تقديم؛ نحو تعريف للنقد الجيني
يعتبر النقد الجيني التكويني منهجا جديدا في مقاربة النص يهتم به من اللحظة الحميمية حيث عبور لواقح رياح الأمشاج الأسلوبية إلى البويضة الفكرة؛ لتصبح علقة فمخاضا وصولا إلى الإنجاب النصي تماما مثل عملية الخلق، ثم تتبع صيرورة تكونه من مخطوط إلى كتاب، “إنه البحث عن أسرار صناعة العمل الأدبي”[1] وإذا كان رولان بارث قد تحدث عن لذة القارئ وشبقه مع النص، فإن هذا النقد يركز على الكاتب وعمليات الشبق المختلفة التي أنتجته، نقد يركز على الكاتب ومؤثرات الكتابة، يدرس مراحل تشكل النص، أو ما يسمى النص القبلي، أو النقد التوليدي، إنه اتجاه نقدي نهل من العلم شروطه، ذلك أن ابستيمولوجيا المفهوم تجعلنا نقر أنه منتقل من علم البيولوجيا أو الانتخاب الطبيعي مع شارلز داروين في أصل الأنواع، حيث الجينات الأولى التي تدل على علم الأنساب أو الشجرة الأم، أي أصل الكتابة، وهنا فالمقاربة تستند إلى مرجعيات علمية وفلسفية مختلفة، إن الجينيالوجيا عامة [2] la Généalogie التي تحدث عنها نيتشه فلسفيا تعنى بهدم الميتافيزيقا وتشييد الحقيقية النصية العلمية تاريخيا منطلقا من جينيالوجيا الأخلاق [3]، هذه الجينيالوجيا التي طورها ميشل فوكو فيما بعد تحت مسمى جينيالوجيا المعرفة مستخدما منهجا جديدا هو الأركيولوجيا Archéologie، مازجا بينهما في مرحلة متأخرة، مؤصلا لها بكونها “تتعامل مع مخطوطات قديمة متآكلة كتبت أكثر من مرة”[4]. إنه نقد “يسعى إلى أدلة نصية يمكن إثباتها، يحلل العوامل التي تحدد طبيعة النص النهائي كلما تقدم من شكل مخطوطة نحو شكل كتاب، ما يدرسه النقد الجيني هو تأثيرات الرقابة والتنقيح[5]، هذه النظرة الأركيولوجية جعلت إدواردو غاليانو يكتب كتابا رائعا سماه: ذاكرة النار؛ سفر التكوين[6]، يتحدث فيه عن جذور الخلق الأولى بطريقة أدبية محضة، محاكيا سفر التكوين العبري ثم المسيحي.
يهتم علم التكوين La Génitique أو أصل النص La Genése، أو النقد التكويني la Criritique Génitique بالمسودة والجذاذة القبلية، أو مخطوط العمل بالمعنى الحديث للكلمة وليس بالمعنى القديم للمخطوط الذي يحقق؛ ذلك أنه كان سائدا من قبل، إن هذا الاتجاه النقدي يملك مرجعياته وأسسه وكذا إجراءاته النقدية على النصوص عامة والأدبية خاصة، سنطبق ذلك على أديب مغربي؛ قاص بارز، معتبرين أن أدب المسودات بشكل عام ينقسم إلى اتجاهين: اتجاه المسودات الورقية واتجاه المسودات الإلكترونية في دراسات مستقبلية.
جينيالوجيا النقد الجيني؛ الجذور والتاريخ
تعود جذور النقد الجيني للمسودات أدبيا إلى عصور قديمة لكنها كانت تكتسي طابعا ذوقيا إذ تعتبر “المسودات شكلا أول للكتاب الذي يوضح لنا منهج المؤلف وطريقته في جمع مادة كتابه وتبويبها وتصنيفها، وكثيرا ما يشير فيها إلى ضرورة استكمال النقل من مصدر بعينه أو مراجعة كتاب…”[7]. إن المسودة كانت حاضرة بقوة في كتابة القدماء، ويمكننا أن نؤصل للمسألة بأدب النقد الذاتي؛ ذلك النقد الذي يجعل الشاعر أو الكاتب ناقدا لنفسه من خلال المراجعة والتنقيح، الأمر هنا يتعلق بظاهرة كانت سائدة عند بعض الشعراء الجاهليين الذين نقحوا أشعارهم قبل عرضها أو تعليقها، فشكلوا بذلك مدرسة نقدية بارزة عرفت بعبيد الشعر. لقد أشار طه حسين لذلك في معرض حديثه عن قضية الانتحال، إذ نحت مفهوم المدرسة في الشعر الجاهلي، وسار شوقي ضيف على نهج أستاذه حين تحدث عن الصناعة في الشعر الجاهلي معتبرا مدرسة زهير تمثل ذلك وسماها مدرسة الحوليات.
هذه الملاحظات وغيرها في الغرب والعالم العربي كفيلة بأن تؤسس نقدا قويا فيما بعد، نستمد منه مرجعية النقد الجيني وجذوره، فهذا القاضي البيساني في رسالة إلى العماد الأصفهاني يقول: “وإنه لا يكتب أحد كتابا إلا قال في غده لو غير هذا لكان أحسن، ولو زيد هذا لكان يستحسن، ولو قدم هذا لكان أفضل، ولو ترك هذا لكان أجمل”[8].
يبدو أن أصول أدب المسودات حاضرة بقوة عند القدماء إذ إن الجاحظ الذي كان يهتم بالمخطوط وينقحه في إطار تصحيحه يقول: “ولربما أراد مؤلف الكتاب أن يصلح تصحيفا، أو كلمة ساقطة، فيكون إنشاء عشر ورقات من حر اللفظ وشريف المعاني؛ أيسر عليه من إتمام ذلك النقص”[9]، هذا النقص الذي يعتري الكاتب في المسودة الأولى هو الذي تحدث عنه المتنبي إذ قال ما يمكن أن نفهم منه أنه مراجعة لمسوداته: “ابن جني أعرف بشعري مني”[10]، وكان من المؤلفين من يعدل كتابه يوميا ودائما إلى وفاته حيث يظهر الشطب والتبديل والتغيير، كما يشير صاحب أدب الكاتب إلى مسألة البداية في النص والنهاية منتقدا طريقة أرسطو “أول الفكرة آخر العمل، وأول العمل آخر الفكرة”[11].
إن العمل المنشور لن يصل إلى الورق قبل أن يمر من تعقيدات وعمليات تغيير كثيرة، إذ لكل نص تكوينه الفريد الذي يبدعُ داخله، تلك الأمور التي تحولت وتطورت، تلك الزلات والهنات التي كانت توشح البياض سوادا وخطوطا، إنه الأثر والطرس الخالد الذي يعطي الكاتب حقه في بيان طريقة كتابته.
يتوجه النقد التكويني الجيني بنشاطه تجاه الأدب و”يتوخى دراسة دينامية الخلق النصي”[12]، إن التوجه نحو النقد التكويني لا علاقة له باتجاه الفيلولوجيا الذي ساد في الدراسات اللغوية القديمة تارة باسم التحقيق وتارة باسم فقه اللغة، إلى ذلك ففي القرن التاسع عشر ظهرت بوادر هذا المنهج على يد نقاد كبار مثل هارالد فينريش في كتابه “كيف كان إميل زولا يؤلف رواياته؟” ثم تطور المنهج التكويني في فرنسا، انطلاقا من كتابة مسودات مؤلفين كبار مثل فيكتور هوغو وبول فاليري… كما أن المكتبات أضحت تخصص جانبا منها للمسودات الغربية والشرقية والدينية والتاريخية والأدبية، إضافة إلى اهتمام متزايد من طرف المؤلفين أنفسهم أو أبنائهم أو أصدقائهم بها.
ستظهر دراسات كثيرة، أخص بالذكر ما ورد عن جان إيف تادييه في كتابه “النقد الأدبي في القرن العشرين” حيث خصص فصلا كاملا للمنهج الجيني التكويني؛ الفصل العاشر[13]، مناقشا صيرورة تكوين النص الأدبي في فرنسا، خاصة، مع مارسيل بروست مبينا محترف الكتابة المتطور عنده، معتبرا أن النقد الجيني تربطه علاقة وثيقة بالبنيوية الشعرية، لقد حاول تادييه إيجاد شعرية عامة للنقد الجيني مشيرا إلى غوستاف لانسون في نشره لرسائل فولتير، ثم عرج على ذكر رائد هذا الاتجاه: بيير أوديا في أطروحته “سيرة العمل الأدبي” 1964، حيث رسم منهجا للنقد الجيني، ثم انتقل تادييه إلى دراسة جان بيلمان في كتابه “النص وما قبل النص”، متحدثا عن خطوات نقد المسودة من تشطيب وتحليل وتأويل نفسي لها.
هكذا إذن يبدو أن النقد الجيني يبحث عن جذور النص وطريقة تكونه وبلورته في شكل خطاب هجين من الأسلبة والإيديولوجيا، ذلك أن المسودة القبلية “تظهر عنف الصراعات والرقابة والخسارة”[14]. إن المؤلف يعتبر الصورة الأولى التي يكتبها مسودة للكتاب، يصحح فيها ويغير ويبدل كما يشاء، حتى إذا استقامت له العبارة بيضها في صورة نهائية، يذكر صاحب كتاب المخطوط العربي[15] أن ابن دريد ألف كتاب “أدب الكاتب” مسودة على غرار أدب الكاتب لابن قتيبة وظل مسودة، كما أن الرازي كتب الحاوي في الطب وبقي مسودة والأمر بالنسبة للأغاني للأصفهاني الذي كان طروسا وتعاليق حتى أخرج هذه الكتب تلاميذ المؤلفين، كما أن البيان والتبين للجاحظ فيه نسختان والثانية أجود، الأمر نفسه وقع للخليل بن أحمد الفراهيدي في معجم العين الذي أخرج مسودته الليث بن رافع وكتاب سيبويه الذي أخرجه الأخفش، كما يذكر ابن النديم “أن النساخين والوراقين يزيدون وينقصون على المسودة”[16].
إن هذا النقد شبه غائب في العالم العربي والمغربي؛ ذلك تحكمه أنساق مختلفة منها ما هو ثقافي أو إيديولوجي أو جمالي أو عاطفي أو نفسي أو اعتباري للمؤلفين وكنوزهم ورأسمالهم الرمزي ولمؤسسة الأدب بشكل عام، لكن النقد الجيني بما هو منهج علمي فهو قادر على الكشف عن هذه الأنساق المختبئة. عليه فإن النقد الجيني يصلح لمقاربة المسودات الأدبية القصصية والروائية والنقدية والشعرية والمسرحية، لما يتميز به من دقة ناتجة عن مرجعياته العلمية والفلسفية.
إن الخوض في غمار أدب المسودات بالمنهج الجيني لهو باب واسع؛ لذلك سوف أفترض أن هناك دوائرَ تتقاطع فيما بينها كمجرات يلتقطها تليسكوب النقد الجيني، وهو على علميته العميقة أو على الأقل نسقه المنظم صالح لدراسة المسودات ذات الفوضى العميقة والعشوائية النسقية وبيان مستوى تطور الكتابة، هنا أمكن انطلاقا من المنهج الجيني مع الاستعانة بالمنهج الأركيولوجي أن أدرس مسودة المجموعة القصصية “غالبا ما” حسب المستويات الجينية في جدليتها. انطلاقا من ذلك سوف تترتب ثمان دوائر هكذا:
الحفر في الحذف ومرجعياته |
وصف التغيير في مواقع الجمل والكلمات وخلفيات ذلك |
وصف الكاليغرافية وتحليلها |
دلالة التشطيب من الوصف إلى التأويل |
في أركيولوجيا خطاب المسودات |
زمن الكتابة وتطورها |
ابستيمولوجيا الحدود بين المسودة والنص |
في بيولوجيا خطاب النقد الجيني |
إن هذه الورقة تسعى إلى الدعوة لحفظ ذاكرة المسودات، والاستفادة منها في مقاربة النصوص المنشورة وفق رؤية حقيقية تبرز البنية العميقة للأدب ودور جميع المتدخلين في إنتاج النسخة النهائية من القارئ الأول إلى دور النشر مع الدعوة إلى التعلم من طريقة الكتابة انطلاقا من المسودة.
إن القاص محمد العتروس الذي نشر مسوداته بنفسه مطلقا “العنان لعريه الحميم أمام قرائه”[17] مع نصوصه الشذرية القصيرة كان واعيا بذلك الصراع العنيف الذي تمخضت عنه مجموعة قصصية مائزة، لكنها لا تقل جمالا ورؤية و إبداعا عن نصوص المسودة التي نشرها معها، فكل نص أُرفقَ بمسودته التي عبرت عن أصله وطقسه وحبره وزمنه وطلاسمه.
نحو تصور منهجي إجرائي للنقد الجيني
بالنظر إلى واقع نقد المسودات في العالم العربي والمغربي خاصة، فالملاحظ هو غياب هذا الحقل من الخطاب النقدي، هكذا كان لزاما الإلمام بمفاهيم النقد الجيني، علما أن المغامرة في هذا الحقل المتعدد الخطاب (علمي ـ أدبي – أكاديمي – إبداعي) تقود لصعوبة، الشيء الذي يفرض تحديا ومجهودا مضاعفا في المعرفة بخلفيات هذا النقد الفلسفية والنظرية والنفسية والعلمية.
تهدف هذه الورقة إلى الحفر في مسودة غالبا ما [18] لمحمد العتروس عن طريق فحص العناصر الثاوية خلف سيرة المجموعة وتاريخها، وكذا إلى الكشف عن طبيعة المؤثرات الثقافية والاجتماعية – إن وجدت – الحاضنة للكتابة الأولى وكيميائها، بالإضافة إلى الكشف عن الحبر المستعمل دون غيره وكذا اختيار الكاتب لتعديلاته، ثم بيان محفزات استمرار الكتابة والعوامل التي ساعدت على الوعي بها وتطورها خلال المسودة، وأخيرا نسعى هنا إلى فهم الكيفية الأولى التي قال بها المؤلف لغة أو رؤية قبل إنتاج النص وولادته. إنّ فهم خلفيات المسودة كان الحافز في هذه الورقة، كما مقارنتها بالمولود، إنها مقارنة بين النص الوليد والنص الجنين؛ بين الورق والمسودة حيث تم الجمع بينهما في نص واحد لأول مرة.
إننا هنا سنعمل على مساءلة المفاهيم المؤطرة للنقد الجيني، وسنستعين بالأركيولوجيا من أجل الكشف عن خبايا المسودة باعتبارها كنزا لم يفرط فيه القاص ولا يجب التفريط فيها أو حرقه أو تضييعه، ذلك أنها أرشيف يجب الحفاظ عليه ضمن مؤسسات وطنية ومكتبات خاصة، ولعل الدافع الذي حذا بالكاتب إلى نشر مسودة عمله؛ هو هذا الغياب للمسودة من رفوف المكتبات والأرشيف الوطني ووزارة الثقافة على الرغم من تواجد بعض المسودات التي يحتفظ بها بعض أبناء المؤلفين أو توفر عدد قليل جدا بمركز ذاكرة المغرب المعاصر بالرباط (أسس سنة 2015)، أو تضمها مؤسسات خارجية كما حصل لعبد اللطيف اللعبي الذي تبرع لمتحف فرنسي بمسوداته، أما الدافع الآخر فيرجع إلى قلة الاهتمام بأدب المسودات في المغرب؛ ما يجعل القاص يقترح مسودته للنقد بصدر رحب غير خائف من مجهر النقد الجيني، ومشاركا خلوتَه مع القارئ، مصرحا أن ليس لديه ما يخفيه عنه، وأنه يثق في أصل نصوصه وتكوينها، وأن دار النشر الأخيرة لا تتدخل ربما في تعديلات غير مريحة له؛ لأنه أصلا مالك دار النشر والأصل والنسخة المطبوعة المنقحة.
تنبني مقاربتي للمسودة على رؤية منهجية قوامها النقد الجيني أو (الجينيالوجي في الفلسفة)، أنطلق من النصوص الأولى، بعد ذلك أحدد مرجعيات كتابتها النظرية والفلسفية والمنهجية والفوضوية من خربشات تشكل تاريخ النص وإعاداته وحبره وتشطيباته وزمنها وتطور الكتابة، بعدها أنتقل إلى تمحيص الخطوط وكاليغرافيتها وتحقيقها وفك طلاسمها وخربشاتها، أحلل تلك الوثائق وفق إجراءات النقد الجيني من تأويل للوثائق وحفر فيها وكشف منطق علاقاتها مستعينا بالمنهج الأركيولوجي الذي يحفر في المؤشرات الدلالية واللغوية والنسقية التي شكلت النص قبل اكتماله من فضاء وفراغ وحذف وتشطيب.
مراحل كثيرة يتعامل بها النقد التكويني من توثيق وتحرير وتنقيح وتصحيح ومراجعة؛ تشكل كلها عمليات الكتابة وطقسها وجينيالوجيتها التي يجب أن لا تضيع حتى لا يصبح يتيما، عليه، تكون نصوص قصصية كثيرة في المجموعة محل اختبار لتحقق هذا المقترح النقدي الجيني، بناء على ذلك سنرتكن إلى تعامل حذر مع هذا المنهج، مع الاستعانة بالأركيولوجيا التي تقوض ميتافيزيقا النص وتعتبره وثيقة مادية بعيدة عن الذاتية والخطاب السلطوي والإيديولوجي، كما أننا قد نستعين بالابستيمولوجيا منهجا من خلال رصد الحدود بين المسودة الأصل والنص المنتج، كما يمكن إبراز مناطق التخوم بينهما ومناطق الانفصال، متسائلين عن خلفيات التعديلات ودواعيها. قد تتقاطع مناهج أخرى مع ما نصبو إليه منها: منهج التحقيق والفيلولوجيا وعلم نفس الكتابة والتاريخ والجيولوجيا وعلم الوثائق.
في التحقق النصي على المسودة وإجراءات المنهج الجيني
وصف كاليغرافية المسودات ودلالتها
في مسودة القصة الأولى الصرخة ص8، بدا الخط بلون أسود من صفحة ونصف معبرا عن كآبة وحزن في القصة، كما أن القفلة جاءت بطريقة تيبوغرافية أفقية مثل قصيدة نثر مائلة، فيما مسودة الوجه ص 12-13 كانت بخط أزرق من صفحتين في الوسط، أما ما تبقى من المسودات فهي باللون الأزرق في صفحة أو صفحتين ما عدا مسودة قصة السر (الأسود) بكاليغرافية عمودية وورقة من نوع مختلف، مع وجود الكثير من الخربشات، إلى ذلك فدلالة الكتابة في الصفحات من الوسط تعبر عن أن الكاتب بحاجة للفت الانتباه لما يكتبه، كما أن الخطوط غير مضغوطة، فهي متوسطة واضحة للقارئ لتعبر عن اتزان في شخص الكاتب وتنظيم قل نظيره ومرونة في التعامل مع الورق، كما أن جل العناوين توضع وسط الصفحة في الأعلى، أما اللون الأزرق الذي بدا طافحا فهو علامة على صفاء الروح و النوايا كما زرقة البحر، كما أن ذلك الميل بالخط الذي بدا طافحا في قفلات جل المسودات يعبر عن لا نهائية القصة وفتحها آفاقا واسعة للتأويل كما الكون في لا نهائيته الصوفية والعلمية، وهو الأمر الذي تعبر عنه كل المسودات بـ”غالبا ما” أو “عادة ما”، مشيرة إلى زمن لا ينتهي وتقطيع وتشذير فلسفيين يذكر بإميل سيوران ونيتشه و إدواردو غاليانو في ذاكرة النار.
زمن الكتابة وتطورها
تبدو جل المسودات القصصية مرفوقة بزمن كتابتها؛ ما يبرز أن مستوى الكتابة تطور كثيرا منذ تاريخ 07-09-2013 حيث تشكلت مسودة النص الأول من دون عنوان والذي أعطاه الكاتب الترتيب الأخير في المجموعة بعنوان ( الط-ع-نة)، مرورا بمسودة النص الثاني “الوجه” إلى مسودة قصة البغل بتاريخ 26 -09 – 2013، ثم مسودة قصة الذئب، وكذا مسودة قصة البراغيث ومسودة قصة الكلمات بتاريخ 18 – 10 – 2013، ومسودة قصة الجيفة 15-09-2013، ومسودة قصة الريح ومسودة قصة الأفعى ومسودة قصة الموسيقى ومسودة قصة القنينة ومسودة الكتاب بتاريخ 17 -09 -2013، وكذا مسودة قصة الطاولة ومسودة قصة المراحيض بتاريخ 10 -10 –2013 وكذا مسودة قصة الجنة ومسودة المكان ومسودة قصة الزمن ومسودة قصة القط بتاريخ 21-09-2013، ومسودة قصة الحب بتاريخ 08-10-2013، وكذا مسودة قصة الحقيبة 20-09-2013، وكذا مسودة قصة الحب بتاريخ 08 -10 -2013، فيما مسودات قصص كثيرة لم ترفق بتاريخ الكتابة من قبيل “الصرخة والورقة والغابة والفيل والأنوثة والسنابل والبحر والرمل والوزرة والنجار والهاتف والريح والقفاز والشِّعر والمفتاح والصومعة والمعرفة والسّر والنساء”.
إن تاريخ المسودات تراوح بين 13 -09 -2013 و 10-10-2013 ما يجعل زمن الكتابة قصيرا جدا، كما أن ترتيب المسودات في المجموعة القصصية لم يكن منظما زمنيا بل خضع لرؤية النص القصصي الأخير أو المولود ولم يراع تكوين الجنين، وهي رؤية لم تراع التشكل الجيني بل راعت التنظيم وإعادة البناء القصصي وفق مرجعية ورقية وطباعية تيماتية من قبيل تنظيم النصوص في المجموعة القصصية ومراعاة تكوين القصص من حيث النوع وانتمائها لشجرة دلالية خاصة، فالابتداء بالصرخة هي صرخة القصة وصرخة الجنين الذي ولد من دون زمن، كأن القاص يعلن أن مسودة الصرخة هي أول ما سمع الطبيب (القارئ) أو القابلة ( القارئة) من الجنين، وأن مسودة الوجه أول ما يراه، وأن مسودة الورقة والصفحة هي البياض الذي تخطّ فيه تواريخ الولادة، أما المسودات الأخرى فتعلن انتماء ترتيبيا إلى الغابة أو الفن أو الفلسفة.
الملاحظ لزمن التكون أنه قصير جدا، فالحمل الجنيني للقلم دام شهرا واحدا أو أقل؛ ما يفسر أن عملية الكتابة القصصية الشذرية كانت دفقة شعورية مثل إلهام وامض سريع توارى تاركا وراءه مساحات من الظلال للتأويل والقراءة، كما يظهر أن هناك زمنا طويلا مقداره سنتين هو زمن الفطام من دون ولادة، كأن النصوص المسودات تكونت وتمخضت مخاضا عسيرا ورقدت في بطن الورق بحبرها سنتين قبل أن تمر للمطبعة والنشر الورقي مع ما رافقها من تعديلات وتشطيبات وتقديم وتأخير وحذف وإضمار وتنقيح؛ ما يبرر أن الكاتب لم يكن متسرعا في النشر وقد ترك مسوداته تختمر وفق الرؤية السابقة والخيط الناظم وعدم الاكتمال والانفتاح على كتابة المحو بتعبير محمد بنيس، كما البحث عن حفار قبور ينبش بتعبير حسن إغلان[19] وهو ما نسعى إليه هنا.
إن مطبخ الكتابة يعبر عن تطورها المستمر جينيالوجيا وذهنيا، إذ إن المواضيع المتطرق إليها تنمو وتعلو وفق إيقاع صاعد يشبه الكتابة في مخبر العلوم أو متحف الآثار؛ كتابة ليست خطية وفق الأحداث، بل هي قطع وتحف فنية نابعة من عمق فلسفي ووعي مغاير لمعنى الأدب، حيث الكونية وجعل القصة مشابهة لقطعة من التأملات في الحياة والطبيعة والفن، فمنذ مسودة الطعنة الأولى حيث لم يكن الكاتب يخوض صراع القفلات والنهايات لم تكن نية العنونة النهائية قد ابتدأت ولا نية القفل ب:”غالبا ما” قد تشكلت في ذهنية القاص. إن عنوانا آخر كان يصارع فكره وهو “عادة ما”، التي وُجِدَتْ كثيرا في المسودات، فما الفرق بين عادة ما، وغالبا ما؟ إن العادة تعني المألوف الذي جرت به التقاليد والسنن والتكرير اليومي أما غالبا فتعني في أكثر الأحيان، أو كثيرا ما، لكنه يستعمل في غير اليقين من الوقت، إلى ذلك فرؤية الكاتب للعنوان تشكلت في شهر لكن العنونة لم تتضح إلا بعد اختمار ونضج، ومرجعية فلسفية نابعة من عدم اليقين[20] القصصي وصعوبة العنونة التي كان جينيت قد شرّحها في كتاب عتبات، كما تنهل الكتابة من اختيارات فلسفية شبيهة بمطرقة نيتشه؛ الأمر الذي يجعل فكرة نشر المسودة ورقيا خلفية جينيالوجية بحتة، إذ كل شيء مؤطر بـ”غالبا ما”، فالعين والورقة والكلمات وحبة والرمل والبحر والموسيقى والأفاعي والكتب والزمن والحقائب … كلها أمور نسبية.
دلالة التشطيب من الوصف إلى التأويل
للتشطيب أهمية قصوى في تطور الكتابة، إنه يحيل على بناء آخر من هدم سابق، إذ يكشف عن الحقيقة الغائبة بالمحو، بل “إنه مشروع لنص لن يكتمل أبدا”[21]، هذا الأمر إذن لم يكن كثيرا في المسودات التي وضعها أمامنا القاص إذ بدت قليلة التشطيب من دون حواش وتعاليق، لم تعمق الفرق بينها وبين النص الوليد كثيرا؛ ما يجعل القاص في مواجهة المطرقة مع نفسه، فهي لم تكن بذلك الفسيفساء المنتظر من اللعب واللهو والشبق المرافق لطقس خلوي أسود مستتر، إلى ذلك فالتشطيب قد يشير إلى علاقة بين الواقع والكتابة وإلى صراع عنيف للأفكار مع اللغة إبان الكتابة، هذا التشطيب هو مخاض ناتج عن رجّات عنيفة يتعرض لها الكاتب من حين لآخر، كما يدل على تحولات جذرية تمس جوهر البنية العميقة للأدب والوعي به، من المسودة إلى الكتاب، لاشك إذن أن عملية التشطيب ناتجة عن وعي بعدم النظافة، فكرة تجعل الكتاب النهائي نظيفا بالمعنى المفارق للمفهوم في حقيقته، إذ المحو جينيالوجيا يعتبر صوابا هو الأصل، وأن الصباغات والخطوط الأصلية تعبر عن الحقيقة نوعا ما، وهي الحقائق التي يدريها فكر الكاتب ووعيه بها آنيا منطقيا قبل أن تمر ممحاة الأقنعة والإيديولوجيا والذاتية، “فتتحول الخربشات إلى شاهد على حالة الكتابة”[22]، ذلك التشطيب والمحو يبقى مثل طرس شفاف يكشف نوايا الكاتب القبلية الصادقة المجنونة المخطئة والجامحة والحبيبة الأولى والأخيرة التي يحتفظ بها الكاتب لنفسه، وأما ما بعدها من تبييض فيفسرها ويكون تابعا لها. فالأوراق الطباعية سلعة تباع وتشترى حسب حاجة الآخر بداع جمالي أو إيقاعي أو تصحيح لغوي، أو دلالي، أو إيديولوجي أو ثقافي، إن المسودة بتشطيبها ومحوها وتنقيحها هي “النص الحي الذي لم يدفن بين دفتي كتاب” بتعبير عبد السلام بنعبد العالي[23]، ذلك أن النص الحقيقي هو المسودة وما عداها هو شعارات وتنميقات ورقية، وربما هي بياضات ميتافيزيقية مفارقة للمسودات الجينيالوجية؛ الشيء الذي جعل الترجمة مثلا تتعامل مع النص الورقي الذي يدعي الكمال باعتباره مسودة فقط، وهو الأمر الذي أشار إليه بورخيس حين لاحظ أن “الترجمة معادل للمسودة”[24]، في إشارة إلى غياب نص نهائي، إن ما يفعله النقد الجيني هو هدم مفهوم النص بشكل عام وبيان مسببات تشكله وفق حفر عميق في جوهره الذي لن يكون أصيلا بناء على جينيالوجيا نيتشه وحفريات فوكو ودرجة الصفر عند رولان بارث وكتابة موريس بلانشو التي تزعم غياب الأصل ومحوه الدائم، إذ يقول بلانشو “الكتابة تحدد موقعها بتوافقها مع الضرورة اللانهائية للمحو”[25]، إن المحو إذن هو طريق الكتابة يقول بنيس “هنيئا لكم أيها الباحثون عن هذا المعنى الذي تمحوه الكتابة وهي تواجه الموت بحبستها، تقف على الرسم (الطلل) لتعقد صداقة الفراغ والنقصان”[26].
يصبح الشطب بحثا عن مقام الكتابة، بل هروبا نحو وعي آخر، لكنه فرار يعرض عن المرجعية القبلية، عن نظام اللاشعور والقلم المبرى المنفلت من الرقابة، إلى مرجعية غير مكتملة ومعان لنص لن يكتمل إلا على الورق، هكذا كان التشطيب -على قلته- ملازما لمسودات محمد العتروس في غالبا ما وفق رؤى متعددة.
في مسودة الصرخة شطب الكاتب على كلمة عنبا وعوضها بكرمة، وهو محو جمالي، في المسودة الثانية تبدو طروس عنوان آخر هو النظر بادية، فيما تم تعويضه بالوجوه، كما أنه تم تشطيب جملة (جلس على الكرسي وكأس في)، هي جملة لم ترق الكاتب أن تكون استهلالا لقصة رائعة، ثم هناك محو لجملة (كان أنيقا أناقة) وتعويضها بـ:وسيما وسامة، ثم تشطيب كلمة جسده وتغييرها بملامحه. إن التشطيب هنا لم يكن إلا بدافع جمالي محض.
في المسودة الثالثة “الورقة”[27]، يظهر تشطيب لعنوان آخر هو الصفحة، أما في مسودة الغابة فكلمة “أطرافها” شطبت وحلت محلها كلمة “وسطها”، أما مسودة البغل فهي بلا عنوان وضمت مسودتين وتشطيبا لكملة “تمتطي” لتعوضها تعتلي، في مسودة الذئاب شطب الكاتب على عنوان آخر هو الحياة، كما شطبَ جملة القفلة (إن الحياة غالبا ما تكمل دورتها غير آبهة بالضحايا) وتعويضها بـ ( إن الذئاب غالبا ما تتشابه في أكل النعاج)، ويبدو أن الشطب هنا كان لوظيفة نصية محضة إذ إن رهان النص الأول بعنوانه وقفلته تغير كليا لنص آخر من نص الحياة إلى نص الذئاب؛ ما جعل المسودة بنظرنا أقوى وأبلغ إذ الرمزية بالذئاب تيمة نمطية عادية لم تقم إلا بتقزيم النص. المحو هنا أبلغ من الكتابة، في مسودة الكلمات ص 32، محو لقفلة النص (ثم إن الكلمات غالبا ما لا تقول شيئا)، وتعويضها بـ: (غالبا ما تفهم متأخرة)، لننظر: أي فرق بين أن لا تقول الكلمات شيئا وبين أن تفهم متأخرة؟ لا شك أن الجملة الأخيرة مقبولة بالنظر لسياق القصة وعدم فهم الرجل لتلك الكلمات التي ترددها المرأة مع رضيعها بعد فوات الأوان.
