أجرت الحوار الصحفية سيونا جينكينز ونشر على الموقع الالكتروني لصحيفة الفايننشال تايمز بتاريخ 19/05/2022م
تشعر جوخة الحارثي بالتوتر مع اقتراب نشر أحدث رواياتها باللغة الإنجليزية، وهو توتر ليس مصدره طريقة استقبال روايتها الجديدة، لكن منبعه خشيتها من أن أقوم بتحوير اجاباتها، تؤكد جوخة ذلك قائلةً «لقد رأيتُ عناوين صادمة تنشر ضمن مقال ما بشأني، وهذا يجعلني أتراجع عن إجراء الحوارات». لكنه توتر مثير للدهشة، فهو توتر كاتبة قضتْ الآن ثلاث سنوات في دائرة الضوء، بعد أن فازت بجائزة البوكر الدولية لعام 2019 عن روايتها «سيدات القمر»، وهي أول شخص عربي يفوز بهذه الجائزة، حيث فازت بها مناصفةً مع مترجمة الرواية مارلين بوث.
تُرجمت رواية «سيدات القمر»، التي تتبعت حياة ثلاث أخوات في عُمان – موطن جوخة الحارثي- إلى أثنين وعشرين لغة، وحظيت بالترحيب في جميع أنحاء العالم. في حديثها إليّ عبر الفيديو من غرفة في فندق أمريكي، قبل إطلاق روايتها «نارنجة» في الولايات المتحدة، وصفت الفوز بالجائزة بأنه «شرف عظيم» لكنها تقر بأنه على الرغم من أن الاهتمام بها كان جيدًا، لكنه كان أيضًا «اهتماماً ساحقًا»، وتؤكد: «أن هذا الاهتمام يضع ضغطًا كبيرًا على عملك القادم».
قد جعل طول الفترة الزمنية بين النشر الأصلي للرواية وترجمتها تنظر جوخة الحارثي لتوقعات عالم الأدب بشيء من الفلسفة، فقد نُشرت رواية «سيدات القمر» في العام 2010م، وحظيت الرواية بمراجعات جيدة من النقاد العرب في ذلك الوقت، لكنها لم تكتسب شهرةً حتى فازت بجائزة البوكر بعد مرور ما يقرب من عقد من الزمان على نشرها. وقد نَشرتْ جوخة مؤخراً رواية أخرى باللغة العربية «حرير الغزالة»، وتأمل أن تتم ترجمتها أيضًا. تقول جوخة الحارثي، التي تعمل أستاذاً مشاركاً للغة العربية وآدابها بجامعة السلطان قابوس في مسقط، «علمني تأخر الترجمات التحلي بالصبر»، فهي قد نشرت أربع روايات باللغة العربية، بالإضافة إلى العديد من الأعمال غير الروائية التي تتناول الأدب العربي. تقول جوخة «أعتقد أن لكل كتاب قارئه المناسب، الذي يمكن أن يأتي الآن أو أن يأتي لاحقًا. أرجو أن تجد رواية “نارنجة” هذا القارئ أيضًا».
نُشرت رواية «نارنجة» باللغة العربية في العام 2016م وقامت بترجمتها كذلك مارلين بوث، وتدور أحداث الرواية، مثل رواية «سيدات القمر»، في سلطنة عُمان، وتتشكل شخصياتها من خلال التغييرات الاجتماعية والسياسية العميقة التي مرت بها البلاد بعد الحرب العالمية الثانية، حيث كانت عُمان ذات يوم دولة تجارية ثرية تملك إمبراطورية امتدت إلى ساحل شرق إفريقيا، وأصابها الركود خلال القرن العشرين. حكمها السلطان سعيد بن تيمور لما يقرب من الأربعين عامًا، وهو سلطان تقليدي لم يهتم بالتحديث وكان ممسكاً بالدولة. عندما أنتقل الحكم إلى ابنه في العام 1970م، كانت سلطنة عمان تحتوي على طرق معبدة قليلة، وكان معظم سكانها أميين، وكان الفقر وسوء التغذية متوطنين. وعلى الرغم من أن السلطنة تملك احتياطيات متواضعة من النفط والغاز، مقارنة مع جيرانها الخليجيين، إلا أنه تم تحديثها بسرعة في عهد السلطان قابوس بن سعيد آل سعيد، وتغيرت الحياة بشكل عميق في غضون جيلين. وقامت جوخة الحارثي بحكاية هذا التاريخ ببراعة في رواياتها.
تعيش بنت عامر، الشخصية المركزية في رواية «نارنجة»، فترة التحول المربك في عمان من مجتمع ريفي تقليدي إلى دولة حديثة مزدهرة، فهي أمية ويصيب العمى إحدى عينيها ولم يسبق لها الزواج وعاشت معظم حياتها في منزل أحد أقاربها. وإذا نظرنا إليها من خلال عيون حفيدتها زهور، التي تدرس في جامعة بريطانية لم تذكر اسمها، نجد أن بنت عامر مرتبطة بماضٍ آخذ في الاختفاء وضحية للتقاليد. كتبت الحارثي عنها في الرواية: «ظلت تجلس هناك كما كانت منذ الأزل: بالطرحة الملونة، بالرداء الأسود المشغول عند الصدر والمنسدل حتى أسفل الركبة. . . ».
تعتبر حياة بنت عامر مأساوية، لكنها نجت من الفقر وحصلت على منزل بفضل الروابط العائلية التي كانت تعمل كنظام رعاية غير رسمي.
هناك أصداء من حياة جوخة الحارثي في رواية «نارنجة»: درست الحارثي في المملكة المتحدة مثل زهور، وحصلت على درجة الدكتوراه في الأدب العربي الكلاسيكي من جامعة إدنبرة.
