أحبار التُرجُمانمكتبة بورخيس

تشارلز سيميك: الظهور في دورٍ موجز وقصائد أخرى | ترجمة: أحمد م.أحمد

تشارلز سيميك (١٩٣٨-٢٠٢٣): شاعر أمريكي من أصل صربي. حاز على العديد من الجوائز منها: جائزة البوليتزر، جائزة غريفين للشعر، جائزة والاس ستيفنز، وجائزة الأركانة المغربيّة. صدر له عدد من الأعمال الشعرية، نذكر منها: «رقصات ثنائية»، «نشرة طقس لليوتوبيا والجوار»، «كتاب الآلهة والشياطين»، «فندق الأرَق»، «نزهة ليليّة»، «الصَّوت في الثالثة صباحًا»، «ذلك الشيء الصغير» و«العالم لا ينتهي». بالإضافة إلى كتاب سيرة ذاتية حمل عنوان «ذبابة في الحساء».

الظهور في دّورٍ موجز

لديَّ سَطْرٌ صغيرٌ، كتوم

في ملحمة دامية. كنتُ فرداً

من الإنسانيّة الذاهلةِ الهاربة.

وفي المدى كان قائدنا الفذّ

يصيح كديكٍ من على الشُّرفة،

أو لعلّه كان ممثلاً فذّاً

يشخصنُ قائدنا الفذّ؟

كنتُ هناك، قلتُ لصغاري.

محشوراً بين الرجل ذي اليدين المضمدتين المرفوعتين

وبين المرأة بفمها الفاغر

وكأنها كانت تعرض أمامنا ضرساً لها

يؤلمها أيّما إيلام. والمرّاتُ المائة

التي أرجعتُ فيها الشّريط،

لم أجد أن أحدهم قد صوّر لقطةً لي

في ذلك الحشد المترامي،

الذي كان يشبه أيَّ حَشْدٍ رماديٍّ آخر.

هلمّوا إلى الفراش، أخيراً قلتُ.

أنا موقنٌ أني كنتُ هناك. جولة كاميرا

واحدة فحسب كانتْ كلَّ ما أعطوه من وقتهم.

ركضْنا، هواءُ الطّائرات رعى شعرَنا،

لتتلاشى بعد ذلك.

ونحن واقفون يلفّنا دوار في المدينة المشتعلة،

لكنهم، بالطبع، لم يصوِّروا ذلك.

الغرفة البيضاء

الواضح عصيٌّ

على البرهان. والكثيرون يفضّلون

الخبيء. وأنا منهم.

أصغيتُ إلى الأشجار.

لديها سِرٌّ

أوشكتْ أن

تذيعَه لي،

ثم أحجمتْ.

حلّ الصّيف. وكلّ شجرةٍ

في شارعي كانت لها

شهرزادُها. ولياليَّ

كانت جزءاً من

قّصِّها الغرائبيّ. كنا نلِجُ

البيوتَ المظلمة،

المزيد والمزيد من البيوت المظلمة

الصامتة والمهجورة.

أحدٌ ما بعينيه المطبقتين

هناك في الطوابق العليا.

جعلني الاستغراق فيه، والعجب

بمنأى عن النوم.

الحقيقة صارخة وباردة،

قالت المرأة

التي ارتدت الأبيض دائماً.

ولم تغادر غرفتها إلا لماماً.

أشارت الشمس إلى واحد أو اثنين

من الأشياء التي نجتْ

مما لم يمسّها الليل الطويل،

تلك هي الأشياء الأكثر بساطةً،

العصيّة في وضوحها.

لم يبدر منها أدنى ضجيج.

كان يوماً من النوع الذي يصفه الناسُ بأنه “كامل.”

هل تنكّرت الآلهةُ

كدبابيس شَعرٍ سوداء؟ مرآةِ يدٍ؟

مشطٍ ذي سنٍّ مفقودة؟

لا! لم يكن الأمر كذلك.

إنها الأشياء كما هي،

سكونٌ خادعٌ كامد

في سطوعِ ذلك الضوء،

بينما الأشجار تترقّبُ الليل.

في المكتبة

ثمة كتاب عنوانُه

قاموس الملائكة

لم يفتحه أحدٌ منذ خمسين عاماً،

أدركتُ ذلك، لأنني عندما فتحته،

أصدرتْ دفّتاه صريراً، وتفتّتت

صحائفه. هنا أدركتُ

أن الملائكة كانت فيما مضى وافرة العدد

كسلالات الذباب.

كانت سماء الغسق تعجّ بها.

وكان عليك أن تلوِّح بكلتا يديك

لكي تشيحها عنك.

تسطع الشمس الآن

عبر النوافذ الطويلة.

المكتبة مكان هادئ.

الملائكة والآلهة ربضتْ

في ظلام الكتب المُطْبقة.

والسرُّ العظيم يقبع

على رفٍّ ما

تمرّ به الآنسة جونز

كل يوم خلال جولاتها.

إنها فارعة الطول، لذلك تُبقي

رأسها مائلةً وكأنها في حالة إصغاء.

تهمسُ الكتبُ.

لا أسمعُ شيئاً، لكنها تسمع.

النّمر

ذلك الشتاء، في سان فرانسيسكو،

كان ثمة متجر صغير كئيب

مليء بتماثيل بوذا ناعسة.

دخلتُ تلك الظهيرة،

ولم يخرج أحدٌ ليرحّب بي.

وقفتُ بين الحكماء

كما لو كنتُ أحاول قراءة أفكارهم.

أحدهم كان ضخماً ومصنوعاً من الحجر.

والقليل منهم كانوا بحجم رأس ولد

تعلوهم بقعٌ بلون خثرات الدم الجاف.

وكان العديد منهم بحجوم الفئران،

بدوا وكأنهم في حالة إصغاء.

“رياح آذار، الرياح السوداء،

الرياح المُكشّرة،” كتب الشاعر الميّت.

كان شارعه مقفراً عند الغروب

إلا من ظلّيَ المتطاولِ

ينفتح أمامي كمقصٍّ.

هناك كان بيته حيث رويتُ قصّةَ

الجندي الرّوسيّ،

ذي الملامح الصينيّة

وقد رقد مضرجاً في فراش أبي،

أحضرتُ له ماءً وثقاباً.

فأعطاني مقابل ذلك نمراً صغيراً

من العاج، فغرَ فاهُ لشدة الغضب،

لكن لم تبقَ ثمة خطوط على جلده.

في تلك الليلة وأنا ألوِّنُ

عينيه بالأسود، ولسانَه بالأحمر

أمسكتْ أمي المصباح لتضيء لي،

يعتريها القلق من نوع الطّالع

الذي قد يأتينا به هذا الوحش.

وبين يديّ كان النمر يهرُّ بوهنٍ

كلما اختلينا في الظلام،

لكنني عندما ألصقتُ أذني بباب الشاعر

في تلك الظهيرة، لم أسمع شيئاً.

“رياح آذار، الرياح السّوداء،

الرياح الرملية،” كتبَ ذات مرّة.

خاص قناص

المحرر المسؤول: زاهر السالمي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى