جسدُ السردنصوص

بقع حمراء في الضباب | فتاح شيخي

إن الضَّبَاب قَد تَطَايَر وفي السَّماءِ الْأَخِيرَة بقع حَمْرَاء . . . لا أَدْري لِمَ تَأَخَّر سُقُوط اللَّيْل وَالْمَطَر غَيْرَ أَنِّي أَدْرَكْتُ أنَّ تَطَايَر الضَّبَاب كانَ سَرابا.

قُلْت لِصديقي يُونُسَ وَهُوَ يصغرني بقليل: لِمَ تَكْرَهُ الضَّبَاب؟

بِسُرْعَة أَجَابَني: «إنَّه خُدْعَةٌ» لِلْعَقْل وَالْعَيْن؛ لِذَا أحِبّ الشُّرُوق الْأَبَدِيّ.. وَفِيه أخْتَبَأ مِنْ ظُلْمَةِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ.. لَبِس نِظَارَتَه الشَّمْسِيَّة وَأَلْقَى بِجَسَدِه فِي بِرْكَةِ مَاءٍ تُشْبِه الْبَحْر. لَمْ يَكُن الْبَحْر.. كان لحظة للطهارة.

هذا ما أوحي لي.. غير أني سألته مرة أخرى «يا يونس ألا تخاف من سراب الشموس وأنت عابدها»؟

أوَتَعْلم أن مع خيوط الشمس يلمع الماء كالذهب في الصحاري؟

أتَتِيهُ حبّاً في الشمس؟

أجابني وقد تطاير من عينه الشرر «أنا من أجل الشمس أجلد ذاتي»

وهذا حلمي …على الأقل.. سأحلم يوماً أني أعآآآنق الشمس ليلا…

تركته وسط الضباب.. لم أعد أراه.. أو هكذا بدا لي في زحمة الرؤية.. أهو التِيه قد نال منه أم أنا الذي فقدت المسير!

لم أُطِقْ أنه يغيب وتارة شبحاً أراه.. كدت أجزم أن الضباب قد التفّ على مسارح وأزقة ودروب المدينة فكيف ألقاه؟

كان قلبي وحده دليلي وسط هذا الركام من الأسئلة. كنت أحبو على صدري نحو خيط شمس.. أجذبه يهرب مني!

أحسست ببرد ورذاذ من كتل الضباب التي تطوقني.. لوحت بيدي.. أصرخ وتعالى الصراخ يتردد صداه في الفجاج والوديان؛

فجأة أطلّت الشمس …

كان يحملها في يده وهو يصيح فرحا

لا للضباب لا للضباب لا للضباب

فأنا طلعة الشمس وديك القرية.. أدعوكم لتقديم احترامكم للشمس…

وكأن الأرض انشطرت لم أره.. لكني سمعته يحكي كما حَكيْتُ عن الشمس والضباب عن الحب وأغاني الصباح…

خاص قناص

فتاح شيخي؛ كاتب مغربي

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى