– الآباء –
في البزلِ المُهملِ شمالَ الحي؛ عثرنا على جثةٍ بلا رأس.
جاء الأولادُ يتراكضونَ مذعورينَ. كانوا يلعبونَ الكرةَ في الأرضِ السبخةِ المحاذيةِ للبزلِ. فهِمنا من تمتماتهم أنهم شاهدوا جثةَ رجلٍ في البزلِ حين أرادوا إخراجَ كرتهم التي سقطتْ هناك.
هرعنا إلى البزل فيما انشغلتْ النساء بإجراءِ الرقي والتعازيم على الأولاد.
كان الجسدُ مستلقياً على منحدرِ البزل. إحدى يديهِ ممدودةٍ بجانبِ جذعهِ. الأخرى تستريحُ على بطنهِ المستوية وكانت رجله اليمنى مثنية قليلاً. بدا كشخصٍ يتشمسُ على رملِ شاطئ لا وجودَ له، ولو كان الرأسُ موجوداً لكانت العينانِ مغمضتانِ والشفتانِ مسترخيتان. لكن الرأسَ لم يكنْ موجوداً. بحثنا عنه بين أعوادِ القصبِ الكثيف؛ في المياهِ الضحلةِ الآسنة؛ في رملِ البزل الهش، فلم نعثر إلاّ على كرةِ الأولاد.
قبل أن تأتي الشرطة، صنعنا من طينِ البزلِ الطري رأساً مناسباً وضعناه مكان الرأس المفقود. أخذ كل واحد منا صورةً مع الجثة.
– الأولاد –
سحبناهُ من المياهِ السوداءِ القذرةِ ووضعناهُ على منحدرِ البزلِ. نظفنا ملابسه من الأوساخِ. ولمّا لم نجدْ الرأسَ في أيِّ مكان. وضعنا الكرة مكانَ الرأسِ وبعنايةٍ رسمنا بالطينِ الآسنِ الأنفَ والعينينِ والشفتينِ. لكن الفكرة لم ترقْ لنا. قلبناهُ على جنبهِ الأيسرِ وحفرنا بأيدينا ساقيةً على طولهِ في المكان الذي كان مُضطجعاً فيه. تناوبنا على التمددِ في الساقيةِ وإعادة الجثةِ إلى وضعها السابق بحيث يكونُ رأسنا مكانَ الرأسِ المفقودِ في كل مرة. حصل كلُّ واحدٍ على صورة وهو بذلك الوضعِ. ردمنا الحفرةَ وأعدنا الجثةَ إلى وضعها السابق. رتبنا وضعية أطرافهِ عدة مراتٍ دون أن نستقرَّ على واحدة.
اتفقنا على أن نصطنعَ الذعرَ والتلعثمَ أمام أهالي الحي وأن نتمالكَ أنفسنا حين تغطينا أمهاتنا بالبخورِ والأدعيةِ على الأقل حتى يُذاعُ الخبرُ في نشرةِ المساء.
رمينا الكرةَ وسطَ القصبِ وشرعنا نتسابقُ نحو مقهى الحي.
– الآباء –
في المساء تجمّعنا في مقهى الحي. أصرّ الأولادُ على الحضور. عندما ظهر الخبر توقفنا عن التنفس، وحين ذُكر اسم حَيّنا لم نتمالك أنفسنا من الصياح والهياج. نظرنا ناحية الأولاد فأصابتنا الحَيْرَة. كانوا يتبادلون النظرات… ويبتسمون!
خاص مجلة قَنّآص
خالد شاطي؛ قاص من العراق. صدر له: “الديك الأعرج وقصص أخرى”، “كتاب الغد” مجموعة قصصية مشتركة، “جداريات- منتخبات من القصة العراقية الحديثة”. أعدَّ وقدّم “موسوعة القصة القصيرة المعاصرة”؛ 2021. عن مؤسسة أبجد للترجمة والنشر والتوزيع، وقد ترجمت إلى اللغة الأسبانية.