإنسان من التربة التي أنبتته في هذا العالم، إنها قم تُعمي الإنسان فتجعله غير قادر على رؤية العالم الحقيقي. فسعى نيتشه، كما ستسعى العبثية إلى محاولة خلق أفراد “أفضل” هم الذين يتحكم “الخطر” في حياتهم، ويخلقون قاعدة سلوكهم في كل حالة. وهؤلاء الأفراد “الأفضل” هم أرفع من غيرهم في سلم الأخلاق”[1]. سينتصر نيتشه للحياة كما سينتصر لها العبثيون، فهذا أحد أهم العبثيين في حياته، ألبير كامو هذا الفيلسوف الذي توفي في حادث عبثي، يكتب متشبثاً بالحياة، ومعادياً للانتحار، فعلى الكائن الوجودي -الإنسان- حسب كامو، أن يقاوم ويجابه نفسه والعالم من حوله. “إن كامو يريدنا أن نعيش هذه الأعداد الهائلة من النبضات كأكبر ما نستطيع. وأن نضاعف وعينا بها. هذا الوعي المضاعف هو أسلوب كامو الذي يدعو إليه كي نعيش به الحياة”[2].
ستجد العبثية أرضا خصبة داخل المسرح والرواية، إذ سيضعنا ألبير كامو أمام تصور عبثي للعالم، بالخصوص في روايته “الغريب” ومسرحيته “سوء تفاهم”، بينما سيذهب صمويل بيكت إلى أقصى العبث في مسرحيته الشهيرة “في انتظار غودو”. وستتجه تيارات تصويرية إلى اعتماد العبثية كأسس لها، مثل الدادائية، هذه المدرسة التشكيلية التي يحيل اسمها الذي اختاره مؤسسوها لها، إلى التوجه العبثي الذي تتبناه. فا”الدادا” هذه الكلمة التي يستعملها الأطفال للتعبير عن ألعابهم بالفرنسية، أو هي تعبير ساذج وعبثي بالألمانية. من هذه الثنائية الطفولية-العبثية تم تأسيس هذا التيار الفني الذي سيجد له موطئ قدم داخل الشعر كما التصوير الصباغي الذي سينقلب رأسا على عقب. إذ ستضاف إليه تقنيات جديدة من قبيل اللصق (الكولاج) والتركيب (المونتاج).
ستجد العبثية أرضاً خصبة داخل المسرح والرواية، إذ سيضعنا ألبير كامو أمام تصور عبثي للعالم، بالخصوص في روايته “الغريب” ومسرحيته “سوء تفاهم”، بينما سيذهب صمويل بيكت إلى أقصى العبث في مسرحيته الشهيرة “في انتظار غودو”. وستتجه تيارات تصويرية إلى اعتماد العبثية كأسس لها، مثل الدادائية.
لقد عبرت الدادئية، بـ”نظامها” التشكيلي العبثي، من حيث تركيب الصور داخل قالب سردي من الكولاج والمونتاج، التصور الفلسفي الذي ساد التفكير الغربي والعالم. فلا عقلانية في هذا العالم، الذي حاول مفكرون عقلنته. فيكتب جاك ستيرنبيرغ J. Sternberg، “لنتخيل إلهاً، خلق كوناً عبثيا، وألقى فيه كائنا مفكرا، ليرى هل سيجد معنى لكل هذا العبث”.
هذا هو التصور الذي ساد التفكير في المنتصف الأول من القرن العشرين، وما سيعبر عنه الدادائيون إلى جانب آخرين من أمثال مارسيل دوشان، وما سيدفع فيما بعد ظهور الفنون الما بعد حداثية، أو الفنون المعاصرة، التي ستتشبث في بدايتها بهذا الطرح بقوة.
