فاز مؤخراً الفيلم الجزائري “سولا” للمخرج صلاح إسعاد بجائزة أفضل فيلم روائي طويل في مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط في دورته الأخيرة، والتي كانت حافلة بالمشاركات العربية والدولية حيث شارك في هذه الدورة تسع وعشرون دولة وتم عرض تسعين فيلماً، وانعقدت العديد من الندوات وورش حول الأفلام وتقنيات الإخراج السينمائي، أشرف عليها المخرج المصري الكبير علي بدرخان.
تدور أحداث الفيلم، على امتداد تسعين دقيقة، عن قصة درامية للبطلة “سولا” والتي أصبحت أماً عزباء ويقوم والدها بطردها من منزل العائلة لتجد نفسها مع ابنها مشردين ومن دون مأوى، فتقف وحيدة في مواجهة مخاطر الشارع.. كتب سيناريو هذا الفيلم المخرج صلاح إسعاد والممثلة سولا، وهو مقتبس من قصة حياة البطلة سولا وحياة الناس المقربين منها.

عمد المخرج إلى استخدام كلمات جريئة ونابية في الحوار بين الشخصيات، وصور العديد من المشاهد مثلما تحدث على أرض الواقع ناقلاً من خلالها ردود فعل الأهل على حمل بناتهم خارج إطار الزواج.
الصورة: صلاح إسعاد خلال تكريمه في مهرجان عَمّان السينمائي | fb.com/Issaad.Salah
تواجه البطلة سولا في هذا الفيلم مصيراً مجهولاً ومحفوفاً بالمخاطر بعد طردها مع رضيعها من قبل والدها من بيت العائلة، فتحاول أن تجد مكاناً آمناً لهما ولكنها تضطر إلى قضاء الليل متنقلة من سيارة إلى أخرى مع عدد من الأشخاص الغرباء في شوارع المدينة المظلمة ولم تسعفها محاولاتها المتكررة في تغيير أقدارها المريرة.
هذه القضية التي يعالجها الفيلم تعد من المسائل المسكوت عنها بل هي تعد من التابوهات؛ ذلك أن مسألة الإنجاب خارج إطار الزواج تعد أمراً محرماً ومرفوضاً في المجتمع الجزائري المحافظ، وحيث أن المجتمع ينظر إلى الأم العزباء على أنها تمثل وصمة عار وفضيحة للأسرة.
لم يتكلف المخرج في البحث عن ديكورات متنوعة بل اكتفى بالسيارة والتي مثلت المكان الرئيسي لجل أحداث الفيلم؛ الأمر الذي يعكس إحساس البطلة بالضيق وانسداد الأفق والعجز والشعور بفقدان سبل النجاة من مصيرها البائس والمؤلم.
وكان اختيار السيارة كإطار لأحداث الفيلم موفقا لأن هذه الوسيلة تلعب اليوم دوراً مهماً في حياة العديد من الشباب الجزائري وهي بمثابة ملجأ له يمارس فيه الكثير مما يشتهيه من ممنوعات ومحظورات. حيثُ عمد المخرج إلى استخدام كلمات جريئة ونابية في الحوار بين الشخصيات، وصور العديد من المشاهد مثلما تحدث على أرض الواقع ناقلاً من خلالها ردود فعل العائلات والأهل والأصدقاء على حمل بناتهم خارج إطار الزواج.
لا يقتصر الفيلم على الخوض في هذا الموضوع المحظور، بل يعتبر عملاً سينمائياً مبنياً على قصة درامية بشخصيات تتفاعل مع بعضها البعض وفقاً لما يعيشه المجتمع الجزائري.
وكان هذا الفيلم الروائي الطويل للمخرج الجزائري صلاح إسعاد قد توج بجائزة في مهرجان مالمو للفيلم العربي في السويد في شهر مايو المنصرم، وكما فازت بطلة الفيلم بجائزة أحسن ممثلة في المهرجان. وسبق أن حاز على ثماني جوائز بعد مشاركته في برنامج “فاينل كت” العالمي والذي تم تنظيمه من قبل مهرجان البندقية السينمائي. حصل كذلك على سبع جوائز أخرى وصلت قيمتها إلى حوالي سبعين ألف يورو وهي دعم مادي من شركة “لازار فيلم” وأخرى بقيمة 2500 يورو من مهرجان أميان السينمائي الدولي وكذلك على دعم بالقيمة نفسها من مهرجان فريبورغ السينمائي الدولي.
وقدم المعهد الفرنسي “سينماتيك أفريقيا” دعماً بقيمة ستة آلاف يورو مقابل العروض غير التجارية والحصرية للفيلم، وذلك لمدة سبع سنوات، وكما حصل هذا الفيلم على خدمات التسويق والتوزيع في العالم العربي.
اللافت أن السينما الجزائرية اتجهت في السنوات الأخيرة إلى خوض تجارب جديدة تعد أكثر جرأة، عملت على تجاوز سلطة الرقابة والإفلات من قبضة الضوابط الاجتماعية والقيم الأخلاقية، وذلك من خلال التطرق إلى ظواهر اجتماعية معقدة وشائكة ومستجدة انتشرت في المجتمع الجزائري وصار من الضروري اليوم فهم أسبابها والعمل على إيجاد حلول لها.