ستصارح نفسك ببعض الأشياء بالكتابة، ستواجهها بعناد، سيتدفق كل ما نُسج بداخلك دون علم مسبق بوجوده. سينسكب أمامك كل ما تتجنب التفكير به، لكونه غير منطقي، وما تريد تصديقه، رغم بعده التام عن الواقع. ستخرج أفكارك من ضيق النفس إلى متسع الكتابة، ستنطلق إلى حيز أكثر رحابة مما تتصور. ستمنحك الكتابة مساحات لم تمنحها أنتَ لنفسك، ستنتشلك من أزقة مُقفرة، خانقة، وستلقي بكَ إلى أفق يتسع لكل الاحتمالات.
ستتناهى إلى مسامعك بوضوح تدريجي، تلك الأصوات التي طالما دوت بداخلك مشوشة. ستدون كل القصص التي حدثت، وتريد الاحتفاظ بها، والتي لم تحدث، وتتمنى انفصالها عن الخيال.
سينبهك ما تكتبه، عما قد تغفل عنه، بفعل أسيجة الصخب التي تحاصرك، سيؤكد لكَ ما لم تجزمه أنتَ، وسيجعلك تحتفظ بتلك النظرة الأولى، وذلك الشعور الذي حسبته وهماً، وذاك الأسى الذي ظننته ملازمك أبدا. سيبقى ما تدونه، سيبرز كصخرة ينحصر عنها الماء بشكل تدريجي.
ستحبسك الكتابة بداخلها، وهي نفسها التي ستترك لكَ العنان، ستبني أمامك أسواراً، وأيضاً ستوحي لكَ بفكرة: «السور، إن لم ينهدم، يمكن تجاوزه….». ببساطة، وحدها الكتابة ستأسرك وتحررك.
ستكتب، للوصول إن نقطة ما بداخلك، أو لملامسة ظل تراه يقفز أمامك دائماً. وستفهم، أن الظلال لا تترك أثرها طويلاً، ستتبخر ذات يوم، ولن تتذكر ملامحها. فظهورها يكون مصاحباً لضوء أو عتمة، أو مقترناً بشيء ما.
ستتجمد أفكارك وتتدفق، ستكتب وكأنك تقف أمام سيل من الأفكار، أو كأن مُحيَتْ ذاكرتك، أو فقدت الثقة في قدرتك على الكتابة، أو حتى كأنك تكتب للمرة الأولى. سيمضي الوقت، وستتآكل بعض التفاصيل، ليرممها ما دونته.
الكتابة؛ تجمع بين المنطقي واللامعقول، وتحول المستحيلات إلى احتمالات ممكنة، وتوقف ببريقها الأفكار التي تمادت قتامتها.
في لحظة ما، لن تشعر بخواء صار جزءاً من يومك، أو أنكَ ضائع بداخل شيء ما، فمع الجملة الأولى التي ستخطّها، سيتبدد القيد، سيبدو وكأن الكلام يظهر على الورقة تباعاً… لتدرك أنه لا فرار من انعطافات غير مرغوبة في الطريق، وأن الحياة ليست مستقيمة في مساراتها، والكتابة أحياناً تكون مصدّاً للخيبات، وونس للذات، ونجاة من عتمة أو شيء ما….