لقد سعت الدادا إلى تخطي جل التقاليد التصويرية المتعارف عليها، ومجابهة السياسي وما فرضته البورجوازية، إذ سعت لخلق سوق فنية جديدة لا ترتبط بما سبق وكان سائدا. لذلك اعتبر تريستان تزارا Tristan Tzara أن “بدايات الدادا لم تكن بداية الفن” بل الاشمئزاز من نتائج الحرب العالمية الأولى التي كرست لإفلاس “عقلانية القرن التاسع عشر” والثقافة البورجوازية المرتبطة بها. فالدادا حاكت أسطورتها عندما حددت أهدافها، وجعلت من نفسها حركة هدم وتدمير، سواء على صعيدي الأدب والفن، أو على الصُعد الأخرى، الاجتماعية والأخلاقية. وقد عبّرت، من خلال سلوكها ومواقفها الرفضية، عن رغبتها الملحة لقلب المجتمع البورجوازي[3].
لقد بات مع الدادا، منذ دوشان، اعتبار كل شيء وحتى اللاشيء يمكن أن يصير عملا فنيا. وها نحن عند نقطة قريبة جدا من ظهور الفن المفاهيمي، حيث سيتم الانتصار للفكرة على الشكل والبناء الجمالي. في المقابل رفضت الدادا أي علاقة بالماضي أو حتى المستقبل، فقد اعتبر فنانو الدادا أنفسهم أبناء الحاضر، فانتصروا لهذا الأخير، كما انتصرت العبثية للحظة التي مجدتها ودعت لعيش الحياة على أنها مجموعة من لحظات غير مرتبطة. فعمد مارسيل دوشان إلى تشويه صورة الجوكاندا باعتبارها رمزاً للتراث الفني.
لقد عمد الفن العبثي إلى تجاوز العقلانية في تصوير وتمثيل والتحدث عن الواقع، فجعلت الدادا التعبير الهزلي والسخرية سواء داخل المسرح أو عبر تقنية المونتاج والكولاج في الفن الصباغي، منطلقاً تستند عليها لإنشاء الأعمال الفنية التي تنتمي لهذه المدرسة التصويرية، إذ سيعمد فنانو الدادا إلى إظهار الروح الطفولية في أعمالهم. بينما سيذهب البعض إلى ربط الدادا بالإيروتيكية L’érotisme، أمثال كلارا تايس Clara Tice، هذه الفنانة والشاعرة الأمريكية، التي ستذهل العالم بنشر تصورها الخاص حول الفن. فقد رسمت صوراً مثيرة لنساء عاريات إلى جانب حيوانات، في مواضع إثارة. ما أثار المجتمع الأمريكي في العقد الثاني من القرن الماضي. ما سيجعل السلطات تصادر أعمالها. وعلاوة على ذلك فقد صاحبتها في هذا الاتجاه إحدى رموز هذه المدرسة، بياتريس وود Beatrice Wood، التي كانت تلقب بـ”ماما الدادا” Mama of Dada، إذ يلحظ في أعمالها بقوة استحضار الإثارة.
لم يعد إذن، الأثر الفني “مقتصراً على كونه صورة من صور المعرفة”. لكن هذا لم يمنع الدادائيين من الانتقال نحو البناء، بعد مرحلة هدم، فقد أصدروا بيانهم الشهير، الداعي إلى كونهم لهم حق في صياغة مثال الدولة وتطوره. فصاروا منخرطين في الفعل السياسي، ومطالبين بتنزيل رؤاهم، إذ رغبوا في تحمل المسؤولية، لإيمانهم بكونهم يحملون رسالة الفن الجديد، اجتماعياً وسياسيا.
يصعب تحديد السنة التي انتهت فيها الدادائية عن الوجود الفعلي داخل عالم الفن، بعدما بلغت ذروتها بين عامي 1920 و1921، إلا أنها ألقت ظلها على باقي الفنون التي زامنتها أو التي ستأتي من بعدها من سريالية وما بعد حداثية. فقد استعمل رواد هذه المدرسة أساليب تصويرية ستعتمدها فنون ما بعد الحداثة، الفنون المعاصرة، فيما بعد إلى جانب أساليب أخرى. سينعكس أثر الدادا بالخصوص على الحدوثية Happening وفن الأداء performance وفن الجسد Body art، إلى جانب التأثير الأكبر على السريالية التي تعد امتدادا لهذه المدرسة.