في مسودة الأنوثة ص37، تشطيب لكلمة طريقة وتعويضها بتسريحة، أما في مسودة الجيفة ص44 فالعنوان المشطب هو السبع، وكذا تشطيب جملة (وتصادف أن كان الأسد يتجول في الميدان) في مسودة الرمل ص48 محو جملة ( انقذفت في المحيط) وكذا (المتوسط) و(الأطلنتي) و(الشاطئ ) و(جديد). كل ذلك يدل على صراع في معترك الفكر أثناء الكتابة، فتعويض الأطلنتي بالأحمر يدل على المسافة العظيمة التي قطعتها حبة الرمل أما “جديد” فمحوها كان تفاديا للتكرير، في مسودة الريح ص56 أصاب المحو عنوان (الدراجة)، أما مسودة الموسيقى ص60 فتم محو (لم يستسيغ) وتعويضها بلم يستسغ، في مسودة القفاز ص 62 تم التشطيب على جملة (هب الآن ترتعش والقفاز أمامها والمشرط والمقص) وكذا تشطيب (غالبا ما تصنع جراحا) وتعويضها بـ غالبا ما تصنع الرهبة، إنه محو لقفلة النص وجعلها أكثر إضمارا وإيحاء، في مسودة الشعر ص 67، تم تشطيب جملة (وهو ينظر زغيبات فاستقبلته فرحة) وتعويضها بـ: (مطمئن إلى زغيباته الخجولة)، كذا تشطيب الضوء وتعويضها بالنور، في مسودة الكتاب ص 67 طال النسيان جملة (المرصع كذلك بالحروف والشجيرات)، وتم محو (الخزانة) لتستبدل بالرف، في مسودة المكان ص 72 تم محو قفلة النص (لا يؤمن بكل الأمكنة الأخرى) لتعوض بـ (لا يؤمن إلا بالأمكنة الأخرى) وكذا تبديل (الأمكنة الأخرى) بالمكان، أما مسودة المفتاح ص 77 فالتشطيب طال جملة (أصبح الصدأ يحتاج إلى من مزيل وإلى أدهان)، كذلك (غالبا ما لا يفتح كل الأبواب)، وتعويضها بـ (غالبا ما يتآكل من الرطوبة والصدأ)، إنها تعديلات جوهرية تمس الكتابة وفق رؤية محددة، في مسودة (الصومعة) ص 86، تم محو (الهواء والظلام) مع استبداله بـ (العتمة)، كما تم تشطيب جملة القفلة (ثم إن الصومعة والبئر غالبا ما يمتدان إلى حيث يشاءان)، لقد تم تغييرها بجملة: (ثم إن الصومعة غالبا ما تكون بئرا مقلوبة)، وهو محو في محله. أما مسودة الشيطان ص 92 فقد تم تغيير عنوانها إلى الحب في النص المنشور.
هذه بعض التنقيحات التي لعب المحو دورا هاما في إنتاجها، ذلك أن تاريخ الكتابة وإن بدا سريعا فإن التنقيح والتعديل والخروج من فوضى المسودة إلى نظام الورق قد استغرق سنتين كاملتين؛ ما يجعلنا نقر أن محمد العتروس ينتمي إلى مدرسة عبيد السرد، على غرار عبيد الشعر السالفة الذكر.
الحفر في الحذف ومرجعياته
نقصد بالحذف التخلي عن جمل أو كلمات وعدم ذكرها في النص المنشور ورقيا لأغراض مختلفة، ونحن هنا بصدد فعل المقارنة بين المسودة والنص المطبعي من حيث الجمل المتخلى عنها، والهدف من ذلك أننا لا نروم بيان الحذف من وجهة بلاغية، ذلك أنه باب بياني كما ذكر ذلك عبد القاهر الجرجاني “هو باب دقيق المسلك لطيف المأخذ، عجيب الأمر، شبيه بالسحر”[28]، إنه إسقاط جزء من الكلام للاختصار، من خلال الإضمار والحذف القصصي الذي يعنى بالإيجاز، إن الحذف من المسودة إلى النص المنشور لا يحيل إلا على نقد ثقافي من خلال الرغبة في الإيجاز والاختصار والأنساق الثقافية والإيديولوجيا والمسكوت عنه في المسودة، حذف من نوع خاص، في مسودة الوجه ص12، تم حذف جملة (التي تحمل في معصمها الساعة الذهبية)، في مسودة الكلمات تم حذف كلمة (الأركيولوجيا) من النص الأخير؛ ليسكتَ عنها القاص في الورق مخبئا أسسه الفلسفية الحفرية الفوكوية في الكتابة، حتى لا تكون تناصا فاضحا للسلطة المرجعية، كما حذف (صورة ملقاة بإهمال) من مسودة الوزرة ص50.
إن الحذف لم يكن حاضرا بقوة في النص المطبعي حين مقارنته بنص المسودة، ما جعل القاص يكتب مسوداته وينقلها أمينة للقارئ كما هي، اللهم ما مس التغيير في المواقع والكلمات من تقديم وتأخير وزيادة، تلك الأشياء التي شكلت رؤيا الكاتب وجعلته منقحا لنصه حسب مرجعيات مختلفة منها الرؤيوي واللغوي، خاصة.
وصف التغيير في مواقع الجمل والكلمات وخلفيات ذلك
حينما وسمنا المقال بكون النقد الجيني يستمد مرجعيته من الجينيالوجيا فإن الأصل يكون هو الأرشيف أو المسودة، تلك الأوراق المبعثرة التي يحكمها خطاب مختلف عن النص المنشور، تلك التي تحكمها إرادة الكاتب القوية والتي تنهار سريعا في ظهور النص على الورق، فإرادة القوة التي ناقشها نيتشه تلعب دورا حاسما في تشكيل الخطاب، وبالنظر لنصوص المسودات التي حفلت بها المجموعة فإنها ذات منزع فلسفي محض وذات قفلات حاسمة لكن غالبا ما تظهر المفاهيم والمصطلحات كما لا يراد لها، إن التغيير الذي يمس المفاهيم في الخطاب بشكل عام يحكمه المنتصر سواء كان جماعة أدبية أو دار نشر أو ذوق سائد أو اعتقاد راسخ، وبهذا نفسر مجمل التغييرات التي طرأت على نصوص المسودة إلى الورق، معتبرين جل النصوص مخالفة للمسودات ضاربين بعض الأمثلة فقط للتعبير عن هذه الإرادة التي تتحكم في إنتاج النصوص الورقية، فنص مسودة الصرخة الأول كان بليغا جدا كقصة قصيرة جدا أو مثل نص هايكو أو حكمة زن، فيه من البلاغة الشيء الكثير، لكن النص الوليد بدا مترهلا قليلا بالزيادات والتدقيق في الوصف، ذلك أن معيار الوصف أضحى ضرورة عصرية في السرد الحديث باعتباره استراحة سردية ومؤثثا للفضاء، لكنه يتنافى مع الأصل الذي هو الإيجاز والإضمار والتشذير.
فيما بدت مسودة الوجه حافلة بالخطأ اللغوي (يداه معرورقتين – كانت عيناه تائهتان)، أما النص المنشور فقد صحح ذلك ونقحه، طبقا لمعيار الصحة والصواب اللغوي، كما تم تغيير جملة عادة ما إلى غالبا ما، كذلك نشهد في مسودة الورقة أصل القفلة العادية التي ستصبح بذلك الشكل الكاليغرافي المائل في النص المنشور، إضافة إلى تغيير في مواقع الجمل والكلمات بين التقديم والتأخير الذي لا يعنى بالجانب البلاغي، بل بالتلاعب اللفظي.
أما مسودة القهوة، فحفلت بخطأ لغوي (تذوب القطعتين)، مع تغييرات مختلفة من نص المسودة إلى الورق، خاصة، ما تعلق بقفلة النص: (ثم إن القهوة عادة ما تشرب من دون سكر)، ليعوضها الكاتب بـ(غالبا ما تشرب من دون سكر)، هذا التغيير مس كذلك قفلة مسودة الغابة (غالبا ما تخفي الأشجار) وتعديلها في النص: (تخفي الأشياء)، مع تعديلات لكلمات: (متماهي) لتصبح (هلامي)، و(القصيرة) أصبحت: (الواطئة)، (الغنى) أضحت: (الثراء)، إن النص الورقي للغابة كان جيدا حيث وسّعت القفلة من فلسفة القطرة وكذا اشتمال الغابة على الأشياء.
في مسودة البغل ص 22 كان الأصل بلا عنوان وهي تضم مسودتين، مع تغييرات مست جملا كثيرة من خلال تغيير (عُرْفَه) بـ (ذيله)، ثم تغيير (يلكز) بـ( يطأ )، مع غياب الكاليغرافية، كما أن هذا النص يظهر أن هذه المسودات التي نحن بصددها ليست الأولى، بل هي الأخيرة لخربشات بعيدة جينيالوجيا، كأن الأصل الذي نبحث عنه وفيه غائب، أو مفقود أو لا يوجد مطلقا، لكن المسودات بما هي كذلك فهي الحقيقة الملموسة حاليا.
في مسودة الذئب تم تعويض كلمات في النص المطبعي وتغييرها من قبيل (قلبه) التي أصبحت (صدره)، كما زيادة كلمات (الندية، الشرر، تتشابه في الطباع)، إنها تغييرات أدت معان جديدة وجعلت النص الورقي يبدو بدينا من المسودة، حيث حفل الأصل برؤية فلسفية ورمزية كبيرة للحياة، بخلاف النص الأخير الذي بدا مولودا قيصريا نتج عنه ذئب يمثل محكيا معروفا لدى المتكلم سابقا في الحكايات والأساطير والأديان.
هذا الترهل مس نص البراغيث الحافل بالحشو بخلاف المسودة، أما مسودة الكلمات فهي متغيرة القفلة في نص الورق ونتج عنها فهم متعدد التأويل حيث فتح للقارئ شهية المعنى من قبيل تعويض: (ثم إن الكلمات كالحافلات غالبا ما لا تقول شيئا) بـ(ثم إن الكلمات غالبا ما تفهم في الوقت الميت). في نص الأنوثة الذي كان مختلفا عن مسودته حيث مسه تغيير جوهري في قفلته من: (ثم إن الذكر عادة ما يخفي أنوثة بائدة) إلى ( ثم إن الذكر غالبا ما جزءا من أنوثته المستترة)، هنا يبدو أن القفلة كانت تضمر أشياء كثيرة بخلاف نص المسودة.
في مسودة الولادة مس التغيير كلمة: (يأبى) إلى (يرفض)، أما مسودة الجيفة فتم تبديل (الأسباع) بالسباع، و(الجفاف) بـ(القحط)؛ تغييرات بسيطة مست خطأ لغويا من جمع القلة إلى الكثرة، الأمر نفسه في مسودة البحر حيث تم تبديل (يكسر) بـ(يخرق)، و(غالبا ما يكون) بـ (عادة ما يكون). أما مسودة الرمل فمستها تغييرات لفظية من قبيل: زيادة (والصيادون)، وتبديل (البحر المتوسط) بـ(الأبيض)، إن الزيادات هنا لم تكن موفقة حيث إن الخطأ مس النص المطبعي بخلاف المسودة في زيادة كلمة خاطئة إعرابيا (الصيادون).
في نص الوزرة تم تبديل كلمة (مرفوفة) بخلاف المسودة (مصطفة)، كما أن القفلة لم تكن مائلة بخلاف النص في الورق.
في نص النجار سيتم تبديل كلمات المسودة: (المحل ومنهوكا وإيذانا) بـ (المتجر ومنهكا وتنذر بـ)، أما بالنسبة لنص الهاتف فحفل بزيادة جمالية (سر سر سر) حيث كرّر الكاتب صوت الهاتف لإضفاء إيقاع على النص بخلاف المسودة، أما نص القفاز، فبدا مختلفا عن مسودته بتعديلات مست تعريف كثير من الكلمات من قبيل: (القفاز، المشرط، المقص، المخيط، الأدوات…)؛ السبب يعود إلى أن المسودة حفلت بتلك الكلمات نكرات بين الطبيب وأغراضه، وهي أدوات يعرفها كما يعرف نفسه إذ سبق له بها عهد ولقاء.
في نص القنينة ستتغير كلمتا المسودة ( البعض، قنينات ممتلئة) إلى (بعض، ممتلئات)، تبديل صائب نحويا إذ بعض لا تدخل عليها ألـ التعريف وكذا نعت الجمع غير العاقل يكون بالجمع المؤنث السالم صوابا لا مفردا كما هو شائع خطأ.
أما مسودة نص الكتاب فتم تغييرها كثيرا في النص الأخير الورقي، إذ مقارنة بينهما ستكشف حجم التحول:
في المسودة في النص
بالحروف الفضية الحروف والشجيرات المذهبة
اختطفت قلب كتاب الأغاني كتاب الأغاني اختطفت قلبه
العناوين الكثيرة العناوين الكبيرة
نحن باهتين نحن باهتان
البئيسة البائسة
ما بين دفاتها قيمة ما بين دفاتها
يلاحظ تغيير كثير مس الجوانب اللغوية تارة بالتصحيح وتارة بالوقوع في الخطأ كحال تعويض البئيسة بالبائسة، إذ الصواب هو البئيسة نسبة للبؤس وليس البائسة نسبة للبأس الذي يعني البطش.
كانت هذه بعض التغييرات التي مست مسودات القصص مع العلم أن تبديلات أخرى طالت مسودات أخرى من قبيل: الزمن والمكان والمفتاح والحقيبة والمراحيض والطاولة والصومعة و الجنة والمعرفة والحب… تارة زيادة وحينا نقصانا أو تعويضا لأسباب منها ما هو إعرابي أو جمالي أو إيقاعي أو ثقافي أو إيديولوجي أو إخراجي.
في أركيولوجيا خطاب المسودات
تفهم الكتابة في المنهج الحفري على أنها طبقات جيولوجية يجب البحث عن مؤسِّساتِها (المسودات) بهدف الكشف عن ما يعتور الطبع (الورق) من رؤى وخطابات مختلفة، حيث ما بين الزمنين مسكوت عنه وإقصاء وقمع وتحرر وظروف تتحكم في إنتاج النص، بهذا تصبح المسودة طبقة أولى تحمل قيما ومفاهيم خبيئة، من هنا تسعى أركيولوجيا المسودة إلى إظهار الصورة الأولى للكتابة. يقول فوكو في وصف منهجه: “يدل على الفكرة المحورية لوصف هدفه واستنطاق الما قيل في مستوى وجوده، وفي مستوى الوظيفة العبارية التي تمارس عليه، والتشكيلة الخطابية التي ينتسب إليها والمنظومة العامة لاحتفاظه وظهوره، فالحفريات تصف الخطابات كممارسات محددة”.[29]
إن أركيولوجيا الكتابة تسعى “إلى الكشف عن أسس الخطاب التاريخية وتحليل القطائع الابستيمولوجية”[30]، إن الكثير من إجراءات النقد الجيني تحكمها خلفية فلسفية أركيولوجية وجينيالوجية، لا تختلف عنها إلا اختلاف العام بالخاص، فالنقد الجيني يركز على النصوص وتكونها أما الأركيولوجيا فتسائل المعرفة عامة، من هنا كان وصف المسودات ضرورة ملحة، كما أن تحليلها قاد إلى فهم خلفياتها وتقاطعات الكتابة بالفلسفة، والظروف التاريخية المنتجة لها، إن الكاتب حكمته مطرقة نيتشه وشذرة سيوران فتموقع بين الكتابة والحكمة بمعناها الفلسفي، فأنتج نصوصا مسودات مهزوزة تقفز وتثب بتعبير عبد السلام بعبد العالي[31]، شذرات عميقة تعكس نظرة وتمرسا على القصة القصيرة قلما نجده بهذا الوعي الذي يجعل الكاتب يرفع مطرقته في وجه أصنام القصة القصيرة، معلنا للقارئ أنه لا يخشى شيئا.
ابستيمولوجيا الحدود بين المسودة والنص.
لسنا هنا نريد بيان مفهوم الابستيمولوجيا فذلك مطروق في أبواب كثيرة تتعلق بالفلسفة، إن الابستيمولوجيا في أبسط التحديدات هي”الدراسة النقدية للمبادئ أو الفرضيات والنتائج العلمية الهادفة إلى بيان أصلها المنطقي لا النفسي وقيمتها وأهميتها الموضوعية”[32]، ما يهمنا في هذا الرصد هو أنها ترتبط بذلك “الخطاب النقدي الحاد والجذري للمعرفة من أجل أن لا تتحول إلى ناطق حصري باسم الحقيقة”[33]، عليه أمكن أن نطرح سؤالا يتعلق بالحدود الابستيمولوجية بين المسودة والنص، وهل الحدود وهمية فقط أم إن هنالك تخوما تشبه أصل الأنواع والشجرة الأم، ونظرية التطور والطفور؟
إن المسودة والنص بعد الرصد السابق أركيولوجيا بينهما حدود وتخوم؛ يشبه الأمر جينيالوجيا الانتقال من علم الأنساب إلى علم الوراثة كما أن الحدود الابستيمية والتقاطعات الحفرية العالقة بين الخطابين (مسودة – نص) تبدو مثل حدود بين أنواع من الشجرة نفسها أو بين أب (مسودة) وابنه (نص وليد)؛ ابن يسعى جاهدا لقتل أبيه وطمس معالمه والانتصار لجهله المقدس وأسطورته الشخصية (أوديبية محضة عمياء عن حقيقتها ويتيمة الأب).