نشأت جوخة الحارثي في أسرة كبيرة، وسط ثماني شقيقات وأربعة أشقاء، الأمر الذي ساعدها على فهم النساء وحياتهن أثناء ما تصفه بانه «وقت صعب للغاية في عمان». ولدت جوخة الحارثي في العام 1978م، بعد أقل من عقد من نهاية حكم بن تيمور، فهي قد نشأت خلال عصر التحديث في عمان حيث تم افتتاح مدارس للبنين والبنات، ولأن جوخة كانت ذكية، عندما كانت في الخامسة من عمرها، ادّعى والدها أنها كانت أكبر بعامين حتى تتمكن من التسجيل في المدرسة قبل سن السابعة. تتذكر قائلة: «كان من أشد المؤمنين بالتعليم». جميع أشقائها يحملون شهادات عليا أو يدرسون للحصول عليها. تستدعى قائلةً: «لقد نشأت بين الكثير من الأقارب، وأتيحت لي الفرصة للاستماع إلى أنواع مختلفة من النساء، المتعلمات وغير المتعلمات والمسنات والشابات. كان التنوع في مثل هذا المجتمع الصغير مذهلاً »، «فأنت تنتقل بين شخص لم يحمل كتابًا في يده على الإطلاق وشخص آخر حاصل على درجة الدكتوراه من كامبريدج أو أكسفورد، كما يمكن أن تكون هناك امرأة قوية جدًا، على الرغم من أنها غير متعلمة، وامرأة ضعيفة حاصلة على درجات علمية وجميع الخيارات التي لم تكن متاحة لجدتها».
هناك أصداء من حياة جوخة الحارثي في رواية «نارنجة». درست الحارثي في المملكة المتحدة مثل زهور، وحصلت على درجة الدكتوراه في الأدب العربي الكلاسيكي من جامعة إدنبرة. لكنها تصر على أن أي تشابه بينها وبين شخصياتها هو من قبيل الصدفة. تقول: «لا أعتقد أنني أبحث عمداً عن الإلهام من خلال تجاربي الحياتية»، «وإلا سأكون مشغولةً للغاية بمراقبة الحياة بدلاً من الانهماك فيها. لقد مررت للتو بتجارب سفر وصداقات، ثم عادت لي هذه التجارب مرة أخرى مثل شظايا من الذكريات أو المشاعر أو الأفكار». يمكن في بعض الأحيان أن يتجاهل قراء الروايات التي تصف مجتمعًا غير مألوف هذا التقطير للتاريخ والخبرة في السرد، وتعترف جوخة الحارثي بأنه يزعجها أن العديد من القراء غير العرب ينظرون لرواية «سيدات القمر» بوصفها كتاب تعليمي عن عمان.
تقول جوخة على نحو دبلوماسي: «أنا لا أصدر أحكاماً على الناس»، «نحن نعرف عن المجتمعات من خلال قراءة آدابها، لكن هذه الآداب هي عمل متخيل. بالنسبة لي، فإن تلقي الروايات بوصفها نوع من العمل التوثيقي هو أمر خطير بعض الشيء وينطوي على تجاهل للعناصر الجمالية للرواية، تجاهل للخيال وللعب بالزمان والواقع والمكان»، وتضيف «لا يمكننا الإنكار بالطبع أننا تعرفنا على اليابان من خلال أعمال ياسوناري كواباتا، على سبيل المثال». «لكن إذا أردت أن أفهم المجتمع في اليابان، فهل هو المجتمع الذي كتب عنه كواباتا أم المجتمع الذي كتب عنه هاروكي موراكامي؟ أعتقد أن الخيال حقيقة موازية، إنه مثل المرآة في مدينة الملاهي، تُكَبّر الأشياء وتقلصها».
قد اضطرت جوخة الحارثي للدفاع عن أعمالها أمام القراء الحَرْفيين في عُمان، وتلقت تهديدات على وسائل التواصل الاجتماعي، واتهمها البعض بالإضرار بالصورة الوطنية للبلاد بسبب تناولها الصريح للعبودية في روايتها «سيدات القمر».
قد تم حظر العبودية في عمان في العام 1970م، لكن لا يزال الموضوع حساسًا، وقد لاحظت جوخة الحارثي أن الضجة حول رواية سيدات القمر جاءت فقط بعد أن جذبت الرواية اهتمامًا دوليًا عقب حصولها على جائزة البوكر. تتذكر قائلة: «كان الناس غاضبين»، ثم تضيف «لكن العبودية حدثت في جميع أنحاء العالم وفي أوقات مختلفة من التاريخ، وهي ممارسة تعود إلى آلاف السنين. علينا التعامل معها كبشر أولاً، إنها جزء من تاريخنا وعلينا أن ننظر إلى ذلك». ربما تفسر الانتقادات التي وجهت لجوخة توترها عند بداية حوارنا، والذي تبدد الآن بعد محادثة استمرت لمدة ساعة تراوحت بين آرائها حول الأدب والتاريخ، وحول كيفية تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الأطفال، سواء كانوا يعيشوا في عُمان أو في المملكة المتحدة (لديها ثلاثة أطفال تتراوح أعمارهم بين 4 و17 عامًا)، .
وبينما تستعد جوخة الحارثي للتوقيع على ترجمة روايتها الجديدة، تعود إلى منتقديها على وسائل التواصل الاجتماعي بتحدٍ هادئ وتقول: «أنا أكتب عن الأشياء التي أريد أن أكتب عنها، وعن الأشياء التي تهمني»، «أحاول أن أكون صادقةً مع نفسي. لا أريد لفت الانتباه، أريد فقط أن أكتب بسبب متعة الكتابة».
رابط المقال الأصلي في الفايننشال تايمز