2. حلم السريالية بين الفن والفلسفة
النهاية والبداية:
لم تقدم الدادا في ما بعد عام 1920 -وبالخصوص هجرة روادها من زيوريخ إلى باريس قبيل ذلك العام- الشيء الكبير على صعيد الفن التشكيلي، بل صارت تجتر نفسها وتعيد ذاتها، وسيحدث الانعطاف الأكبر بعد هجرة مارسيل دوشان إلى أمريكا. ما سيدفع بفنانين كثر انتموا إلى هذا التيار، إلى البحث عن فن بديل وعن طرق تعبير جديدة، إذ إن تلك العودة إلى “الوحشية” والبدائية التي أتت بها الدادائية، متأثرة شأنها شأن التكعيبية، بالفن الإفريقي، لقيت أوجه اشتغال جديدة في العقد الثالث من القرن الماضي، ما استدعى انتقال مجموعة من الدادئيين إلى الفن السريالي باعتباره يحمل إمكانيات تحقيق تلك الرؤية البدائية التي جاء بها رواد الداد، وكما التعبير عن الإنسان في لاوعيه، أي في بدائيته وكينونته “الحقيقية” التي تعطي للغريزة كل إمكانية الظهور والبروز، والمتمثلة في حالة الحلم، كأهم متسع لظهور تلك الغرائز والوحشية واللاوعي الإنساني؛ إذ إن “الوعي منفى” إنساني، كما سيعبر عن ذلك إميل سيوران.
ترتكز فلسفة التصوير السريالي surréalisme بالأساس على فلسفة نيتشه حول الفن وتحليل فرويد للأحلام واللاوعي. إذ ما إن نطالع كتاب “يوميات عبقري” لدالي حتى نستشعر ذلك ونتبيّنه. لقد أصدر السرياليون الأوائل بيانهم الذي صاغه أندري بروتون سنة 1924، حيث سيعبر فيه قائلاً عن السريالية أنها “تلقائية نفسية خالصة، من خلالها يمكن التعبير، إما لفظاً أو كتابة أو بأي طريقة أخرى، عن الأداء الفعلي للفكر. إنها إملاء الفكر، في غياب كل رقابة يمارسها العقل، وخارج أي قلق جمالي أو أخلاقي”[4].
وهو ما يجد جذوره في الفلسفة النيتشوية، إذ شرط الفن عند نيتشه ألا يكون مجرد محاكاة للواقع الطبيعي بل تكملة ميتافيزيقية لهذا الواقع توضع إلى جانبه لتتجاوزه (ميلاد التراجيديا). “فالعالم والوجود لا يبررهما إلا كونهما ظاهرة جمالية”. وبما أن كل خَلْقٍ للأشكال عند نيتشه يستر الأساس الذي تسحب منه الأشكال يكون الفن هو المظاهر التي تخفي سحرياً الكاووس[5] (=الفوضى العارمة)، الوهم الواقي للحياة نفسها، “إذا نحن لم نختبر الفن، إذا نحن لم نبدع هذا النوع من عبادة الخطأ، لا نستطيع أن نتحمل رؤية ما يبينه لنا العلم: كلية غير الحق، الكذب، وأن الجنون والخطأ هما شرطا العالم العقلي الحسي. تكون نتيجة الصدق هي القرف والانتحار. ولكن ثمة ثقالة تساعد على تجنب مثل هذه العواقب: إنه الفن طالما هو إرادة الوهم الجيدة” (العلم المرح). يكون الفن إذن بامتياز “دواءً للمعرفة، لا تكون الحياة ممكنة إلا بفضل أوهام الفن” (ميلاد التراجيدية).
أصدر السرياليون الأوائل بيانهم الذي صاغه أندري بروتون سنة 1924، حيث سيعبر فيه قائلاً عن السريالية أنها “تلقائية نفسية خالصة، من خلالها يمكن التعبير، إما لفظاً أو كتابة أو بأي طريقة أخرى، عن الأداء الفعلي للفكر. إنها إملاء الفكر، في غياب كل رقابة يمارسها العقل، وخارج أي قلق جمالي أو أخلاقي”.
الثورة السريالية:
بينما يُنسب إلى الشاعر والناقد الجمالي غيوم أبولينير، كونه أول من أطلق لقب السريالية على هذا التيار الذي ظهر في جل الميادين الفنية من الشعر والمسرح والتصوير الصباغي والنحت؛ إذ ظهرت لأول مرة في مقدمة مسرحيته “أثداء تريسياس” Les Mamelles de Tirésias التي كتبت عام 1903 وتم تمثيلها لأول مرة عام 1917… إلا أن العالم سينتظر إلى حدود صدور بيان السرياليين الذي خطّه برودون، عام 1924، وقد قدم هذا البيان ما أراد مؤسسو هذه المدرسة الجديدة أن يجعلوه فناً جديدا. بل اعتبروه فكراً وسلوك حياة مرتبط بالتفكير والعيش، وهذا ما سيتمثل بشكل كامل في حالة دالي نموذجا، سواء داخل مرسمه أو في أعماله وفي الحياة العامة وأحاديثه ونقاشاته… وفي نفس العام، أي 1924، أسس رواد هذه المدرسة ما سموه بـ”مكتب البحوث السّريالية”، وبدؤوا بنشر مجلة “الثّورة السريالية” (La Révolution surréaliste). وقد انخرط في الحركة العديد من الفنانين التشكيليين أمثال: جورجيو دي شريكو, وماكس أرنست, وجوان ميرو, وبيكابا فرانسيس, وإيف تانجي, وسلفادور دالي, ولويس بونويل, وألبيرتو جياكوميتي, وفالنتاين هوجو, وميرت أوبنهايم, وتوين. ولاحقا في الحرب العالمية الثالثة: أنريكو دوناتي.
لقد حاول السرياليون المزج بين الوعي واللاوعي للوصول إلى ما سموه بـ”الحقيقة المطلقة”، حيث آمن هؤلاء بأن العقل اللاواعي مصدر للمعرفة الحقيقية والمطلقة. لهذا مزجت السريالية بين النظريات العلمية وتقنيات بصرية مثيرة لأشد الصور الذهنية غرابة والتي اعتبرتها انعكاساً نقياً لعالم اللاوعي. فقد بات الوعي، بالنسبة لهم، قاصراً أمام بلوغ المعنى والحقيقة. لهذا سيتم استعارة تعبير اللاشعور من السيكولوجيا الفرويدية وربطها بالصور، إذ إن الصور اللاشعورية هي وحدها السبيل إلى الفن النقي وبلوغ المعنى والمطلق.
بين الفن والفلسفة:
شكلت السريالية بالتالي، قطيعة مع عبثية الدادا، وخاصة بانتقال مجموعة من دادائيين إلى التعبير السريالي الذي سيجد لنفسه حقلاً شاسعاً يستقي منه الفنانون “رؤاهم” في عالم التحليل النفسي واللاوعي والأحلام. فأعمال بعض ممثلي الدادا، أمثال دوشان، وبياكيا، المجسدة لتيار فكري عبثي معارض للمفاهيم والتقاليد الفنية، قد عبّرت عن موقف “لا-فني anti-art” وعن رغبة ملحة للتحرر من نظام القيم السائد، كما أسهمت في اتساع نطاق الإلصاق، بخاصة مع ماكس أرنست وكورت شويترز، من حيث هو وسيلة للتعبير الفني.[6]
ستجد السريالية في الفلسفة سواء عند شوبنهاور أو نيتشه أو فرويد، وعلاقتهم باللاوعي، متسعاً لاستنباط الأفكار التي تريد أن تعبر عنها. في الوقت الذي صارت الحداثة في مواجهة لأسئلة عميقة، حول ضرورة إيجاد مخرج مما وقعت فيه من محكيات كبرى، وضعتها داخل قفص صار ولابد الانفلات منه. وفي ظل ما عرفه العالم من حروب عالمية ومحلية وأهلية متتالية، بدأ الإنسان في البحث عن معنى خارج ما عرفه وتعرّف عليه، والذي كان سبباً فيما وقع من خراب. فبحث بالتالي، السرياليون عن المعنى داخل الإنسان وليس خارجه، مستعينين بالتحليل النفسي الفرويدي عن اللاوعي والأحلام. فكما أثار فرويد اهتمام بروتون وهنري ميشو وغيرهما في الأدب والشعر كما الرسم، فقد أثار الهام واهتمام ماكس إرنست دالي الذي ذهب بعيدا في عالم الأحلام.
فرويد والسرياليون:
يعد شوبنهاور من الفلاسفة الأوائل الذين انتبهوا إلى كون اللاوعي له تأثير وقدرة كبيران على تشكيل أفكار الإنسان، بل ذهب إلى حد القول بأن اللاوعي قادر على أن يكون وسيلة إدراك لبعض الحقائق غير المدركة بالوعي. بينما سيطوّر نيتشه هذه الرؤية عن اللاوعي، وقدم توازنا بين الوعي واللاوعي، إذ يعمد نيتشه إلى طرح أزمة المعنى الذي لم نعد ندركه بالوعي. ما سيدركه سيجموند فرويد فيما بعد، عامداً لجعله بعداً كونياً، بل جعله محركاً لكل إدراكاتنا وأفعالنا. هذا الفيلسوف الأخير الذي سيعتمده دالي ويستشهد به خاصة في مؤلفه “يوميات عبقري” حيث سيضع تصوره للفن كاملا على أساس نظرياته وتحاليله. غير أن، وللمفارقة، ففرويد بدأ نقده للسّريالية بتصريحه أنّ ما لفت نظره في السّرياليين هو وعيهم وليس لاوعيهم!. وقد أعرب هذا المحلل النفساني في رسالته المؤرخة بـ 26 ديسمبر 1932 جواباً على رسالة بروتون، عن اعترافه الذي اعتبره البعض تنكرًا، قائلا: “والآن الاعتراف الذي عليك أن تتقبله بصدر رحب! على الرغم من أنني أتلقى الكثير من الشهادات حول الاهتمام الذي يحظى به بحثي من قبلك أنت [يقصد بروتون] وأصدقاؤك، إلا أنني لست في حالة تسمح لي بإدراك ماهية السريالية وما تريده بها. ربما أنا لا أفعل أي شيء لفهم ذلك، فأنا بعيد عن الفن”[7].
ظل موقف فرويد من الحركة السريالية متشدداً نوعاً ما، إذ رأى بأن السرياليين يروّجون للجنون فقط من خلال إبرازهم بشكل مفرط التوترات العصبية بتمثيل مناسب. وقد يكون هذا الموقف ناتج عن كون فرويد قد غلب عليه البعد الطبي التحليلي، حيث بالنسبة له يجب علاج الاضطرابات بين الوعي واللاوعي، وليس عرضها وتمثيلها. بالإضافة فإن فرويد المحافظ لم يكن بمقدوره المشاركة في الإسراف والاستفزاز اللذين يمثلهما السرياليون “المضطربون”. إلا أنه، ولعبثية القدر، سيلعب هؤلاء السرياليون الذين رفضهم فرويد الدور الأساس في حمل التحليل النفسي الفرويدي إلى الأواسط الفكرية في فرنسا ومن ثم إلى خارجها، عبر أعمالهم الفنية ونقاشاتهم الفكرية.
[1]فؤاد زكرياء، نيتشه، منشورات العباسية، 2005، ص 104. [2] عبد المنعم الحفني، ألبير كامي، دار المفكر-القاهرة، ص 128. [3] محمود أمهز، التيارات الفنية المعاصرة، ص 248. [4] André Breton, Œuvres complètes, t. I, Éditions Gallimard, coll. « Bibliothèque de la Pléiade », 1988, p. 328 [5] جان غرانييه، نيتشه، ترجمة على بو ملحم، هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث (كلمة)، 2008، ص 101. [6] محمود أمهز، التيارات الفنية المعاصرة، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، الطبعة 2، 2009، ص 274. [7] S. Freud, « Correspondance à André Breton », Le Surréalisme au service de la révolution A.S.D.L.R. n° 5, Paris, 15 mai 1933, p. 11.
خاص مجلة قنآص
عز الدين بوركة؛ باحث وناقد مغربي. صدر له شعرا: “بعيدا عن العالم” و”حزين بسعادة”.
What’s up, just wanted to say, I liked this blog post.
It was inspiring. Keep on posting!