قد يبدو سؤال الحدود متجاوزا بالنظر للطفرة النصية والتداخل النوعي والعودة إلى شجرة الأنواع ألا وهي النص الجامع أو المنسج كما عبر عن ذلك جيرار جينيت ودولوز وبارث وبلانشو.
لكن الذي يهمنا هو أن هذا السؤال يدعونا لمراجعة المسودات وكشف خلفياتها وتأويلها وبيان أفكارها وصراعاتها، الأمر الذي تتعاضد فيه الأركيولوجيا والابستيمولوجيا والجينيالوجيا مع النقد الجيني.
في بيولوجيا خطاب النقد الجيني
إذا كان داروين قد اشتغل على مفهوم الانتقاء الطبيعي الجيني انطلاقا من عمليات التفاعل التي تحدث بين الطبيعة، فإن الداروينية الأدبية تتجلى في النقد الجيني من خلال التفاعلات التي تحدث أثناء الكتابة من عواطف وأشكال وصراعات؛ ما يجعل الانتقاء الأدبي عملية مفروضة على الورق بالنظر لقوة الثقافة المسيطرة ذكورية أو إيديولوجية أو جمالية أو فلسفية أو رؤيوية، إن الأمشاج الأدبية المتطورة في المسودات تتعرض للتخمير القسري والتعسف الذي يحابي الانتقاء الورقي، وإذا كان الانتقاء الطبيعي الجيني ينتج جماعات حيوانية يمكن أن تكون جديدة فكذلك هو الاصطفاء الأدبي الورقي الذي ينتج جماعات أدبية ونقدية مختلفة لكنها تتفق في اختيارات ثقافية توجه المرحلة الزمنية، ما ينتج في الأخير طفرات ناتجة عن بعض الكتابات المخلخلة للنسق السائد وهي كتابات هجينة فوضوية تخفي نسقا عميقا هو نسق الصراع من المسودة إلى النص الذي تحكمه تلك العمليات الانتقائية التي يعالجها النقد الجيني ويرجعها إلى أسس بيولوجية ونفسية قبلية على الثقافة، عليه أمكن أن نسأل المسودات عن عنف الصراع بين الثقافة والبيولوجيا، لنبحث عن الجينات الأولى للنصوص التي تتشكل من الغرائز و الملامح البشرية أو ما يسمى بالحيوان الأدبي.
إن الانتقاء القصصي في المجموعة “غالبا ما” خضع لعملية الغربلة والبقاء للأصلح (والأقوى)، تلك القصص التي نقلت الجينات الأولى للصراع الفكري، لكن هل هناك طمأنينة أدبية على غرار الطمأنينة الفلسفية والعلمية؟ ذلك ما قد يجره طرح مثل هذا يعيد النصوص لسيرتها الحيوانية من جنس وزواج وسلوكات وطفرات وانتقاءات عشوائية يحكمها العمى والبصيرة، هكذا حكم النصوص المسودات انتخاب طبيعي لنصوص من قبيل الغابة والفيل والبغل والذئب والبراغيث والأنوثة والنساء والولادة والجيفة والحب والنساء والقط والأفعى…
الإشارة إلى البيولوجيا في المسودات كما في النصوص الورقية كانت واضحة إذ تحضر نظرية النشوء في قطرة المطر ص 18 التي عاشت حيوات كثيرة في التربة والنبات والشجر والثمار، في مسودة البغل ص 22 تحضر جينات الجنس دافعا بيولوجيا للبقاء حين يعتلي البغل الأتان ما يجعل الانتقاء طبيعيا أن جماعة البغال لا علاقة لها بالأحصنة أما الحمير فتسعى لتحسين نسلها عبر الاختلاط بسلالة البغال، أما مسودة الذئاب ص 26، فقد حضر مفهوم الذئب كمتخيل حكم الثقافة من الطبيعة حيث غريزة الافتراس الخالدة، في نص مسودة الأنوثة ص 36، يتجسد ذلك الالتحام الدارويني الخطير بين الأدب والعلم، ذلك الاتحاد الذي أنتج الداروينية الأدبية من خلال فكرة أن الذكر مهما كانت فحولته يخفي جانبا أنثويا في تركيبته البيولوجية استعارة من الخلق الأول لآدم كإنسان أندروجين أسطوري خرجت حواء من ضلعه، وإشارة كذلك للجينات الأولى للشجرة البشرية.
في مسودة الولادة ص 40، نص مخاضي جنيني عسير على الولادة مثل نص أدبي يمر من عنف الفكر إلى اللسان إلى عراك القلم والورق أخيرا، ولادة بعدها حياة للجنين الذي رفض الخروج، في مسودة الجيفة ص44 تجسيد لذلك العنف والدافع للبقاء الطبيعي من خلال وباء أصاب جماعة الحيوانات فصادف الضبع الذي يأكل الجيف أسدا فافترسه؛ لأن كل نسل ينتقي فرائسه، في مسودة النساء ص 95 تذكير بنمط طبيعي للروابط الذكورية بالإناث من خلال دافع العاطفة والجنس والأنوثة المربكة والانجذاب الطبيعي.
هذه بعض ملامح بيولوجيا المسودات، التي تنقل جينات الكاتب الفكرية للورق لتكون النصوص الوليدة منتقاة بعناية وفق رؤيا أدبية داروينية، تبرز دوافع الكاتب ومبررات اختياراته البيولوجية للعناوين والقصص والموضوعات.
على سبيل الختم
هكذا يتجلى أن النقد الجيني يتفرد بآليات جديدة، ينتقد الكتابة ويبتغي الوصول إلى أقنعة الحقيقة النصية، يعود بها إلى جذورها، يحطم أنساق الورق، يضرب بمطرقته الخطاب الأدبي، يظهر تأثير الرقابة و الرؤية الحقيقية للمؤلف، وقد تجلى أنه منهج صالح لدراسة المسودات الأدبية، من خلال أدوات منهجية كثيرة يستمد بعضها من مرجعيات فلسفية وعلمية مختلفة منها الجينيالوجيا والأركيولوجيا والإبستيمولوجيا، لنكون أمام بويطيقا لدراسة المسودات، وقد استجابت نصوص القاص محمد العتروس لإجراءات المنهج الجيني بوعي قبلي تام ومرونة أدبية مطواعة.
لائحة المصادر والمراجع
- ابن النديم محمد بن اسحاق: الفهرست، القاهرة ، المكتبة التجارية 1348ه.
- – ابن قتيبة الدينوري: أدب الكاتب، تحقيق علي فاعور، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان ط1،1988
- – أحمد عطية: من قضايا المخطوط العربي، النساخة- المسودة والمبيضة- الإبرازة، مجلة الأندلس، العدد 14، شتاء 2019، الجزائر.
- إدواردو غاليانو: ذاكرة النار، سفر التكوين، تر: أسامة إسبر، دار الطليعة الجديدة، سوريا دمشق، ط1، 1995.
- – ألبرتو منغويل: ذاكرة القراءة، تر: جولان حاجي، دار الساقي، 2018
- جان إيف تادييه: النقد الأدبي في القرن العشرين، تر: قاسم مقداد، منشورات وزارة الثقافة،دمشق سوريا 1993.
- – جماعة مؤلفين: مدخل إلى مناهج النقد الأدبي، تر: رضوان ظاظا، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت ط1، ماي 1997.
- جميل حمداوي: النقد الجيني في دراسة ما قبل النص، ط1، 2020، دار الريف للطبع والنشر الإلكتروني، الناظور/ تطوان.
- حسن إغلان، جريدة الاتحاد، 31-03-207
- خير الدين الزركلي: الأعلام، دار العلم للملايين، ط15، ماي 2002، ج4/
- ديفيد كارتر: النظرية الأدبية، تر: باسل المسالمة،دار التكوين، دمشق ، سوريا الطبعة1، 2010 .
- – زهور كرام: المسودة من الورقي إلى الرقمي، مجلة القدس العربي، عدد22-فبراير- 2018.
- عبد الجليل الأزدي: … المسودة.. وعي النقصان، 20-06-2009، الحوار المتمدن.
- عبد الحق طالبي: ميشل فوكو وتجاوز المناهج الفلسفية التقليدية، مجلة منتدى الاستاذ، عدد1، جانفي 2019.
- عبد الستار الحلوجي: كتاب المخطوط العربي، مكتبة مصباح، ط2، 1989، المملكة العربية السعودية.
- – عبد السلام بنعبد العالي: الكتابة بالقفز والوثب، منشورات المتوسط- إيطاليا، ط1،2020 .
- عبد السلام بنعبد العالي: انتعاشة اللغة، كتابات في الترجمة، منشورات المتوسط، إيطاليا، 2020.
- عبد القاهر الجرجاني: دلائل الإعجاز، مكتبة الخارجي، 1984.
- عمرو بن بحر الجاحظ: الحيوان، دار الكتب العلمية – بيروت ط2 ، 1424 ه.
- فريد لمريني: الفلسفة والنقد، مراصد ابستيمولوجية،دار التنوير للطباعة والنشر ط1 ،2016،لبنان، بيروت.
- فريديريك نيتشه: في جينيالوجيا الأخلاق، تر: فتحي المسكيني، المركز الوطني للترجمة تونس، دار سيناترا، سلسلة ديوان الفلسفة، 2010.
- – محمد العتروس: غالبا ما… منشورات ديهيا، بركان ط1، 2015.
- محمد بنيس: كتابة المحوـ،دار توبقال للنشر، ط1 ، 1994 الدار البيضاء.
- مصطفى بن عبد الله: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون”، تحقيق: محمد شرف الدين، دار إحياء التراث العربي، بيروت (14/1).
- موريس بلانشو: كتابة الفاجعة، تر: عز الدين الشنتوف، دار توبقال للنشر،ط1، 2018 الدار البيضاء.
- ميشل فوكو: جينيالوجيا المعرفة، تر: أحمد السطاتي وعبد السلام بنعبد العالي، دار توبقال للنشر، ط2، 2008 .
- – ميلان كونديرا: فن الرواية، تر: بدر الدين عرودكي، ط1، 1999، الاهالي للطباعة والتوزيع والنشر، دمشق، سوريا.
- المراجع بالفرنسية
- André Lalande, Vocabulaire technique et critique de la philosophie 9 éme édition
- Oswald Docrot ,Jans Marie Schaffer, Nouveau dictinnaire- encyclopédique des sciences du langage. Ed.Seuil.Paris, 1995
[1] النقد الجيني في دراسة ما قبل النص: جميل حمداوي، دار الريف للطبع والنشر الإلكتروني، الناظور، ط1، 2020، ص8
[2] الجينيالوجيا: انتشرت على يد نيتشه، وتعني علم الأصل،أو علم الأنساب، وهي ربما مأخوذة من داروين في تاريخ نشوء الكائنات الحية ، إنها حسب عبد الرزاق الضاوي: نوع من الاستنساب الفكري، توصف فيه الأفكار، وتذكر أنسابها، وظروف نشأتها، وأصولها، وعناصر تشابهها والقرابة فيما بينها من حيث المضامين ، وآليات تحقق التنوع والاختلاف فيها – يراجع مقال الجينيالوجيا وكتابة تاريخ الأفكار، مجلة فكر ونقد الدار البيضاء، العدد 30، 2000، ص 18، إن الجينيالوجيا تبحث في شروط وجود الخطاب وتكونه.
[3] في جينيالوجيا الأخلاق: فريديريك نيتشه، تر: فتحي المسكيني، المركز الوطني للترجمة تونس، دار سيناترا، سلسلة ديوان الفلسفة، 2010.
[4] جينيالوجيا المعرفة: ميشل فوكو، تر: أحمد السطاتي وعبد السلام بنعبد العالي، دار توبقال للنشر، ط2، 2008 ص 63
[5] النظرية الأدبية: ديفيد كارتر، تر: باسل المسالمة،دار التكوين، دمشق ، سوريا الطبعة1، 2010 ص 151
[6] ذاكرة النار، سفر التكوين: إدواردو غاليانو، تر: أسامة إسبر، دار الطليعة الجديدة، سوريا دمشق، ط1، 1995.
[7] من قضايا المخطوط العربي، النساخة- المسودة والمبيضة- الإبرازة: أحمد عطية، مجلة الأندلس، العدد 14، شتاء 2019، الجزائر ص 145
[8] مصطفى بن عبدالله، كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون: تحقيق: محمد شرف الدين، دار إحياء التراث العربي، بيروت (14/1)
[9] الحيوان: عمرو بن بحر الجاحظ، دار الكتب العلمية – بيروت ط2 ، 1424 ه، ص55
[10] الأعلام: خير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، ط15، ماي 2002، ص ج4/204
[11] أدب الكاتب: ابن قتيبة الدينوري، تحقيق علي فاعور، دار الكتب العلمية ، بيروت، لبنان ط1،1988ص 11
[12]Nouveau dictinnaire encyclopédique des sciences du langage : Oswald Docrot ,Jans Marie Schaffer,. Ed.Seuil.Paris , 1995,209
[13] النقد الأدبي في القرن العشرين: جان إيف تادييه، تر: قاسم مقداد، منشورات وزارة الثقافة، دمشق سوريا 1993، ص 393 – 417
[14] مدخل إلى مناهج النقد الأدبي: جماعة مؤلفين، تر: رضوان ظاظا، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت ط1،ماي 1997
[15] كتاب المخطوط العربي: عبد الستار الحلوجي، مكتبة مصباح، ط2، 1989، المملكة العربية السعودية، ص 133 – 136
[16] الفهرست: ابن النديم محمد بن اسحاق، القاهرة، المكتبة التجارية 1348ه
[17] النص المسروق من زمنه الضائع: حسن إغلان، الاتحاد، 31-03-2017
[18] غالبا ما… : محمد العتروس، منشورات ديهيا، ط1، 2015
[19] النص المسروق من زمنه الضائع: حسن إغلان، الاتحاد، 31-03-2017
[20] فن الرواية: ميلان كونديرا، تر: بدر الدين عرودكي، ط1، 1999، الأهالي للطباعة والتوزيع والنشر، دمشق، سوريا ص 14
[21] المسودة.. وعي النقصان: عبد الجليل الأزدي، 20-06-2009، الحوار المتمدن
[22] المسودة من الورقي إلى الرقمي: زهور كرام، مجلة القدس العربي، عدد22-فبراير- 2018
[23] انتعاشة اللغة: عبد السلام بنعبد العالي، منشورات المتوسط، إيطاليا، 2020
[24] ذاكرة القراءة: ألبرتو منغويل، تر: جولان حاجي، دار الساقي، 2018 ص 7
[25] كتابة الفاجعة: موريس بلانشو، تر: عز الدين الشنتوف، دار توبقال للنشر،ط1، 2018 الدار البيضاء، ص 8
[26] كتابة المحو: محمد بنيس، دار توبقال للنشر، ط1 ، 1994 الدار البيضاء ص15
[27] غالبا ما: مرجع سابق ص 15
[28] دلائل الإعجاز: عبد القاهر الجرجاني، مكتبة الخارجي، 1984 ص 146
[29] حفريات المعرفة: مرجع سابق ص 122
[30] ميشل فوكو وتجاوز المناهج الفلسفية التقليدية: عبد الحق طالبي، مجلة منتدى الأستاذ، عدد1، جانفي 2019، ص 55
[31] الكتابة بالقفز والوثب: عبد السلام بنعبد العالي، منشورات المتوسط- إيطاليا، ط1،2020
[32] Vocabulaire technique et critique de la philosophie : André Lalande, 9 éme édition
كما يمكن التوسع في مجال الابستيمولوجيا بالعودة لكتب كارل بوبر، غاستون باشلار وجان بياجيه ومحمد وقيدي ومحمد عابد الجابري وسالم يفوت وعبد السلام بنعبد العالي ومحمد سبيلا وغيرهم.
[33] الفلسفة والنقد، مراصد ابستيمولوجية: فريد لمريني، دار التنوير للطباعة والنشر، ط1 ،2016،لبنان، بيروت، ص 9

محمد العمراني: باحث وناقد من المغرب